لماذا بدأت إيران نشر قواتها المسلّحة في ميدان المعركة السورية؟

19 أبريل، 2016

ناو اللبنانية –

جاءت أول عملية انتشار من قوات برية أجنبية على الخطوط الأمامية للمعركة السورية، التي استمرت خمس سنوات بين مؤيدي ومعارضي بشار الأسد، بقدر من الصخب والجدل أقل مما كان متوقعًا.

في 4 أبريل الجاري، أي بعد أقل من شهرين على تصريح وزير الخارجية الأمريكي جون كيري أمام الكونغرس بأنَّ إيران تقوم بتقليص تواجدها المباشر في سوريا، أعلن الجنرال الإيراني علي أراستيه أنَّ الجمهورية الإسلامية أرسلت قواتها المسلّحة الرسمية، والمعروفة في اللغة الفارسية باسم “أرتش”، لساحة المعركة السورية للمرة الأولى، وذكر اسم اللواء 65 للقوات الخاصة المحمولة جوًا على وجه الخصوص من بين “وحدات أخرى” انضمت إلى المعركة. وتمثل هذه المناسبة أو عملية نشر للجيش الإيراني خارج الأراضي الإيرانية منذ حرب 1980-1988 مع العراق.  

في حين أنّه كانت هناك “قوات” إيرانية في سوريا منذ بداية عام 2012، كانت جميع تلك القوات تابعة للحرس الثوري الإيراني، المنظمة العسكرية الموازية تأسست بعد ثورة عام 1979 كقوة إسلامية موازية للجيش الإيراني، والتي يُنظر لها بشكل مثير للريبة لجذورها الراسخة في النظام العلماني القديم. وقد وصل عدد مقاتلي الحرس الثوري في سوريا إلى 3000 مقاتل في أكتوبر الماضي، بالتزامن مع الحملة الجوية الروسية التي انطلقت في صيف عام 2015 من قِبل قائد العمليات الخارجية للحرس الثوري الإيراني، قاسم سليماني. ولذلك، فإنَّ ما قاله جون كيري في فبراير الماضي كان صحيحًا: الحرس الثوري الإيراني نفسه كان قد سحب في ذلك الوقت معظم إن لم يكن كل التعزيزات التي أضافها في أكتوبر العام الماضي. ومع ذلك، تمّ تعويض تلك الانسحابات عن طريق إرسال قوات الجيش الإيراني.

وكتب أمير توماج، المحلل السياسي الإيراني في مؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات: “على الرغم من التقارير التي تفيد بأنَّ إيران ستسحب قواتها من سوريا، إلّا أنَّ إعلان هذا الأسبوع هو مجرد انعكاس لإعادة تشكيل طهران لقواتها في سوريا”.

حتى الآن، يبدو التأثير العسكري لانخراط الجيش الإيراني في الحرب السورية محدودًا للغاية. في الواقع، خسر اللواء 65 ما لا يقل عن خمسة جنود في قتال استمر اثني عشر يومًا، وفقًا لوسائل الإعلام الرسمية الإيرانية. وهذا ينطبق أيضًا مع الحرس الثوري. في تقرير نشرته وكالة أسوشيتد برس، خسر الحرس الثوري الإيراني “ما لا يقل عن 187 جنديًا” خلال شهريّ أكتوبر وفبراير، أي 6٪ من قوة قوامها 3000 مقاتل على الأرض. وإجمالًا، قُتل أكثر من 340 مقاتل من الحرس الثوري الإيراني في سوريا منذ عام 2012، من بينهم كبار القادة مثل الجنرال حسين همداني، القائد البالغ من العمر 64 عامًا الذي كان يُنظر إليه على أنّه الزعيم القادم المحتمل للحرس الثوري.

تبدو الأمور غير مواتية لإيران. وقال محللون إنَّ معدل الاستنزاف استمر داخل الحرس الثوري والجيش الإيراني، وشمل 150 ألف و350 ألف جندي، على التوالي. وفيما يتعلق بحجم القوات، فإنَّ الوجود العسكري المباشر لإيران في سوريا لا يزال محدودًا، وسوف تستمر طهران في الاعتماد أولًا وقبل كل شيء على قوات شيعية غير إيرانية تعمل بالوكالة، مثل حزب الله اللبناني والوحدات العراقية والأفغانية المتحالفة معها، وفق ما ذكره بول بوكالا، المحلل في مشروع التهديدات الحرجة بمعهد المؤسسة الأمريكية.  

وقال بوكالا: “جميع الضحايا كانوا من الضباط ومن ألوية مختلفة. وهذا يشير إلى أن قوات الوحدات المختلفة يجري نشرها بدلًا من وحدة كاملة من الجيش الإيراني. في الواقع، يبدو أنَّ نشر الضباط سيكون مواصلة لنفس النموذج الذي استخدمته القوات البرية للحرس الثوري في هجمات فصليّ الخريف والشتاء حول مدينة حلب.”

