الدور الدولي المتغيّر للمملكة العربية السعودية

20 أبريل، 2016

مركز كارنيغي –

القيادة السعودية الجديدة ستكون مركز الاهتمام العالمي عندما تستضيف الرئيس الأمريكي باراك اوباما وقادة دول الخليج العربي هذا الأسبوع. قاد الملك سلمان وابنه القوي سلسلة من التغييرات السياسية الهامة سواء على الصعيد المحلي أو على الساحة الدولية منذ توليه منصبه في أوائل عام 2015.

في سؤال وجواب جديد، يستكشف باحثو معهد كارنيجي فاعلية السياسة الخارجية التي أظهرتها الرياض خلال العام الماضي. ويوضحون كيف تكشف تلك السياسة عن القلق بشأن مستقبل الأسرة الحاكمة والتحديات الداخلية الخطيرة بقدر ما هي استجابة لمنطقة مليئة بالاضطرابات.

ما تأثير انتقال القيادة في العام الماضي على السياسة الخارجية للمملكة العربية السعودية؟

أدى ارتقاء الملك سلمان إلى العرش إلى طيّ صفحة السياسة الحذرة، التشاوريّة والسريّة التي اتسم بها سلفه، الملك عبد الله. وقد تميّزت “عقيدة” سلمان” بنهج أكثر حزمًا وعسكرة تجاه الصراع الإقليمي، وكان محور هذا الصراع هو التدخل السعودي في اليمن. التفسير المعياري يشير إلى أنَّ هذه المغامرة تنبع من إحباط الرياض مما يراه السعوديون بأنّه تراجع من الولايات المتحدة في الشرق الأوسط وخاصة تواطؤها الضمني مع سلوك إيران العدواني بعد الاتفاق النووي.

ولكنَّ السلوك الخارجي السعودي متجذر بعمق في سياق محلي غير مستقر. هناك جيل جديد من الأمراء، على رأسهم نجل الملك سلمان، نائب ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، يتنافس الآن لتولي زمام القيادة في المملكة. وقد نجح محمد بن سلمان بالفعل في تعزيز سلطته المحلية غير العادية، وذلك باستغلال حقيبة وزارة الدفاع والرقابة على العمليات العسكرية السعودية في اليمن لصقل شيء أقرب إلى عبادة الشخصية، فضلًا عن موجة من القومية السعودية السُنية. كما يشرف الأمير نائب ولي العهد على تشكيل تحالف لتحرير الرقة من تنظيم الدولة الإسلامية، ولكنَّ إدارة هذه الحملة هي مسألة أخرى، وربما تكون الفائدة الحقيقية للتحالف هي الاستهلاك المحلي.

في الوقت نفسه، فإنَّ التحديات الاقتصادية التي تلوح في الأفق والناجمة عن استمرار انخفاض أسعار النفط تُجبر على إعادة المعايرة وتقليل البصمة الإقليمية العدوانية للمملكة العربية السعودية.

وبصفة عامة، فإنَّ سلسلة التقلبات ذات النتائج العكسية في السياسة في عهد الملك سلمان وابنه العنيد لا تدل على وجود دولة واثقة؛ بل هي إسقاط خارجي من القلق لسلالة مضطربة بشأن الخلافة وتحديات اجتماعية واقتصادية تلوح في الأفق، جنبًا إلى جنب مع مجموعة من التهديدات الإقليمية.  

ما هو وضع العلاقة بين الولايات المتحدة والسعودية؟

هذه لحظة متوترة في العلاقة بين الولايات المتحدة والسعودية. صحيح أن بعض التوترات تحدث على فترات متعاقبة، إلّا أنّه من غير المحتمل أن يشارك رئيس الولايات المتحدة القادم نفس المزاج المنفصل للرئيس أوباما، الذي عانى زعماء دول الخليج في التأقلم معه. وقد طوّر محمد بن سلمان، الذي لا يزال يمثل لغزًا كبيرًا للغرب، علاقات وثيقة مع المحاورين الخارجيين مع مرور الوقت.

ولكن أولئك الذين يأملون أنَّ الرئيس الجديد في واشنطن يمكن أن يعيد النموذج القديم، حيث قدّمت الولايات المتحدة الأمن للمملكة في مقابل الاستقرار في أسواق الطاقة العالمية، من المرجح أن يشعروا بخيبة أمل. الولايات المتحدة لم تعد تعتمد على النفط السعودي، والشعب الأمريكي ليس لديه رغبة في العودة إلى دور الشرطي الإقليمي. وفي الوقت نفسه، فإنَّ السعوديين يشعرون بأنّه تمّ التخلي عنهم، بل أنّه تمّت خيانتهم، من خلال انخراط واشنطن المؤقت مع طهران.

