‘تأثير مستمر لوثائق بنما المُسربة: استقالات في أوروبا وتونس تكسر تجاهل العرب’

20 أبريل، 2016

قبل أسبوع، أفردنا تقريرًا عمّا أسفرت عنه وثائق بنما عالميًّا وعربيًّا. لكن يبدو أن تأثيرها الرسمي، لم ينتهِ بعد، وما تزال تُطيح بمسؤولين، وتضع شخصيات قوية أمام التحقيقات، وتُغير من تشريعات عالمية، في الوقت الذي استمر التجاهل العربي للقضية، فيما عدا تونس، التي كانت الأكثر جديّة في التعامل معها. وثائق بنما تُجبر وزيرًا أوروبيًّا آخر على الاستقالة

بعد تقديم رئيس وزراء أيسلندا استقالته على خلفية وثائق بنما، أجبرت الوثائق وزير الصناعة والطاقة والسياحة الإسباني، خوسيه مانويل سوريا، على تقديم استقالته؛ بسبب ورود اسمه في الوثائق المسربة، بشأن إخفاء أمواله في ملاذات ضريبية بمنطقة الكاريبي.

وبعد أن نفى الرجل نفيًا شديدًا، وجود أي صلة بينه وبين الملاذات الضريبية، قدّم في النهاية استقالته، بعد ثبوت تورطه في وقائع جرت قبل أكثر من 20 عامًا. وأعلن مانويل سوريا تخليه عن أي دور سياسي، مؤكدًا أن القرار لا رجعة فيه، «نظرًا للإساءة الواضحة التي يسببها هذا الوضع للحكومة والحزب الشعبي»، على حد تعبيره.

الوثائق تدفع كاميرون لأمر غير مسبوق في تاريخ بريطانيا!

تحدثت وثائق بنما عن تورط أيان كاميرون، والد رئيس وزراء بريطانيا، ديفيد كاميرون، في تهرب ضريبي، منذ 30 عامًا. وبحسب الوثائق، طلب كاميرون الأب، من شركة موساك فونسيكا للمحاماة البنمية، حماية استثماراته المالية منذ 2006. من جانبه، لم ينفِ رئيس الوزراء البريطاني، الاتهامات الموجهة لوالده، لكن في المقابل، نفى كاميرون أن يكون هو شخصيًّا، أو زوجته، أو أحد من أبنائه، يملكون أي أموال غير مُصرح بها للضرائب.

وبعد المزيد من الضغوط الشعبية على كاميرون. أقر رئيس الوزراء البريطاني امتلاكه هو وزوجته حصة في ودائع والده السرية في الخارج، لكنهما قاما ببيعها بقيمة 30 ألف جنيه إسترليني في عام 2010. قبل بضعة أشهر من توليه رئاسة الوزراء. بحسب كاميرون، الذي اتّخذ الموضوع بمنحى أكثر جديّة مع مرور الوقت، فبعد تساهل أولي، شكّل لجنة للتحقيق في وثائق بنما في 10 أبريل (نيسان) الماضي.

ليس هذا فحسب، وإنما أقدم كاميرون في نفس اليوم، على خطوة غير مسبوقة في التاريخ البريطاني، عندما كشف الرجل عن سجله الضريبي، ودخله خلال الأعوام الست الذي شغل فيها منصب رئاسة الوزراء. وبحسب بي بي سي، فإن هذه هي المرة الأولى في تاريخ بريطانيا، التي يُعلن فيها رئيس الحكومة مثل هذه المعلومات، و« هو ما زال في منصبه».

إجراءات جديدة في ألمانيا وأمريكا.. و«كلينتون» أكثر المتضررين

على إثر وثائق بنما أعلنت الولايات المتحدة الأمريكية، إجراءات جديدة، تستهدف منع المجموعات متعددة الجنسيات، من التهرب الضريبي عبر إقامة مقار لها في الخارج، عن طريق شراء شركات في دول تفرض ضرائب متدنية كأيرلندا وهولندا، مع الاحتفاظ بنشاطاتها وهيئاتها الإدارية في أمريكا.

وفسّر وزير الخزانة الأمريكي، جاكوب ليو، تلك الإجراءات، في بيان له، قال فيه، إن «الشركات استفادت لسنوات من نظام يسمح لها بإقامة مقارها الضريبية في الخارج لتجنب الضرائب في الولايات المتحدة من دون تغيير نموذجها الاقتصادي».

وحول تأثير كشف الوثائق على الانتخابات الرئاسية الأمريكية. تحدثت تقارير صحافية، عن أن المرشحة الديمقراطية للرئاسة، ووزيرة الخارجية السابقة، هيلاري كلينتون، هي الأكثر «تضررًا» بين مُرشحي الرئاسة الأمريكية، من كشف الوثائق. وسرعان ما استغل بيرني ساندرز، المرشح الديمقراطي المنافس، تلك الوثائق، عندما قال لكلينتون في اجتماعللحزب أُجري في السابع من أبريل (نيسان): «لا اعتقد أنك مؤهلة كي تصبحي رئيسة بعد دعمك لاتفاق التبادل الحر مع بنما، وكنت معارضًا له بشدة، والذي جعل من السهل جدًّا على الأثرياء تحاشي دفع ضرائب متوجبة عليهم في بلدهم».

ومن جانبها اقترحت ألمانيا من خلال وزير ماليتها، ولفجانج شوبل، إنشاء سجل دولي للشركات المسجلة بالخارج، لمواجهة التهرب الضريبي وغسيل الأموال. والمقترح الألماني في وضع سجل دولي بأسماء المالكين للشركات المسجلة بالخارج، ووضع الدول التي بها ملاذات ضريبية –بنما على سبيل المثال- في قائمة سوداء، يجعل التعاملات المالية مع تلك البلدان لاغيةً.وتجدر الإشارة إلى ورود مئات الشخصيات الألمانية في الوثائق؛ مما يوجه لهم الاتهامات بالتهرب الضريبي.

