نهاية اليسار في البرازيل.. ديلما روسيف تسقط أرضًا!
20 أبريل، 2016
كان الأحد 17 أبريل (نيسان) 2016، يومًا تاريخيًا في بلاد السامبا، احتفل فيه مئات آلاف المتظاهرين البرازيليين، بعدما نجحوا أخيرًا في الإطاحة بالرئيسة ديلما روسيف على خلفية شبهات فساد.
من بطلة شعبية إلى متهة في المحاكم
جاء سقوط ديلما روسيف بعد تصويت عاصف في البرلمان البرازيلي، حققت فيه المعارضة نصرًا حاسمًا، حيث صوت النواب بأغلبية ساحقة لصالح قرار إقالة الرئيس ديلما على خلفية اتهامات لها، بالتلاعب في حسابات الحكومة.
فاز النواب المناهضون لحكومة روسيف بـ376 صوتًا، فيما حصل مؤيدو روسيف على 137 صوتًا فقط، مع امتناع سبعة نواب عن التصويت وغياب نائبين. وبذلك استطاعت المعارضة تجاوز عتبة الأصوات البرلمانية اللازمة لقبول قرار العزل، والممثلة في الثلثين على الأقل، أي في حدود 342 صوتًا فما فوق.
وسيحال القرار إلى مجلس الشيوخ، الذي يتوقع بشكل كبير أن يؤيد قرار العزل الذي صوت لصالحه نواب البرلمان، قبل البدء في إجراءات تنفيذ قرار إقالة رئيس البلاد ديلما روسيف رسميًا.
وإذا ما وافق مجلس الشيوخ على قرار عزل ديلما روسيف، فإنه ينتظر تعيين نائبها اللبناني الأصل، ميشال تامر، رئيسًا للبرازيل، طوال المدة المتبقية لنهاية الولاية الرئاسية، والتي تقارب 18 شهرًا.
لكن لا يبدو أن الأمر يتوقف عند هذا الحد، إذ إن قرار عزل الرئيس البرازيلية ديلما روسيف سيمهد الطريق، بعد أن تفقد حصانتها القضائية، لمثولها أمام المحاكم، إثر تهم فساد تطاردها منذ شهور.
وقد اكتسب حدث التصويت زخمًا شعبيًا غير مسبوق، إذ احتشد أكثر من 25 ألفًا من أنصار ومعارضي حكومة روسيف بمحيط برلمان البرازيل، يتابعون جلسة التصويت مباشرة على شاشات ضخمة منصوبة، وبعد ظهور النتيجة انخرط أنصار المعارضة في أجواء احتفالية مليئة بالحماس والموسيقى، فرحًا بموافقة مجلس النواب على قرار العزل.
أصل القصة
بدأت المظاهرات الشعبية في البرازيل ضد حكومة روسيف، منذ عام 2014، عندما احتج آلاف البرازيليين ضد استضافة بلادهم لكأس العالم لكرة القدم، في الوقت الذي كانت فيه بلادهم تعاني ركودًا اقتصاديًا حادًا.
مذاك الحين، ظهرت حركات احتجاجية شعبية مناهضة للحكومة، تتخذ لها الشارع منصة للتعبير عن غضبها في كل مناسبة تجاه سياسات الحكومة، المتهمة بالفساد والتقصير، وكانت آخرها المسيرات الاحتجاجية وهي المظاهرات المليونية التي حدثت في عدد من المدن البرازيلية الكبرى، خلال شهر مارس (آذار) الماضي، والمطالبة بمحاكمة ديلما روسيف ورفيقها في الحزب لولا دا سيلفا.
ويعيش الشارع البرازيلي منذ شهور، على وقع فضيحة الفساد المعروفة بـ«لاجا فاتو»، والتي أظهرت، طبقًا للتحقيقات، تورط عدد من أعضاء حزب العمال اليساري الوسطي، الذي تنتمي إليه ديلما، في قبول رشاوى مالية قدمتها الشركة الحكومية للنفط «بتروراس»، من أجل عقد صفقات مخفضة.