إشارة أوباما إلى دول الخليج بأنها مثل “الراكب المجاني” في مقابلته الأخيرة مع جيفري غولدبرغ بصحيفة “ذي أتلانتيك” رأى الكثيرون في الرياض أنها ازدراء. ولكنَّ هذه المقابلة ساعدت في تسليط الضوء على أنَّ كلا البلدين يتفقان على أن المملكة العربية السعودية قد أصبحت تعتمد بشكل مفرط على الولايات المتحدة في الأمن الاستراتيجي كجزء من اتفاق النفط مقابل الأمن.

فمن الصعب أن نرى كيف يمكن أن يتدارك كلا الجانبين هذا الوضع في ظلّ اختلاف وجهات النظر حول كيفية إنقاذ ما تبقى من النظام الإقليمي المنهار. واشنطن قلقة إزاء التدخل السعودي في اليمن، في حين ترى الرياض أنَّ الولايات المتحدة تتخلى عن دورها التقليدي في المنطقة، لا سيما في سوريا، لمصلحة إيران.

ومع ذلك، قد تنشأ علاقات جديدة “عادية” حيث يشير كل طرف علنًا إلى الجوانب المتعددة لاستمرار التعاون الأمني والاقتصادي، على الرغم من اختلافهم، سرًا أو علنًا، على تشخيص الأزمات الكثيرة في المنطقة.

ما تأثير انخفاض أسعار النفط على اقتصاد المملكة العربية السعودية وموقفها في السوق العالمية؟

قبل الحديث عن التأثير، من المهم الاعتراف بأنَّ انخفاض أسعار النفط الحالي هو في جزء كبير منه نتيجة لقرار المملكة العربية السعودية بالسعي وراء تأمين حصتها في السوق على حساب استقرار الأسعار. وقد اتضحت هذه الخطوة للمرة الأولى في اجتماع منظمة أوبك في نوفمبر عام 2014، وزادت ثمار تلك الاستراتيجية من خلال زيادة حصة السعودية في السوق العالمية، ومن ثمّ الاضطرار إلى تعليق مشاريع نفطية عالية التكلفة في جميع أنحاء العالم.

ومع ذلك، هذه ليست أخبار جيدة للرياض. تعاني المملكة العربية السعودية من عجز في الميزانية يصل إلى 15 بالمئة، وتخسر مليارات متعددة في الاحتياطيات الأجنبية في كل شهر من أجل الدفاع عن قيمة الريال مقابل الدولار. يمكن أن تتحمل الرياض استمرار استنزاف خزائنها بهذا المعدل لبضع سنوات قادمة على الأقل — اعتبارًا من أبريل عام 2016، يقدّر صندوق النقد الدولي الأصول الأجنبية للمملكة العربية السعودية بنحو 592 مليار دولار — ولكن هذا لا يخلو من زيادة التدقيق الدولي للاستدامة حول النموذج الاقتصادي السعودي والتفوق التاريخي للرياض في سوق النفط العالمية.

في الواقع، خسرت المملكة العربية السعودية حصتها في السوق العالمي، بما في ذلك المراكز الرئيسية لنمو الطلب في المستقبل مثل الصين والهند والولايات المتحدة. ويهدّد دخول الرياض إلى هذه الأسواق الخصومات الكبيرة من إيران التي تسعى للعودة إلى السوق العالمية بأي ثمن لإعادة التأكيد على دورها التقليدي.

كيف تؤثر التطورات على علاقة المملكة العربية السعودية مع مصر والأردن، واليمن؟

الانخفاض الكبير في أسعار النفط في العامين الماضيين يعني أنّه سيكون من الصعب على المملكة العربية السعودية ممارسة نفوذها مع دول المنطقة مثل مصر والأردن من خلال إرسال المعونات المالية التقليدية إلى هذه البلدان.

في حين أن الإدارة الجديدة تتخذ خطوات جريئة مثل خصخصة جزء من شركة أرامكو، ورفع أسعار الوقود، واحتمال الاقتراض، فمن المتوقع أن تستخدم دخل إضافي لتعويض عجز ميزانيتها المحلي بدلًا من الإبقاء على مستويات التمويل الحالية التي تذهب إلى مصر والأردن. ومن المتوقع أن تحوّل المملكة العربية السعودية معظم المساعدات إلى قروض بدلًا من منح مباشرة. على سبيل المثال، تركّز الرياض الآن على دعم قطاع البترول في مصر وفي المقابل سيتوجب على القاهرة الدفع بفوائد إضافية.

