‘الموسم المفتوح: لماذا كل هذا الهجوم على جماعة الإخوان المسلمين؟’

21 نيسان (أبريل - أفريل)، 2016
13 minutes

ميدل إيست آي –

الأردن، بتحفيز من الإمارات العربية المتحدة، جنبًا إلى جنب مع مصر، وتنظيم الدولة الإسلامية، وكذلك بعض دول الاتحاد الأوروبي، جميعهم يهاجمون جماعة الإخوان المسلمين.

الأسبوع الماضي، خصص تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) 25 صفحة من مجلة دابق للتنديد بجماعة الإخوان المسلمين ونُشر العديد الجديد تحت عنوان “الإخوان المرتدون“. وجاء في العدد: “على مدى العقود القليلة الماضية، نشأ سرطان مدمّر، تطوّر وانتشر في محاولة ليغرق الأمة بأكملها في الردة،” في محاولة لوصف مذهب جماعة الإخوان المسلمين بأنه مزيج من المعتقدات والطقوس الديمقراطية، الليبرالية، والاشتراكية المسالمة “المأخوذة عن الوثنيين من الشرق والغرب”.  

هجوم داعش على “الإخوان المرتدين” يستند إلى سببين: الأول، مقابلة “الطغاة” مثل المرشد الأعلى الإيراني، والحفاظ على العلاقة مع الدول الشيعية من خلال حركة حماس. والثاني، وهو سبب أكثر إثارة للاهتمام، مشاركة الإخوان في العمليات البرلمانية والدستورية والديمقراطية. يرى التنظيم أنَّ هذا “مذهب يمنح الناس سلطة عليا بدلًا من الله”.

وجاء في عدد دابق أيضًا: “الديمقراطية هي الدين الذي يُعطي سلطة التشريع للشعب بدلّا عن رب العالمين، وبها يُوزّع حق التشريع بين البشر حتى من خلالها من تحديد ماهية القوانين التي تصلح أن تكون حَكَمًا على الأرض. فإذا قررت الأغلبية أن اللواط فعل قانوني، تتم إباحته على الرغم من أنه يخالف شرع الله.”

في نفس اليوم الذي نُشر فيه عدد مجلة دابق، أعلن الأردن إغلاق مقر جماعة الإخوان المسلمين في عمّان وإغلاق ستة مكاتب أخرى ومنع الجماعة من إجراء انتخابات داخلية.

لقد أُعلن الموسم المفتوح ضد الإخوان. وسواء كان الصيادون هم الجهاديون السلفيون، أو ملك الأردن أو رئيس مصر، أو حتى ديفيد كاميرون، رئيس الوزراء البريطاني، فإنَّ جهودهم لديها نفس التأثير. ما يقرب من ثلُث الناخبين العرب صوّتوا لصالح المرشحين الإسلاميين السياسيين في انتخابات حرة لذلك فهذا الهجوم يتعلق بحرمان أكبر حركة سياسية في المنطقة من حقوقها.

ذريعة الحملة القمعية ضد الإخوان في الأردن هي وجود فرع مرخص يطلق عليه اسم جماعة الإخوان المسلمين، على الرغم من أن معظم أعضائها لا يزالوا تابعين للحزب القديم.

وبدلًا من فعل أي شيء فوضويّ مثل إطلاق النار على 3000 متظاهر في شوارع القاهرة والإسكندرية أو ملء السجون في البلاد بأكثر من 40 ألف سجين سياسي، يقضي الأردن على جماعة الإخوان عن طريق تفتيت الجماعة.

وهذه خطوة جريئة نظرًا لأنَّ جماعة الإخوان هي أكبر حركة سياسية في الأردن. بل إنها حركة قديمة أيضًا قدم الدولة الحديثة؛ فالحكومة الأردنية تبطل صفة قانونية يعود تاريخها إلى قرار مجلس الوزراء في عام 1946.