ويشتبه في أن ديلما روسيف لها يد في قضية الفساد الكبرى في البرازيل، ولا سيما أنها كانت على رأس شركة بتروراس النفطية الحكومية طوال سبع سنوات، كما اتهمتها المعارضة وعدد من القضاة بمحاولة إفلات رفيقها في الحزب، الرئيس السابق لولا دا سيلفا، من التحقيقات القضائية، بعد أن قامت في بداية العام الجاري بتعيينه رئيسًا لديوان الحكومة، وهو منصب يمنحه حصانة قضائية.
ويتولى حزبُ العمال اليساري السلطةَ في البرازيل منذ 2002. وحظي بشعبية عارمة في عهد الرئيس السابق لولا دا سيلفا، الذي سرع وتيرة التنمية بشكل بارز، إلا أن الحزب اليساري سيعاني من انتكاسات شعبية خلال السنوات الأخيرة، مع حكم ديلما روسيف، نتيجة فضائح الفساد والركود الذي طال الاقتصاد البرازيلي.
انقلاب أم إقالة؟
ينقسم الرأي العام البرازيلي حول قرار عزل الرئيس البرازيلية ديلما روسيف، فمن جهة يرى أنصار روسيف، ومعظمهم من الطبقات الشعبية الفقيرة، بأن ما حدث هو انقلاب ناعم على الشرعية الانتخابية، بمساعدة جناح القضاة، بينما يجد معسكر المعارضة قرار العزل نتيجة طبيعية للفساد المتكشف والركود الاقتصادي الذي يضرب البلد.
ديلما روسيف نفت الاتهامات الموجهة إليها، ووصفت الأمر بأنه «انقلاب على الجمهورية والديمقراطية، وقبل كل شيء على أصوات جميع البرازيليين الذين شاركوا في العملية الانتخابية»، كما اتهمت قادة المعارضة بمحاولة الانقلاب ضد حكومتها الشرعية، لترك المجال للفاسدين، على حد قولها.
من جهته، قال زعيم حزب العمال في مجلس النواب، معلقًا على جلسة التصويت التي انتهت بالموافقة على عزل الرئيس ديلما روسيف، إن «الانقلابيين قد فازوا، ولكن المعركة لا تزال مستمرة في مجلس الشيوخ». وكانت حكومة حزب العمال برئاسة ديلما روسيف قد تقدمت بطعن في المحكمة الدستورية العليا لرفض جلسة التصويت، بيْد أنه رفض.
ويبدو أن هذا الانقسام حول قرار الإقالة يطال المجتمع البرازيلي نفسه، الذي يفوق تعداده 200 مليون نسمة، حيث تظاهر آلاف المناصرين للرئيس روسيف خلال التصويت بجانب آلاف المعارضين لها، وقد قامت الشرطة بالفصل بينهم بسور حديدي طوله كيلومتر وارتفاعه متران، منعًا لأي اشتباك بين المعسكرين.
ماذا بعد عزل روسيف
نظرًا لسيطرة المعارضة على مجلس الشيوخ؛ الغرفة الثانية في البرلمان البرازيلي، فمن المتوقع خلال الأيام القادمة مصادقته على قرار إقالة الرئيس ديلما روسيف رسميًا، ومن ثم يعين نائبها تامر ميشال في منصبها، ريثما تنتهي الولاية الرئاسية.
من المنتظر أيضًا أن تواجه ديلما روسيف، بعد عزلها، تحقيقات قضائية حول شبهات فساد وتقصير خلال ولايتها الرئاسية، وهو الأمر الذي لطالما ينادي به بعض القضاة البارزين والمعارضين لحكومتها.
ولعل قرار عزل روسيف مثل إعلانًا لنهاية حكم اليسار في البرازيل، تحت قيادة حزب العمال، بعد تقلده السلطة طوال 14 سنة، علاوة على تآكل شعبيته بشكل عميق، كما أظهرت استطلاعات الرأي الأخيرة، التي أبانت عن رفض %61 من البرازيليين لحكم ديلما.
وبالإضافة إلى أزمة الركود الاقتصادي وقضايا الفساد التي تهز المجتمع البرازيلي، هناك تحديات جدية تواجه البرازيل، كالقضاء على وباء زيكا المستشري، وتأمين تنظيم دورة ألعاب الأولمبياد الصيف المقبل. فهل ستؤثر الأزمة السياسية في البرازيل على استحقاقاتها القادمة؟ ذلك ما قد تكشفه الأيام المقبلة.