روسيا تُقر بصحة الوثائق وتستمر في اتهام أمريكا بالوقوف وراءها

كشفت وثائق بنما، عن أن مساعديْن للرئيس الروسي فلاديمير بوتين، هرّبا أموالًا تزيد عن ملياري دولار، من خلال مصارف وشركات وهمية؛ كي يكسبا نفوذًا خفيًّا لدى وسائل الإعلام، وشركات صناعة السيارات في روسيا.

وبعدما وصفت روسيا الوثائق بـ«التلاعبات» التي تستهدف التأثير في الرأي العام العالمي، أقر الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بصحة الوثائق مع استمرار اتهام أمريكا بالوقوف وراءها. وقال بوتين خلال خطابه السنوي للشعب الروسي الذي يُجرى في 14 أبريل (نيسان) من كل عام: «ربما يبدو ذلك أمرًا غريبًا، لكنهم (كاشفي الوثائق) لا ينشرون أي معلومات غير صحيحة. على العكس، معلوماتهم موثوقة، وهي تترك انطباعًا بأن خبراء قانونيين وليس صحافيين أعدوها».

وأكد بوتين أن الوثائق تستهدف روسيا قبيل الانتخابات البرلمانية المُزمع إقامتها الخريف المُقبل، لافتًا إلى أن كاشفي الوثائق استهدفوا طرح سؤال مفاده «هل تتسرب الأموال من مناطق (أوفشور) إلى جيوب مسؤولين روس، وربما إلى جيب الرئيس؟»، مُتسائلًا عمّن يُمارس ما وصفها بهذه « الاستفزازات» وأجاب عن نفسه، قائلًا: «نحن نعرف أنهم موظفون في منظمات رسمية تابعة للولايات المتحدة الأمريكية».

مداهمات لفروع مونساك فونسيكا في بنما والسلفادور

داهمت السلطات السلفادورية عددًا من فروع شركة موساك فونسيكا، التي تُعد المحور الرئيسي لوثائق بنما. وأعلن النائب العام دوجلاس ميلينديز في الثامن من أبريل (نيسان)، مصادرة قوات الأمن كمية كبيرة من الوثائق والمعدات والحاسبات. ولفت نائب عام السفادور إلى إشرافه بنفسه على عملية المداهمة، مُشيرًا إلى أن موظفي الشركة أزالوا شعار الشركة من المدخل قبل يوم المداهمة. ونقل عن موظف قوله: «إن الشركة بصدد الانتقال لمكان آخر».

وبعد أقل من أسبوع من تحرك سلطات سلفادور، داهمت السلطات البنمية مقرات شركة موساك فونسيكا التي تتخذ من بنما مقرًا رئيسيًّا لها. وداهم محققون من مكتب النائب العام مكاتب الشركة في إطار بحث السلطات البنمية عن وثائق تؤكد النشاط غير المشروع المحتمل للشركة. وتجدر الإشارة إلى أن الشريك المؤسس للشركة، رامون فونسيكا قد نفى سلفًا انتهاك شركته للقانون، واصفًا التقارير التي تحدثت عن عمليات تهرب ضريبي تورطت فيها الشركة بـ«المزاعم غير الدقيقة».

تونس تكسر التجاهل العربي.. والمغرب تمنع التظاهر

بالرغم من أن الوثائق حَوت اتهامات لعدد من كبار القادة العرب الحاليين والسابقين، أو أقاربهم، في شبهات الفساد بالإضافة إلى عشرات الشخصيات العامة ورجال الأعمال العرب؛ فقد طغى التجاهل على طريقة التعامل العربي تجاه الوثائق عامةً، قبل أن تكسر تونس ذلك التجاهل بتعهد وزارتي المالية والعدل التونسيتين بالتحقيق مع من وردت أسماؤهم في الوثائق، ومحاسبة من يثبُت تورطه في تلك القضية.

ويأتي ذلك التعهد بعدما صدّق مجلس النواب التونسي على تشكيل المجلس للجنة تختص في التحقيق في تلك القضية بموافقة 124 عضوًا ورفض عضو واحد فقط . وأثيرت موجة من الجدل بعدما «تعمّد» موقع أنكيفاد -الموقع التونسي المُكلف بنشر وثائق بنما- «ذكر اسم رئيس حركة النهضة (راشد الغنوشي) وبعض قياداتها في المهجر، دون مبرر، وبطريقة توحي بوجود نية مُبيّتة للإساءة» على حد وصف بيان الصفحة الرسمية للغنّوشي على موقع التواصل الاجتماعي.

واعتذر الموقع عن نشر معلومات مغلوطة في هذا الصدد، موضحًا أن تلك المعلومات نُشرت على الموقع بسبب اختراقه بعد تعرضه لهجمة إلكترونية. ولكن ذلك لم يمنع حركة النهضة، بحسب البيان الذي نُشر في 17 أبريل (نيسان)، من تأكيد الحركة مقاضاة الموقع على نشر تلك المعلومات.

ومن ناحية أخرى منعت السلطات المغربية –الجمعة الماضية– تجمع محتجين في الدار البيضاء، للتظاهر ضد غياب المحاسبة مُطالبين بالتحقيق في وثائق بنما، كما انتزعت قوات الأمن اللافتات التي تُعبر عن مطالب المُحتجين من المتظاهرين.