وسائل التواصل الاجتماعي.. الحرية المفرطة تنتهي بقيود وسجون
19 أبريل، 2016
عدة سنوات مضت على ظهور مواقع التواصل الاجتماعي، التي كانت قد فتحت باباً جديداً لحرية الكلمة والتعبير، بقدر لم يكن متاحاً حتى في الصحافة “الصفراء” التي انتشرت في الماضي، وفي المقابل تجاوزت تلك المواقع عتبة التعبير إلى الفضائح وأساليب الإساءة والتشهير.
وبشكل عام، لم تكن المواقع الإلكترونية حتى وقت قريب، ذات محتويات تستحق الاعتماد عليها من قبل القارىء، حتى إن المرء حين ينشر كلاماً غير قابل للتصديق أو يشوبه التهويل، يقال له (كلام فيسبوك)، وهو ما لم تكن المؤسسات الرسمية هي الأخرى تهتم به، أو تتعقب أصحابه.
تغير الوضع بعد سنوات قليلة من ظهور مواقع التواصل الاجتماعي، ولا سيما موقعي “فيسبوك” و”تويتر”؛ فقد أصبحت مصدراً مهماً للمعلومة بل بدأت تقصي التلفزيون والإذاعة من حياة البشر، وصار لهما نجومها الذين باتوا أكبر وسيلة للتأثير في المجتمعات، وأكبر دليل على ذلك ما هو معروف عن أن الثورات العربية، وخاصة في تونس ومصر، كانت قد انطلقت من وسائل التواصل الاجتماعي.
ومع تمدد الإرهاب واتساع وسائل تأثيره واستقطابه، وضعت التنظيمات المختلفة وسائل التواصل الاجتماعي محط اهتمامها وترويجها للنشاط الفكري الذي تتبناه، حتى أقلقت الحكومات التي بدأت تترصد ما ينشر وتحاسب، بل أنتجت “شرطة إلكترونية” للحد من ذلك، وأدخلت وسائل التواصل الاجتماعي ضمن قوانين “الجرائم الإلكترونية”، الذي جاء صارماً في أغلب البلدان التي تحكمها القوانين، ومن أبرزها الدول الخليجية.
واتخذت معظم دول العالم خطوات جادة لمراقبة وسائل التواصل، وباتت لا تخلو دولة من وجود قضية مرفوعة ضد إساءة على تلك المواقع. وإدارة مواقع التواصل الاجتماعي باتت تتحقق من صاحب الحساب عبر الطلب منه إرسال أوراقه الرسمية كي يحتفظ بها الموقع، وينشر باسمه الحقيقي، وتحصل الدول على تقارير متخصصة من المواقع بشكل دوري.
إضافة إلى ذلك، يكشف موقع “فيسبوك” أن عدد الطلبات المقدمة من حكومات عدة للاطلاع على معلومات عن المستخدمين ارتفعت نحو 25%، لتصل لقرابة 35 ألف طلب للاطلاع على البيانات في الشهور الستة الأولى من 2014، وخلال الفترة نفسها ارتفعت نسبة المحتويات التي خضعت لقيود بسبب قوانين محلية بنحو 19%.
– القوانين مطلوبة والمغرد “ملزم”
ويرى المستشار ومدرب الإعلام الرقمي، عمار محمد، في حديث لـ”الخليج أونلاين”، أن الحرية المتاحة في وسائل التواصل الاجتماعي “استدعت وضع ضوابط في قوانين الجرائم الإلكترونية للحفاظ على أمن الدول واستقرارها”.
ويضيف أن المستخدم أو المغرد ملزم بعدم تجاوز الخطوط الحمراء في الدولة، معتبراً أن مواقع التواصل قد لا تكون مكاناً مناسباً لنقاش بعض الأمور، خصوصاً التي تتضمن التجريح والتشهير، وهو ما ترصده تقارير الشفافية التي يتم إعدادها في هذا الخصوص.
وعن القوانين التي يتم العمل بها خليجياً في هذا المجال، يرى محمد أنها “متقدمة وخاضعة لقوانين من خبراء تقنيين”، وهي ما اعتبرها الشيء “الممتاز” وغير المعتمد في معظم الدول العربية سوى الخليجية منها.
وعند سؤاله عن وضع المصداقية التي غالباً ما تغيب عن الأخبار التي تنشر في وسائل التواصل الاجتماعي، أوضح مستشار ومدرب الإعلام الرقمي في حديثه لـ”الخليج أونلاين”، أنها لا تزال تتناقض مع حرية التعبير وآليات العمل الصحفي في كثير من الأحيان، مؤكداً أن دعم الحرية في النشر مطلوب مع وقف نشر الإشاعات والأخبار المغلوطة.
– تويتر.. مصدر معلومة ومنصة جيوش
“تويتر” يحظى باهتمام الخليجيين، وأصبح منصة إخبارية مميزة جداً، إلا أنه “سوق مفتوحة وليس كل المغردين لديهم القدرة على التأكد من صحة المعلومات والتغريدات”، بحسب رأي الكاتب السعودي، جمال خاشقجي.
ويضيف في ندوة متخصصة عقدت في الدوحة أكتوبر/تشرين الثاني الماضي، أن الجيوش الإلكترونية أو الخلايا الإلكترونية يمكن أن توثر في السياسة وتضعفها، لافتاً إلى أن “تنظيم الدولة” لديه أحد هذه الجيوش، وأن “مواجهة المغرد العادي للجيش الإلكتروني ترجع لقدراته وحنكته”.
وأفاد أن هذه الخلايا الإلكترونية تتكون من 5 أفراد تقريباً، ويكون لديها 100 حساب على أحد مواقع التواصل الاجتماعي؛ لكي توحي بأن هناك زحمة من الآراء، وهذا غير صحيح، منبهاً إلى أن البعض يختلق تصريحات المسؤولين وينسبها إليهم، ضمن أجندات معينة.
من جانبه، يرى الكاتب السعودي صالح الشيحي أهمية سنّ القوانين التي تراعي حماية المغردين وكفالة حقوقهم، وأن مصطلح الرأي العام أصبح “مطاطياً”، ويستخدم لفئة ضد أخرى، مضيفاً: “ليس من الضروري أن يكون لك رأي في كل قضية تطرح على تويتر”.
وعند قراءة مستقبل الحرية المتاحة في وسائل التواصل الاجتماعي، فإنها لا تبدو مستمرة في أن تكون “منبر من لا منبر له”، بل المسائلة فيها أصبحت محط اهتمام الحكومات ورقابتها أكثر منها على الصحف الورقية ووسائل الإعلام المرئي والمسموع؛ نظراً لدرجة تأثيرها.
وقد اضطرت الصحف وقنوات الأثير والتلفزيون هي الأخرى إلى منافسة مستخدمي وسائل التواصل بصفحات خاصة بها، حوّلت متابعيها إلى “جمهور إلكتروني”، قادر بشكل أكبر من أي وقت سبق على إبداء رأيه والتفاعل مع الوسيلة، إلا أنها أصبحت من أكثر من يستقبل تعليقات التجاوز والقذف والتخوين ممّن يعارض سياستها ويرى فيها مسيسة لخدمة أهداف لا يؤمن بها، وهو ما ينتظر أن يدخل حيّز الرقابة أيضاً ضمن قوانين، ويرسم “الجدية” في وسائل التواصل الاجتماعي، بعد أن أمضت سنوات من الفضاء المفتوح دون رقيب أو حسيب.