صندوق نديم بالوش الأسود.. ثالوث" القاعدة - الأسد - البغدادي"

دفع الخبر الذي تداولته وسائل إعلام تركية يوم أمس الأربعاء حول وفاة نديم بالوش (36 عاماً) منتحراً في السجون التركية، إلى محاولة فتح أرشيف إحدى الشخصيات السورية المثيرة للجدل.. لتظهر حجم التزاوج المخابراتي بين نظام الأسد وبعض الشخصيات التي تدعي أنها "السلفية الجهادية" بهدف تطبيق خطة طويلة الأجل تعيش سوريا تداعياتها إلى اليوم. تنقلت شخصية "بالوش" ما بين رجل تنظيم "القاعدة"، إلى شخصية الضابط في مخابرات الأسد تحت عباءة الدين، والقائد العسكري الذي تبنى وبشكل مشبوه حصوله على السلاح الكيماوي وذلك قبل مجزرة الكيماوي الكبرى في الغوطتين بخمسة أشهر، وصولاً إلى المنظر الجهادي والمحلل الاستراتيجي ولكن هذه المرة تحت عباءة "أبو بكر البغدادي". بالوش في سجن صيدنايا حمل "بالوش" مبكراً فكر تنظيم "القاعدة"، وحاول عندما كان طالباً في كلية هندسة الميكانيك السفر إلى أفغانستان بغية الانضمام إلى التنظيم هناك، لكنه اعتقل في تركيا وتم تسليمه إلى السلطات السورية، حيث جرت محاكمته وحكم عليه بالسجن عشر سنوات ووضع في سجن صيدنايا سيئ السمعة. وكان بالوش يصف نفسه بأنه "مفكر جهادي استراتيجي"، وعرف بـ"قائد المجلس العسكري الجهادي في سجن صيدنايا"، حيث شارك في أحداث الاستعصاء التي شهدها السجن بين عامي 2007 و2008، وكان دوره قيادياً في هذه الأحداث لدرجة أن بعض نزلاء السجن ما زالوا يتهمونه بأنه السبب في مقتل عدد من السجناء بتهمة أنهم "علمانيين". صفقة "بالوش - آصف شوكت" مع بداية انطلاق الثورة السورية عام 2011، أطلق النظام كما هو معروف سراح المعتقلين الإسلاميين في سجونه، وكان من بينهم "بالوش"... لكن ادعى عبر شريط فيديو خرج من السجن عبر صفقة مع النظام، حيث يؤكد أنه كان على تواصل مع آصف شوكت، صهر بشار الأسد، نائب وزير الدفاع السوري السابق، ورئيس شعبة المخابرات العامة، حيث خرج من سجن صيدنايا بموجب "صفقة" مع المخابرات العسكرية، يطلق بموجبها سراحه من سجن صيدنايا مقابل أن يتبنى مع عدد من الأشخاص قضية اغتيال رئيس الوزراء اللبناني رفيق الحريري. يشار هنا، أن بالوش يقول حرفياً  "لا يوجد حرج لتطبيق صفقة مع أي طرف كان، بشرط أن لا تخالف "شرع الله" وأن لا يكون "عبداً منفذاً" في الصفقة وفق تسجيل مصور له.
