فشل محادثات الدوحة يسلّط الضوء على نفوذ محمد بن سلمان

20 أبريل، 2016

فايننشال تايمز –

في ظلّ تردد أصداء تداعيات فشل محادثات النفط في الدوحة، برز محمد بن سلمان كصوت جديد غير متوقع في سياسة الطاقة بالمملكة العربية السعودية. لم يتواجد الأمير محمد بن سلمان في العاصمة القطرية، حيث اجتمع العديد من أكبر منتجي النفط في العالم على أمل التوسط في أول صفقة ناتج عالمي منذ 15 عامًا في محاولة لوقف الانخفاض الحاد في أسعار النفط. ومع ذلك، تردد صدى رسالته في قاعات فندق شيراتون: لن يكون هناك تجميد لإنتاج النفط بدون إيران.

في الساعة الثالثة صباح يوم الأحد، قبل ساعات من بدء المحادثات، اتصل الأمير محمد بالوفد السعودي، وفقًا لأشخاص مطلعين على الأمر، وأمرهم بالعودة إلى السعودية. بقي الوفد السعودي في نهاية المطاف، ولكن كانت المحادثات منتهية عمليًا.

وقد ترك هذا الأمر علي النعيمي وزير النفط في المملكة على مدار 21 عامًا، يبدو مهمّشًا على نحو متزايد. في حين أن العائلة المالكة السعودية كان لها دائمًا القول الفصل في السياسة النفطية، نادرا ما يتحدث أحد أعضائها علنًا – أو بحرية – عن اتجاه تلك السياسات. وقد أكد ممثلون من دول أخرى أنَّ النعيمي كان حاضرًا لعرض صفقة جديدة.

وقال شون إيفرز، الشريك الإداري في مؤسسة “ Gulf Intelligence”: “إنَّ السياسة النفطية للمملكة العربية السعودية تقع الآن في يد نائب ولي العهد الأمير محمد بن سلمان”.  

وقال وزير النفط الفنزويلي إيولوخيو ديل بينو يوم الإثنين إنَّ الوفد السعودي يعطي انطباعًا بأنه “ليس لديه أي سلطة لاتخاذ قرار بشأن أي شيء.”

وقد حظي الأمير محمد بن سلمان بنفوذ هائل بعد انضمام صعود والده إلى العرش في العام الماضي، وسرعان ما تحرك لتعزيز سلطته. ويرأس الآن وزارة الدفاع والمجلس الاقتصادي، الذي أمر من خلالهما بدء الحملة السعودية في اليمن ووضع خطط تحوّل المملكة العربية السعودية إلى اقتصاد ما بعد النفط.

وتحت قيادته، يبدو أن السياسة النفطية السعودية تتحرك وفق أسعار النفط الخام بدرجة أقل من السياسة العالمية، ولا سيما تنافس الرياض الشرس مع طهران في مرحلة ما بعد العقوبات. ويقول المحللون إنَّ النفط قد أصبح سلاحًا فعالًا للمملكة العربية السعودية تستخدمه في حرب بالوكالة مع إيران.

في وقت متأخر من صباح يوم الأحد، قال ممثلون 18 دولة، يمثلون نحو نصف الإنتاج العالمي من النفط الخام، إنَّ السعوديين كانوا على استعداد لإبرام اتفاق جديد. وقيل إنَّ التكنوقراط السعوديين قد شاركوا في المسودة الأولى من الاتفاقية التي تمّ تداولها بين الحاضرين في الاجتماع.

وكان ممثلو كبار الأعضاء بمنظمة أوبك قد أخبروا الصحفيين بأن مشاركة الرياض لم تتوقف على القرارات التي تتخذها طهران، حيث رفضت إيران باستمرار الحدّ من الإنتاج في ظلّ إعادة بناء صناعتها النفطية بعد سنوات من العقوبات الغربية.

وقال أحد الممثلين: “كان الجميع تقريبًا لديه انطباع بأنه في غضون ساعة واحدة سيتم التوقيع على صفقة جديدة.” وحتى الحلفاء المقربين من المملكة مثل الكويت قالوا صباح يوم الأحد إنهم “متفائلون” بأنه سيتم التوصل إلى اتفاق جديدة.

ولكن سرعان ما انتشرت أخبار بأن الأمور ليست على ما يرام. أنهى المعسكر الروسي المفاوضات مع السعوديين، والقطريين والفنزويليين، المجموعة الأساسية التي كانت تدعم تجميد إنتاج النفط في فبراير الماضي. وكان الوفد السعودي يضغط لوضع إضافات جديدة على المشروع.

في ظهيرة ذلك اليوم، تحول الاجتماع إلى مهزلة، حيث عانى الممثلون لإيجاد لغة يمكن من خلالها التوصل الى اتفاق. ودون وجود أي ممثلين إيرانيين في الاجتماع، كانت المهمة بلا جدوى.