وسيكون لذلك تأثير اقتصادي كبير على هذين البلدين؛ إذ تعاني مصر والأردن على المستوى الاقتصادي. وعلى الرغم من ذلك، هذا التغيير قد يجبرهما على سن تدابير إصلاح اقتصادي ضروري ترفصه كلا البلدين.

لقد وصلت تكلفة الحرب على اليمن إلى 5.3 مليون دولار، وهو رقم مذهل نظرًا للمشاكل المالية الحالية في المملكة العربية السعودية. وبالتالي، فمن المحتمل أن يضغط السعوديون من أجل التوصل إلى تسوية سياسية في هذا البلد عاجلًا وليس آجلًا، مع وجود علامات تشير إلى إمكانية حدوث ذلك.

جزء من سعي السعوديين وراء سياسة خارجية أكثر عدوانية يشمل توقع أن يكون حلفاؤهم التقليديين أكثر توافقًا مع موقفهم. وعلى هذا النحو، هناك بوادر توترات كامنة مع الأردن ومصر بسبب خلافات بشأن كيفية التعامل مع الأزمة السورية، وإيران، وجماعة الإخوان المسلمين. زيارة الملك سلمان الأخيرة لمصر، على سبيل المثال، كان الهدف منها هو إشراك القاهرة في حرب اليمن، حيث لم يقدّم الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي أي تعهدات بالدعم العسكري، وفي سوريا أيضًا، حيث تربط الرئيس المصري علاقات قوية مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، الأمر الذي يغضب الرياض.

ما هي آفاق التقارب بين المملكة العربية السعودية وإيران؟

من المستبعد أن يحدث تقارب سعودي إيراني في عام 2016. الصراع السعودي الإيراني هو حرب جيوسياسية بالوكالة ترتدي معطف نزاعات عِرقية (عربية-فارسية) وطائفية (السُنة والشيعة). إنّها حلقة مفرغة حيث تشعل الطموحات الإقليمية المتضاربة الشوفينية والهوية السياسية في كلا البلدين، وتؤدي إلى تفاقم الخلافات السياسية.

أنفقت المملكة العربية السعودية عشرات المليارات من الدولارات في محاولة لمواجهة النفوذ الإيراني في المنطقة، وأسفر ذلك عن نتائج متفاوتة. تظلّ سوريا، ولبنان، والعراق في مجال النفوذ الإيراني، وقد أدت الحملة العسكرية السعودية ضد حركة الحوثي المتحالفة مع إيران في اليمن إلى سقوط ضحايا من المدنيين وعززت موقف الجماعات المتطرفة مثل تنظيم القاعدة. في البحرين فقط، حافظت المملكة العربية السعودية على توفقها الواضح هناك، على الرغم من التكاليف الكبيرة على حساب سُمعتها الخارجية.

في حين تتقاسم طهران والرياض مصالح مشتركة في مواجهة تنظيم الدولة الإسلامية، إلّا أنَّ كل طرف يلقي باللوم على الآخر بسبب زيادة نفوذ هذا التنظيم. بحسب طهران، فإنَّ تنظيم الدولة الإسلامية هو نتاج الفكر الوهابي والتمويل السعودي، في حين ترى الرياض أنَّ ظهور التنظيم هو نتاج القمع المدعوم من إيران للعرب السُنة في سوريا والعراق.

وحتى الآن، فشلت الجهود المزعومة من وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف ومختلف الأطراف، بما في ذلك الولايات المتحدة، لتسهيل انفراج في العلاقات السعودية الإيرانية المتوترة. تشكّك الرياض في صدق إيران، وتعتقد أنها بحاجة إلى استعادة النفوذ الإقليمي من أجل تعزيز موقفها التفاوضي. ما هو أكثر من ذلك، على الرغم من أنَّ جهود المملكة العربية السعودية في مواجهة إيران كانت مكلّفة ومضرة، إلّا أنها حظيت بشعبية سياسية في الداخل.

إنَّ الإرهاق واستنفاد عائدات النفط كلها عوامل ستجبر المملكة العربية السعودية وإيران إلى التفاوض بجديّة في نهاية المطاف. ولكن ذلك اليوم لا يبدو قريبًا.