من المتوقع أن يتم وقف بث قناة اليرموك الفضائية من عمّان، وهي قناة مقربة من جماعة الإخوان. يتم القضاء على الإخوان في الأردن من خلال أختام الشمع الأحمر التي تسيل على ثقوب المفاتيح، بدلًا من طلقات الرصاص، ولكن التأثير في الوقت الراهن لا يزال حقيقيًا.

تحركات الأردن ضد ما تبقى من الجماعة أدت إلى انقسام في صفوف المراقبين. يرى البعض الانقسامات داخل جماعة الإخوان المسلمين باعتبارها قضية داخلية ويقولون إنَّ تحركات الحكومة لديها غرض وحيد وهو إقناع الإخوان بالمشاركة في الانتخابات التشريعية المقرر إجراؤها في مطلع العام المقبل.

يشير آخرون إلى الأثر التراكمي لتزوير نتائج الانتخابات في الأردن ضد الإخوان. لقد حصلت الجماعة على ستة مقاعد فقط في الانتخابات البرلمانية في عام 2007 من أصل 110 مقاعد، في تزوير سياسي صارخ. المرشحون الذين تأكدوا من فوزهم بمقاعد من خلال مراقبة عدد الأصوات استيقظوا في اليوم التالي ليجدوا أنهم لم يفوزوا بأي شيء.

كتب محمد أبو رمان قبل انتخابات نوفمبر عام 2010: “إن الضغط لمقاطعة الانتخابات هذا العام جاء من أولئك الذين يعرفون باسم الإصلاحيين المعتدلين، الذين ضغطوا للمشاركة في انتخابات عام 2007 (على الرغم من حدوث تزوير في الانتخابات البلدية في العام نفسه)، وانزعجوا من النتائج. وبالإضافة إلى ذلك، شعر قادة الإخوان بخيبة أمل من القانون الانتخابي الجديد الذي صدر في وقت سابق من هذا العام، والذي اعتبروه غير متوازن ومنحاز للولاءات القبلية بدلًا من الأحزاب السياسية.”

يتكرر النمط نفسه الآن. في كل مرة يمارس فيها الإخوان لعبة الانتخابات في الأردن ينتهي الأمر بتزوير النتائج. هذا لا يعني أن الحركة لا تمزقها الخلافات بين المتشددين والمعتدلين حول مسألة مقاطعة الانتخابات.  

كتب حسن أبو هنية في مقالة له بعنوان ” استراتيجية تفتيت الإخوان في الأردن“: “إن الدخول في العمل السياسي في بيئة سياسية شبه سلطوية دفع جماعة الإخوان المسلمين إلى حالة من القلق والتوتر الداخلي والانقسام والصراع على الجماعة، فسياسات النظام تطالبها بمزيد من المشاركة السياسية وعدم المقاطعة، إلا أنها لا تضمن إجراءات نزيهة في الوصول إلى نتائج ديمقراطية، ولذلك يتعالى الجدل بين المتشددين والمعتدلين حول جدوى العملية السياسية وحدود الاعتدال والتشدد.”

قد يكون هناك دافع آخر. التحركات الأردنية ضد الإخوان ترتبط ارتباطًا وثيقًا بعلاقتها الأمنية مع دولة الإمارات العربية المتحدة. تمّ اعتقال زكي بني أرشيد، العضو البارز بجماعة الإخوان، بسبب منشور على موقع فيس بوك انتقد فيه إعلان دولة الإمارات العربية المتحدة جماعة الإخوان كمنظمة إرهابية. وكانت الجريمة التي ارتكبها هي “زعزعة علاقات الأردن مع دولة أجنبية”. وجاءت الحملات القمعية ضد جماعة الإخوان المسلمين في أعقاب اجتماع عُقد في أبو ظبي بين الملك عبد الله ومحمد بن زايد آل نهيان.

وبالطبع تختلف الدوافع. وتحت ضغوط شديدة من بن زايد، الذي هدّد بإلغاء عقد بقيمة 6 مليار دولار في صفقة مقاتلات تايفون وعقد شراء النفط من شركة “بريتيش بتروليوم” إذا لم تحظر بريطانيا جماعة الإخوان المسلمين، أطلق ديفيد كاميرون تحقيقًا سبب له الكثير من الإزعاج والتحدي القانوني.