ركوب موجة الثورة بعيد خروجه من السجن، ركب "بالوش" موجة المظاهرات في مسقط رأسه ريف اللاذقية مستفيداً من كونه "معتقلاً" سابقاً "مظلوماً" وخسر سنين عمره في معتقلات الأسد، ليظهر بعدها "بالوش" في أكثر من مرة وهو يتقدم المظاهرات "حاملاً مسدسين"، وذلك في وقت كانت فيه المظاهرات سلمية، حيث كان يردد عبارات طائفية ضد العلويين والمسيحيين. الانتقال مبكراً إلى العمل العسكري لم يستمر "بالوش" في المظاهرات، فشكل مبكراً كتيبة في جبل الأكراد بريف اللاذقية، لم تكن مهامها قتالها قوات الأسد بشكل مباشر، بل تركزت عملياتها على تصفية بعض الشخصيات التي يختارها "بالوش" لاعتبارات شخصية، بينما تحدث ناشطون عن عمليات سرقة و"تعفيش" طالت المناطق التي تنشط فيها كتيبته. تصفية أول ضابط منشق لجئ إلى تركيا ومن أبرز محطات "بالوش" هي اختطاف النقيب المنشق "رياض الأحمد" في مطلع عام 2013، وهو أول ضابط منشق لجأ إلى تركيا، لينتشر بعدها تسجيل مصور يظهر فيه النقيب "الأحمد" مقتولاً بعد أن اقتلعت عيناه، بعد تعذيبه من قبل عناصر "بالوش"، حيث كانت التهمة للنقيب "الأحمد" جاهزة كالعادة وهي "الردة"، ولكن أراد "بالوش" وقتها إنهاء أبرز شخصية عسكرية ثورية في ريف اللاذقية.
"بالوش" والكيماوي ولكن أخطر العمليات المشبوهة التي سوقها "بالوش"، هو ادعائه الحصول على سلاح كيماوي لضرب المناطق العلوية الموالية في الساحل السوري، وذلك عبر شريط فيديو نشره في الشهر الثالث من عام 2013، أي قبل خمسة أشهر من وقوع مجزرة الكيماوي الكبرى في الغوطة الشرقية والغربية، وذلك بهدف لفت أنظار إلى أن المعارضة المسلحة تمتلك أيضاَ السلاح الكيماوي، وفق تأكيدات مصادر من الجيش السوري الحر، والذي أكد أن بالوش هو عميل للمخابرات العسكرية التابعة لقوات الأسد. "المحل الاستراتيجي" أمضى "بالوش" السنوات الماضية، عبر نشر سلسلة من التحليلات الاستراتيجية لتطورات الثورة السورية والفصائل الثورية والإسلامية، معتمداً أسلوب النقد اللاذع والتخوين في كثير من الأحيان، وذلك عبر صفحاته في مواقع التواصل الاجتماعي ومدونته الخاصة "نديم بالوش – العبد الفقير". تضم مدونات "بالوش" أرشيف كبير من التعليقات على أبرز الأحداث العسكرية والسياسية والإقليمية، حيث كانت مدونته منبراً للتهجم على الفصائل المسلحة في السورية، التي يصفها بأنها "عميلة لأنظمة غربية"، التي تتلقى الدعم المالي والعسكري، إلى جانب عداوته المطلقة لحركة "أحرار الشام" الإسلامية. تحدث "بالوش" مؤخراً طويلاً عن مسيرة المفاوضات بين النظام والمعارضة، إلى جانب تطرقه في إحدى المدونات إلى اعتبار أن القرار الأممي 2254 بخصوص سوريا هو النقطة العلامة الفاصلة في تاريخ الأزمة السورية، وهو اكبر نصر سياسي حققه النظام بمساعدة حلفاءه ، فيما وصف "الاتفاق النووي" بأنه أكبر نصر حققته ايران في عصرها الحديث، واعتبر أن هذا الاتفاق "يؤسس لمرحلة جديدة جداً في العالم كله". بالوش تحت عباءة البغدادي" في عام 2015 أعلن "بالوش" عبر صفحته في موقع "تويتر" مبايعته لأبو بكر البغدادي زعيم تنظيم الدولة الإسلامية (داعش)، لكن حتى أنصار التنظيم يصفونه بأنه "عميل للنظام"، واعتقلته السلطات التركية قبل نحو أسبوع من مكان إقامته في ولاية هاتاي التركية جنوبي البلاد، وذلك على خلفية اتهامه بعلاقته بتنظيم "الدولة الإسلامية"، ليعلن يوم أمس وفاته منتحراً، ومما يرجح صدق الرواية التركية حول مقتله، هو حديث "بالوش" في مقطع مسجل بأنه حاول الانتحار في سجون النظام ، مستنداً بذلك إلى فتوى الشيح السعودي المعتقل "علي الخضير" وفق قوله. جثمان "نديم بالوش"