كيف تقيّم سياسات المملكة العربية السعودية في ما يتعلق بسوريا ولبنان؟

كانت رغبة الرياض لدحر النفوذ الإيراني هي المحرك الرئيسي لقرار دعم الانتفاضة السورية ضد نظام بشار الأسد، حتى على حساب تعزيز جيشها، وصعود عدد لا يحصى من الجماعات السلفية.

وفي ظلّ سيطرة الرغبة الروسية الأمريكية لدفع العملية السياسية إلى الأمام على الصراع في سوريا الآن، تمّ تعديل السياسة السعودية على مضض وفق الوضع الجديد. وبالرغم من أن المملكة العربية السعودية لا تزال تعرب عن رغبتها في رحيل الأسد، إلّا أنها تدعم وفد المعارضة للتفاوض مع النظام في جنيف. وتأمل الرياض أيضًا في أن نفوذ موسكو في سوريا سيحلّ محلّ نفوذ طهران بمرور الوقت.

يميل نفس المنطق المعادي لإيران إلى تضمين السياسة السعودية تجاه لبنان. لطالما دعمت الرياض رئيس الوزراء السابق سعد الحريري وحلفائه، وشجعتهم على الوقوف بحزم ضد العدو الإيراني الذي يمثله حزب الله، حتى عندما انخرط كلا الفريقين في حكومات الوحدة الوطنية. ومع ذلك، فإنَّ استمرار غياب حكومة فعّالة في بيروت، إلى جانب ما تراه الرياض باعتباره القوة السياسية المتنامية لحزب الله، كانت دوافع التحوّل المفاجئ والمدهش في السياسة السعودية تجاه لبنان. في أوائل عام 2016، أوقفت السعودية إرسال المساعدات للجيش اللبناني، وهدّدت بالحدّ بشكل مباشر أو غير مباشر من أشكال الدعم للدولة اللبنانية والاقتصاد. ومع ذلك، ليس هناك شك في أنَّ هذه الخطوة هي سلاح ذو حدين، في ظلّ إضعاف التدابير الأخرى حلفاء والمصالح السعودية في البلاد.

ما هي الحسابات النووية للمملكة العربية السعودية؟

تفكر القيادة السعودية في الطاقة النووية كوسيلة للتحوط ضد المسار المستقبلي للبرنامج النووي الإيراني، وللمساعدة أيضًا في تلبية الطلب المتزايد على الكهرباء والمياه المحلاة.

مدينة الملك عبد الله للطاقة الذرية والمتجددة هي المسؤولة عن تطوير خطة الطاقة النووية، إلّا أنَّ التقدم الوحيد الذي تحقق حتى الآن هو عدد كبير من الاتفاقيات الاستكشافية الموقّعة مع الموردين الرائدين في مجال التكنولوجيا النووية. وعلى النقيض من الخطوات التي اتخذتها دولة الإمارات العربية المتحدة في مشروع بناء مفاعل نووي كبير، فإنَّ السعودية لا تتحرك مباشرة لترجمة تطلعاتها للحصول على الطاقة النووية إلى قدرة تشغيلية حقيقية.

في أعقاب الاتفاق النووي الإيراني، لم يكن هناك سبب مُلّح للركض على طريق مدمّر من أجل محاكاة قدرة التخصيب النووية الإيرانية. بدلًا من ذلك، كما أكّد السفير السعودي السابق لدى الولايات المتحدة، الأمير تركي الفيصل، أنَّ الاتفاق النووي يمنح المملكة فرصة لالتقاط الأنفاس لتطوير برنامج نووي مدني خاص بها بحيث أنه بحلول الوقت الذي تنتهي فيه المعوقات الرئيسية بشأن البرنامج النووي الإيراني، “يجب أن نكون على استعداد كامل من حيث القدرات البشرية لتطوير الاستخدامات السلمية للطاقة النووية.”

وبالإضافة إلى ذلك، استخدم المسؤولون السعوديون خطر حدوث سباق تسلّح نووي مع إيران كورقة مساومة لكسب النفوذ ضد الولايات المتحدة. خلال قمة كامب ديفيد عام 2015، على سبيل المثال، كشف السعوديون عن احتمال مطابقة القدرات النووية الإيرانية في محاولة فاشلة للضغط على إدارة أوباما لتعزيز الدعم العسكري وتوقيع معاهدة دفاع رسمية. ومع استمرار تطور العلاقة بين الولايات المتحدة والسعودية، فإنَّ رغبة المملكة في زيادة والحفاظ على الدعم الأمريكي ستكون محركًا حاسمًا في الاستراتيجية النووية السعودية.