لم يستطع التحقيق إثبات وجود صلة بين جماعة الإخوان المسلمين في بريطانيا وبين أعمال المتشددين الاسلاميين في مصر، ومن ثمّ انتهى التحقيق مع بيان مكتوب في مجلس العموم، يزعم أنَّ العضوية، أو الاشتراك مع جماعة الإخوان المسلمين يجب النظر له على أنّه “مؤشر محتمل للتطرف”. وانتهى بيان رئيس الوزراء بالادّعاء التالي: “هناك جوانب من جماعة الإخوان المسلمين تتعارض مع قيّمنا ومصالحنا الوطنية وأمننا القومي.”

الأعضاء الجمهوريون في الكونجرس الأمريكي، تحت ضغط من الكثير من اللوبي الخليجي، ساروا على نفس النهج. وفي الشهر الماضي، اعتمدت اللجنة القضائية في مجلس النواب الذي يسيطر عليه الجمهوريون التشريعات التي تطالب وزارة الخارجية بإعلان جماعة الإخوان المسلمين منظمة إرهابية أجنبية.

تنظيم داعش والطغاة العرب ومؤيدوهم في الغرب خلقوا نسختهم الخاصة من دورة الوقود النووي الكاملة. الإقصاء والبطالة وحُكم الأسر الحاكمة الفاسدة والنخب العسكرية التي تخدم مصالحها الذاتية، كلها عوامل تدفع المجندين الجدد للانضمام لتنظيم داعش. وعود الثورة التي لم تُحقق وفرص العمل في حالة تونس هي عوامل دافعة أيضًا بقدر ما كانت أيّام النظام القديم. وبدوره يغذي إرهاب داعش الطغاة بأسباب مختلفة لاستمرار الاستبداد، والحصول على المعونات والأسلحة من مؤيديهم الغربيين. وفي كل عام يعلنون الشرق الأوسط غير صالح للديمقراطية أكثر مما كان عليه في الماضي.

كل واحد من الصيادين لديه شيء محدد للخوف من الإسلام السياسي، الذي لا يمثل القوة الوحيدة، ولكنه من المؤكّد أنه أقوى قوة عدديًا يمكن أن توقف القمع السياسي والإرهاب. وفي مواجهة جيل جديد من الناشطين السياسيين – الإسلاميين والعلمانيين الذين خرجوا من شوارع مصر – يجب أن يدرك  البراغماتيون في الجيش المصري أنهم لا يستطيعون حكم البلاد كخيار طويل المدى، وكوسيلة للخروج من كابوس.

الضحية لا تمنح الحكمة السياسية وجماعة الإخوان المسلمين، مثل جميع المعارضة في مصر، منقسمة إلى حد كبير. وإذا جاء حاكم جديد، لن يكون مستعدًا أيضًا. القضية هنا ليست مصير الحركة الإسلامية، ولكن المعركة المستمرة بين عمليات الاقتراع وطلقات الرصاص.

في الوقت الحالي، مصر، المركز العصبي للعالم العربي، أصبحت جدولة فاشلة ومنهارة بسبب رجل لا يتسامح مع أي معارضة. ويناشد كل مواطن للاستماع له فقط. لكنهم ليسوا مواطنين في نظره، بل رعايا ليسوا على استعداد لهذا الشيء الذي يسمى الديمقراطية حتى الان.

في مؤتمر صحفي مشترك مع الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند، قرر المضيف المصري إلقاء محاضرة على ضيفه حول موضوع الديمقراطية.

رفض السيسي مزاعم حدوث انتهاكات في عهده – وكان آخرها تعذيب وقتل طالب الدكتوراه الإيطالي – واعتبرها مؤامرة من قِبل “قوى الشر“. وأضاف أن: “المنطقة التي نعيش فيها، يا سيادة الرئيس هولاند، منطقة مضطرب جدًا”. وواصل السيسي محاضرته حول الديمقراطية قائلًا: “معايير حقوق الإنسان الأوروبية لا يمكن تطبيقها في بلد يكافح الإرهاب مثل مصر”.

