لماذا تقع الديمقراطية في الغرب تحت ضغط كبير؟


ذا ناشيونال –

إذا كنت تفكر في الديمقراطية ستجد أنها كانت دومًا مفهومًا غريبًا. الأغلبية – الأكثر فقرًا، والأقل تعليمًا في المجتمع الذين ليس لديهم خبرة لتولي السلطة – يسيطرون على النخبة الذين لديهم ممتلكات وثروات وتاريخ في الحكم. للوهلة الأولى، يبدو أن هذا يتعارض مع الطبيعة وليس من المستغرب إذن أنه في العصور القديمة رأت بعض القلة الديمقراطية بوصفها استعباد الغوغاء.

وعلى الرغم من هذا التناقض، ازدهرت الديمقراطية في أشكال مختلفة عن أصولها في اليونان القديمة. في التسعينات، أشاد العالم السياسي الأمريكي فرانسيس فوكوياما بالديمقراطية الليبرالية ووصفها بأنها “نهاية التاريخ”، وأفضل نظامٍ حكم وضعته البشرية. إذا كان هذا صحيحًا، فلماذا نرى الديمقراطيات الغربية الكبرى تعاني من أزمات بعد مرور عقدين من الزمان؟

الأحزاب السياسية القائمة – الوسائل التي تترجم “إرادة الشعوب” في صناديق الاقتراع والتي تحول إلى حكومة فعلية – تشهد تحديًا من خلال حالة التمرد من الولايات المتحدة إلى أوروبا وفي أماكن أخرى في العالم. الحزب الجمهوري في الولايات المتحدة، الذي كان في السابق ملاذ النخبة المحافظة المؤيدة لقطاع الأعمال، يتمزق الآن من قِبل الملياردير الأحمق دونالد ترامب، المنافس للفوز بترشيح الحزب الجمهوري للرئاسة، والذي أثار غضب الطبقة العاملة البيضاء. وحتى لو لم يتم اختياره كمرشح للرئاسة، هناك أسئلة كثيرة عما إذا كان الحزب يمكن أن يجلب مرة أخرى الفصيلين الرئيسيين؛ الفصيل الأممي المؤيد لقطاع الاعمال من جهة، والفصيل القومي المناهض للمهاجرين من جهة أخرى.

يمكن أن ننظر إلى هذا التمرد في جميع أنحاء أوروبا، حيث يجري تهديد السياسة التقليدية من قِبل قوات من أقصى اليمين أو أقصى اليسار. في بريطانيا، تأرجح حزب العمّال، حزب توني بلير، إلى اليسار، بينما كانت أسبانيا حالة نماذجية للانتقال السلس بين اليمين واليسار منذ نهاية دكتاتورية فرانكو، ولم تتمكن من تشكيل حكومة منذ ديسمبر الماضي عندما انهار نظام الحزبين. وفي فرنسا، الجبهة الوطنية اليمينية المتطرفة آخذة في الصعود، في حين حُكمت بولندا والمجر من قِبل أحزاب سلطوية بدلًا من المُثل الليبرالية للاتحاد الأوروبي.

ثمة أسباب لكل هذه الصعوبات. الاتحاد الأوروبي، في حين يبدو من الخارج كاتحاد ناجحة واستثنائي من 28 دولة، لكنه اتحاد فاشل في الوقت الذي يكافح فيه لحل أزمة اليورو وأزمة الهجرة الجماعية. لم يحن الوقت لشطب الديمقراطية ككل، فقد أجرت الهند انتخابات ناجحة في عام 2014. ولكن هناك بعض العوامل المشتركة التي تفسر لماذا النظام الديمقراطي الذي نجح في الأوقات الجيدة في الدول الغربية يقع الآن تحت هذا الضغط الهائل.

العامل الأول هو العولمة. هناك تعريفات عديدة لمصطلح العولمة، أحدها: العولمة هي العملية التي تنتشل مئات الملايين في العالم النامي – مثل الصين – من حالة الفقر المدقع وفي الزقت نفسه تقيّد الأجور في الدول المتقدمة. وأثر ذلك هو تأجيج حرب طبقية جديدة في البلدان المتقدمة بين الطبقة العاملة، التي تخسر تلك الحرب، والنخبة المالية والتجارية، التي تنتصر في النهاية. ولذا، فمن المستحيل النظر إلى رئيس أي شركة كبرى في الولايات المتحدة كبطل قومي.