وأضاف: “لا يبدو أن هناك مناصًا حتى الآن من البصمة الإيرانية التي لاحظناها منذ بداية الحملة الجوية الروسية”.

لهذا السبب، قد يكون من الخطأ قراءة نشر قوات الجيش الإيراني كخطوة أولى نحو غزو بريّ إيراني لسوريا، وذلك بحسب ما يرى كل من بوكالا وتوماج.

وقال توماج: “ترفض إيران بدء غزو بريّ واسع النطاق في سوريا. وبدلا من ذلك، فمن المرجح أن تستمر في تنفيذ “هجمات كبرى” قصيرة الأجل مثل هجمات أكتوبر عام 2015، وإنهاءها سريعًا بمجرد تحقيق الأهداف المباشرة وسيطرة الوكلاء غير الإيرانيين.”

إن لم تكن إيران تستعد لحرب أوسع، إذن، لماذا ترسل قواتها إلى سوريا؟ قال محللون إنَّ هذه الخطوة تعكس مخاوف بشأن أداء القوات الأخرى الموالية للأسد. وكما أشارت مجلة “ناو” في أعداد سابقة، أجبرت خسائر حزب الله إلى لجوء الحزب لتجنيد القاصرين، في حين اعترف الأسد في يونيو الماضي بأنَّ الجيش السوري يواجه نقصًا كبيرًا في القوى العاملة. وقال بوكالا: “إرسال القوات الخاصة بالجيش الإيراني إلى سوريا كان ردًا على مخاوف بشأن تصاعد عدد القتلى بين قوات الحرس الثوري، ورغبة في توزيع التكاليف بين وحدات عسكرية أخرى”.

ومع ذلك، قال بوكالا توماج إنَّ هناك عوامل إيرانية المحلية متعلقة بالتنافس المستمر منذ عقود بين الحرس الثوري والجيش الإيراني.

“وأوضح توماج: “منذ الثورة الإسلامية عام 1979، ازداد نفوذ رجال الدين داخل الحرس الثوري. وجاء الجيش في المرتبة الثانية بعد الحرس الثوري الإيراني، وحصل على عدد أقل من الموارد والتمويل. ومنذ الحرب بين إيران والعراق، دائمًا ما كان يقع الاختيار على الحرس الثوري في حال أرادت إيران نشر قوات عسكرية لمكافحة التهديدات الأمنية مثل التمرد الكردي في شمال غرب إيران والانفصاليين البلوش في جنوب شرق البلاد. ولذلك، تريد القوات الخاصة داخل الجيش القتال في سوريا للحصول على فرصة لإثبات جدارتها أمام المرشد الأعلى علي خامنئي.”

ومثلما توفر العوامل الداخلية الدافع لنشر قوات الجيش الإيراني، يمكنها أيضًا كبح جماح تلك القوات في حال عدم سير التقدم العسكري كما هو مخطط له. في حين أن تدخل إيران في سوريا كان مسألة سريّة في البداية، لا تتحدث عنه وسائل الإعلام ولا تتم مناقشته علنًا، لكن منذ أكتوبر العام الماضي تمّ الكشف عن هذا التدخل وحظي بتغطية صحيفة واسعة ومناقشة كبيرة على وسائل التواصل الاجتماعي. ومن المهم أن نضع في اعتبارنا أنَّ ارتفاع عدد القتلى أثار استياء الرأي العام، ومن ثمّ بادر خامنئي بإلقاء الخطب للدفاع عن “الشهداء” ووصفهم كأبطال وطنيين ودينيين، والتقاط الصور مع أطفال الجنود القتلى.

وحتى الآن، لا تزال نسبة دعم الحرب في سوريا مرتفعة للغاية داخل النظام وبين الجمهور، بحسب بوكالا. كما وجد استطلاع للرأي أجرته جامعة ميريلاند في يناير 2016، على سبيل المثال، أنَّ نسبة الموافقة على الدور الإيراني في سوريا وصلت إلى 80٪.

ومع ذلك “لا يستطيع هذا الدعم تغيير الأوضاع في سوريا، وخاصة إذا قررت طهران إرسال مجندين للقتال في الخطوط الأمامية في سوريا. يمكن أن تحافظ إيران على الإصابات في صفوف كوادر الضابط عند المعدل الحالي لبعض الوقت، ولكن وجود مجندين من وحدات الجيش الإيراني يموتون بأعداد كبيرة قد يكون كافيًا لإثارة ردود فعل محلية.”

وقال توماج: “أيًا كان الأمر، فإنَّ أي رد فعل محلي عنيف من غير المرجح أن يكون له تأثير من الناحية العملية على حسابات النظام الإيراني.”

وحتى لو كان هناك رد فعل محلي عنيف، لن يغيّر ذلك سياسات طهران في سوريا. وبالرغم من كل شيء، إيران ديكتاتورية لا تهتم كثيرًا بما يفكر شعبها.”