وقال أحد الممثلين: “غادر بعض الأعضاء قبل نهاية الاجتماع. لقد رأوا مناقشة تسير في حلقة مفرغة.”

عندما بدأ الاجتماع بعد الساعة الثامنة مساء يوم الأحد، فشلت محاولات التوصل إلى صفقة جديدة. وكان هناك انزعاج شديد بين حلفاء المملكة العربية السعودية. وتساءل البعض لماذا سمحت منظمة أوبك للدول غير الأعضاء بحضور الاجتماع رُغم تعنت موقفهم، إضافة إلى أن موقف إيران معروف مسبقًا.

وقال ممثل غير خليجي: “ما أفهمه هو أن السبب سياسي بحت. كيف يتغيّر موقفهم من الاتفاق على كل شيء يوم السبت إلى عدم الاتفاق على أي شيء يوم الأحد؟”

في الفترة التي سبقت الاجتماع، لم يقدّم النعيمي أي إشارة تذكر على أنّه واجه معارضة في الرياض حول اتفاق من شأنه أن يقدّم تنازلات لإيران.

وفي ظهور علني في فبراير، قال النعيمي إنّه في حين أنَّ خفض الانتاج ليس على طاولة المفاوضات، لكنَّ التوصل الى اتفاق لتجميد الإنتاج يمكن أن يكون “بداية لعملية جديدة.”

رأى الكثيرون أنَّ كلماته كانت مؤشرًا على أن المملكة العربية السعودية تستعد لاستعادة السيطرة على سوق النفط للمرة الأولى منذ أواخر عام 2014. في ذلك الوقت، حذّر النعيمي أنَّ السعودية لا تهتم بانخفاض سعر النفط إلى 20 دولارًا للبرميل بعد رفض روسيا للانضمام إلى خفض الإنتاج.

وظنّ الكثيرون أنَّ موقف المملكة العربية السعودية قد تراجع بعض الشيء بعد عامين من هبوط الأسعار التي بددت أكثر من 100 مليار دولار من الاحتياطيات النقدية في الرياض. وعلاوة على ذلك، وفيما يتعلق بالسعوديين، تبنت هذه الصناعة استراتيجية أسعار “أقل لفترة أطول”، وخفضت الاستثمارات بمعدل يخشى البعض أنّه في نهاية المطاف سيؤدي إلى نقص في الإمدادات، وفي هذه الحالة سيقع اللوم على الرياض.

انتقد آخرون فنزويلا وروسيا لعدم استخدام علاقاتهما مع إيران لإقناعها للجلوس على طاولة المفاوضات مع اقتراح مرن يتطلب من طهران الحدّ من الإنتاج بعد أن وصولها إلى مستوى معين.

ألكسندر نوفاك، وزير النفط الروسي، وصف موقف المملكة العربية السعودية بأنه “غير معقول” نظرًا إلى أنَّ إيران لم يكن لديها ممثل في الدوحة. وقال إنَّ المحادثات كانت تهدف إلى إبرام صفقة سبق أن تم الاتفاق عليها، وليس التفاوض بشأنها فقط.

وقال أحد ممثلي الدول: “إنَّ أسوأ شيء هو أن اللاعبين من خارج منظمة أوبك تمّ إقحامهم في وضع المنظمة، ولن يرغبوا في العودة مرة أخرى.”

كانت هناك دلائل أخرى على أن وزارة النفط السعودية تستعد للتوصل الى اتفاق جديد. بين شهريّ يناير ومارس قامت البلاد بتثبيت إنتاجها من النفط عند 10.2 مليون برميل يوميًا، وهو مستوى متوافق مع التجميد المقترح.

وكان هذا بعد أن رفعت المملكة الانتاج إلى مستوى قياسي 10.6 مليون برميل يوميًا بين نوفمبر 2014 ويونيو 2015. وحينها، لم يقدّم النعيمي أي تهديدات بشأن مستوى إنتاج البلاد، وتمّت زيادة الإنتاج بهدوء في محاولة لتأمين حصتها في السوق.

وقال الأمير محمد بن سلمان الأسبوع الماضي إنَّ إنتاج البلاد قد يرتفع إلى 11.5 مليون برميل يوميًا، في حال ارتفاع الطلب.

في ذلك الوقت، كان يُنظر إلى هذا التصريح على أنه تهديد مستتر لانتزاع تنازلات من إيران. والآن، يخشى كثيرون في صناعة النفط من أنَّ الأمير محمد يحاول نقل سياسة حصة المملكة في السوق إلى مستوى مختلف، في ظلّ اتجاه العرض والطلب نحو التوازن.

ويقول أوليفييه جاكوب المحلل بمؤسسة بتروماتريكس: “أحد الاستنتاجات الرئيسية من اجتماع الدوحة هو أن النظام السعودي أصبح لا يمكن التنبؤ به على نحو متزايد.”