أضف إلى تلك الحقيقة أنَّ المصلحة المالية هي التي تسود في نهاية المطاف، وذلك على حساب المفاهيم القديمة مثل التضامن والإنصاف. المساهمات من الأفراد والشركات الغنية تميل إلى قلب نتيجة الانتخابات في الولايات المتحدة. ولذا، فهي ليست مساهمات خيريّة بالأساس: التبرعات هي شكل من أشكال الضغط. ومن هنا جاءت شعبية ترامب (الذي ينفق أمواله الخاصة على حملته الانتخابية، وبالتالي لا يدين بالفضل لأي شركة أخرى) وهناك بيرني ساندرز، المنافس الديمقراطي والاشتراكي، الذي يعتمد على التبرعات الصغيرة من بعض الأفراد. وفي الوقت نفسه، يأخذ الأغنياء حصة أكبر من الثروة ومن ثمّ ينخفض الحراك الاجتماعي في أمريكا. وفي بريطانيا، أظهرت الأبحاث عن رواتب الخريجين أنَّ أبناء وبنات الأثرياء يحصلون على رواتب أعلى من أبناء الفقراء، حتى عندما يدرسون نفس التخصص وفي نفس الكلية.

مؤسس فيس بوك مارك زوكربيرج، حث الناس هذا الأسبوع على عدم الانغلاق، وإعطاء الأولوية “للأمل بدلًا من الخوف”. ولكن بوصفه عضوًا بارزًا في النخبة العالمية، فإنَّ كلماته لن تغيّر موقف كثير من الناخبين الأمريكيين الساخطين. السبب الرئيسي هو أن محرك النمو قد توقف، ولا يتوقع معظم الأمريكيين أن يفعل أطفالهم أفضل مما فعلوا هم في السابق. ويبدو الحديث عن “الكساد العلماني” الآن أكثر مصداقية من وعود السياسيين بإعادة الأيام الخوالي. لقد كانت تلك الأيام هي الفترة الذهبية لأن العديد من الدول الديمقراطية غرقت في الديون أكبر من أي وقت مضى لتنفيذ الوعود التي قطعتها في وقت الانتخابات، وهي عملية لا يمكن أن تستمر إلى الأبد.

وأخيرًا، فإنَّ الثورة الرقمية تستبدل المجتمعات في العالم الحقيقي، حيث يتواصل الناس مع بعضهم البعض رُغم اختلاف قناعاتهم الشخصية، بــ “مجتمعات مذهبية” على مواقع الإنترنت حيث كل شخص لديه الأفكار نفسها. وهذا يتجلى بشكل خاص في الولايات المتحدة. نظريات المؤامرة، مثل الاعتقاد بأنَّ باراك أوباما لم لكن مواطنًا أمريكيًا، التي اختفت عندما ظهرت الصحف وبعض شبكات التلفزيون، عادت الآن وبقوة. ديفيد بروكس، الصحفي بصحيفة نيويورك تايمز، كتب ما يلي: “الناس يضعون السياسة في مركز حياتهم النفسية والعاطفية وحتى الروحية.” لا يمكن أن يعمل نظام الأحزاب السياسية القائمة على أساس الحلول الوسط عندما تكون المبادئ السياسية ثابتة مثل الدين. الأحزاب السياسة التي تسمح بحرية التعبير واختلاف الآراء والتي تحشد من خلالها النخب الجماهير أصبحت شيئًا من الماضي.

لقد فقدت النخب في العصر الحديث القدرة على الحفاظ على الجماهير إلى جانبها. ومن أجل العودة إلى أثينا الكلاسيكية، فإنَّ مصير الأوليغارشية في العصر الحديث ليس استعباد الغوغاء، بسبب عدم وجود الغوغاء بالأساس، وإنما عدد متزايد من الدوائر الانتخابية التي تتشبث بآرائها. وفي الوقت نفسه، فإنَّ العولمة قد قيّدت حرية قادة الدول على المستوى الفردي لإدارة اقتصاداتهم الخاصة. ولذا، فالجميع يخضع لحالة أسواق السندات وأسعار السلع والعملات المتغيّرة. وفي النهاية، يتعلم رؤساء وزراء الديمقراطيات الليبرالية المعنى الحقيقي لحكم الشعب.