هذا ليس نموذجًا يمكن أن يدوم في مصر. لا يوجد سياسة في مصر، فقط خطابات بلا معنى وتصرفات من رجل واحد، ومؤسسة واحدة، الجيش المصري. ولا توجد أي مؤسسات أخرى.

الجميع لديه دوافع مختلفة لسحق الديمقراطية التمثيلية. تنظيم الدولة الإسلامية يخشى الديمقراطية كعدو أكثر فتكًا من أي قنبلة موجّهة بدقة. وهو محق في ذلك. والطغاة العرب يخشون من الإخوان لأنهم يتحدون شرعيتهم. والقوى الغربية لديها رغبة في التعامل مع جماعة مستقلة عنهم فكريًا وسياسيًا، وتتحدى نظام الشرق الأوسط القائم على رعاية وحماية إسرائيل على حساب السلام في المنطقة.

الجميع أيضًا لديه سبب ودافع لتوسيع ميدان المعركة. تنظيم داعش بقدر ما هو نقطة تجمع الصراع الإقليمي، فهو أيضًا السبب في هذا الصراع الذي يستوعب قضايا ومقاتلين مختلفين عن بعضهم البعض مثل مقاتلين داغستان من شمال القوقاز والشباب الغاضب في البحث عن قضية يعيش لأجلها من إحدى ضواحي بروكسل. وليس ثمة فروق كبيرة بين كلا الطرفين.

لقد أظهر تنظيم الدولة الإسلامية مرونة ملحوظة في مواجهة الغارات الجوية والقوات البرية. ويقول عمر عاشور، أستاذ محاضر في الدراسات الأمنية في جامعة إكستر، في ورقته البحثية “لماذا يصمد ويتوسّع تنظيم الدولة الإسلامية؟” إنَّ التنظيم ينتشر على الرغم من قلة الحجم وعدد المقاتلين. يتمتع الجيش العراقي بتفوق عددي على تنظيم داعش بنسبة 8-1، وهذا دون احتساب مقاتلي البشمركة الأكراد، والميليشيات الشيعية وائتلاف 60 دولة وأكثر من 44 ألف طلعة جوية منذ سبتمبر عام 2014.

هناك أسباب كثيرة لصمود داعش. بعضها لا تتعلق بقوة السلاح، ولكن بإمداداته من الخبز المدعم. السبب الرئيسي في قدرة التنظيم على التحمل، واستمرار في جذب مجندين من 120 دولة، قد يكون سببًا سياسيًا، وليس دينيًا أو اجتماعيًا.

وكما قال عاشور أنه: “بالتأكيد لا يمكن أن يستمر صمود وتوسّع داعش في سياق إقليمي حيث يواصل الرصاص إثبات أنه أكثر فعّالية بكثير من صناديق الاقتراع، وحيث يتم ارتكاب أشكال متطرفة من العنف السياسي من قِبل الجهات الحكومية وغير الحكومية، ثمّ شرعنتها من قِبل المؤسسات الدينية، وحيث يُنظر إلى إقصاء “الآخر” كاستراتيجية سياسية أكثر شرعية من التسوية والمصالحة.”

بعد 14 عامًا من قتال الجهاديين السلفيين، لا يزال الغرب يفتقر إلى صورة واضحة عن عدوه. الحكومات في أوروبا تطمس الهدف وتزيد من قائمة المشتبه بهم على افتراض أن كل الإسلاميين إرهابيين. لماذا يتوقف الأمر عند هذا الحد؟ لقد حظر ايمانويل فالس، رئيس الوزراء الفرنسي، ارتداء الحجاب في الجامعات الفرنسية.

إنَّ الغرب يغذي الوحش الذي يقاتله. هذا الوحش مستمر منذ 15 عامًا حتى الآن، ومن المتوقع أن يستمر لفترة أطول من ذلك بكثير.