فرصة أوباما الأخيرة مع المملكة العربية السعودية
21 أبريل، 2016
ناشيونال انترست –
في 21 أبريل، يقوم الرئيس باراك أوباما بما يرجح أن تكون زيارته الأخيرة إلى المملكة العربية السعودية كرئيس للولايات المتحدة.
وتأتي هذه الزيارة في وقت أدت فيه الأيديولوجيات المتصادمة لكل من “عقيدة أوباما” و”عقيدة سلمان” الناشئة إلى تباين كبير في الآراء بين البلدين والتزامهما حيال القضايا الأساسية التي تؤثر على العالم العربي وهي: الحروب الأهلية السورية والليبية، وصعود تنظيم القاعدة وتنظيم الدولة الإسلامية، والصراع الفلسطيني-الإسرائيلي، ومختلف الثورات التي تدعمها إيران عن طريق وكلاء الإرهاب في المنطقة. كما سوف يتم أيضا طرح قضية يتفق عليها البلدان اتفاقا ضمنيا على الأقل وهي: الحرب التي تقودها المملكة العربية السعودية ضد المتمردين الحوثيين في اليمن، والتي يبدو أنها دخلت مرحلة جديدة من المفاوضات.
وفي حين يجري الآن مأسسة الكثير من “العلاقات الخاصة” في شكل جهود شاملة لمكافحة الإرهاب، وتسليم أنظمة سلاح متقدمة، والتجارة، والاستثمار، والتعليم، يلتقي الرئيس أوباما مع القيادة السعودية التي نمت بشكل مستقل على نحو متزايد في الوقت الذي تسعى فيه للتأثير على الظروف الجيوسياسية المتغيرة بسرعة في منطقة الشرق الأوسط، والعالم الإسلامي بشكل أوسع.
وهناك سببان رئيسيان لهذا الحزم السعودي الجديد يقعان في قلب عقيدة سلمان الناشئة.
أولا: تسبب ما يسمى بالربيع العربي في وجود دوامة هائلة من حالة الفوضى وسفك الدماء في المنطقة، والتي اضطر السعوديون وحلفاؤهم في كثير من الأحيان إلى التعامل معها ،دون موافقة الولايات المتحدة، أو التشاور معها أو مشاركتها، من أجل ضمان الأمن الدولي والإقليمي.
ثانيا: في حين قبل السعوديون الاتفاق النووي مع إيران الآن باعتباره أمر واقع، إلا أن الطريقة التي تم تنفيذ الاتفاق من خلالها تعد طريقة مريبة للغاية. فلم يقتصر الأمر على إبرام الاتفاق بشكل سري ودون استشارة الرياض، بل قام أوباما أيضا بالتفاوض على جهوده ضد بشار الأسد من أجل استرضاء الإيرانيين. ونتيجة هذا القرار تتضح الآن: أكثر من 250000 قتيلا سوريا وملايين اللاجئين.
ومن أجل دعم الاستقلال الاستراتيجي الجديد الذي يقع في صميم رؤية الملك سلمان، اتجه السعوديون إلى انفاق أكثر من 150 مليار دولار من أجل إنشاء بنية تحتية دفاعية متطورة، ومن المتوقع أن يرتفع هذا الرقم بنحو 100 مليار دولار على مدار خمس سنوات مقبلة.
كما قام السعوديون أيضا بقيادة التحالف الإسلامي المكون من أربعة وثلاثين دولة لمحاربة الإرهاب، وقامت معظم هذه الدول بالفعل بمناورات عسكرية كبيرة، تسمى رعد الشمال، بمشاركة أكثر من 150000جنديا يمثلون عشرين دولة على الحدود الشمالية للمملكة مع العراق.
وأخيرا، يمتلك السعوديون خططا لبناء ما لا يقل عن ثلاثة قواعد عسكرية جديدة في “الدول القريبة منها”، ويجري بالفعل العمل في احدى هذه القواعد في جيبوتي.
وتعد حرب الممكلة في اليمن هي أبرز ثمرة لهذه الرؤية الاستراتيجية الجديدة. فمنذ أكثر من سنة مضت، بدأت قوات التحالف بقيادة سعودية التدخل العسكري في الحرب الأهلية في اليمن، وعن طريق التدخل العسكري للتحالف، تم حصار المتمردين الحوثيين ببطء في صنعاء، بعد أن تم إخراجهم من مدينتي عدن وتعز. وقد تم قبول اتفاق الأمم المتحدة لوقف إطلاق النار من قبل الطرفين، ومن المقرر أن تبدأ المحادثات قريبا حول عودة حكومة الرئيس اليمني ، عبده ربه منصور هادي، المنتخبة شرعيا إلى العاصمة. وينذر هذا الإنجاز السعودي الوشيك في اليمن بنهاية النفوذ الإيراني في شبه الجزيرة العربية (بعد محاولة طهران الفاشلة في البحرين في العام 2011)، ويقدم دليلا ملموسا على كيفية تغيير عقيدة سلمان للمشهد السياسي في الشرق الأوسط.
كما تعتبر الإجراءات السعودية الأخيرة التي تمت ضد حزب الله في لبنان دليلا آخر على زيادة الدور القيادي الحازم للمملكة في منطقة الشرق الأوسط. ففي الشهر الماضي، سحب السعوديون 4 مليار دولار قيمة المساعدات المقدمة إلى لبنان، ونصحت السياح السعوديين بتجنب السفر إلى لبنان، وأعلنت أن حزب الله ،المنظمة التي تدعمها طهران، والتي أصبحت محور المشهد الاجتماعي والسياسي والعسكري في لبنان، منظمة إرهابية. وعلى الرغم من أن هذه الخطوة تدفع الدولة – التي تتاخم الحدود مع إسرائيل وتستضيف الملايين من اللاجئين السوريين والفلسطينيين- إلى العزلة السياسية والاقتصادية وقريبا جدا العزلة المالية، إلا أن الحكومة السعودية مستعدة بوضوح لاتخاذ الخيارات الصعبة اللازمة لمعالجة المظالم والاختلالات التي اجتاحت المنطقة بشكل واضح مع وجود العديد من الكيانات الإرهابية الإقليمية التي ترعاها إيران: حزب الله والحركات التابعة له في الكويت والبحرين ومنطقة القطيف في المملكة العربية السعودية، والحشد الشعبي في العراق وسوريا، والحوثيون في اليمن، والجناح العسكري لحماس في غزة.
وفي استعراض لدعم قيادة المملكة العربية السعودية في العالم العربي، تنازلت مصر مؤخرا عن اثنين من الجزر الاستراتيجية في البحر الأحمر، تيران وصنافير، إلى المملكة. ولم يقتصر الأمر على هذه الخطوة فقط لتوضح التحالف الاقتصادي والسياسي والاستراتيجي المتنامي بين مصر والمملكة العربية السعودية، ولكن تم إعلان تدشين المشروع الذي تمت مناقشته كثيرا على مدى عقود وهو: إنشاء جسر بري بين اثنين من الدول العربية الرائدة.
وسوف يعمّق هذا الجسر التفاعل التجاري بين البلدين، ويحتمل أن يوفر عشرات الآلاف من فرص العمل للمصريين الفقراء ، بالإضافة إلى تطوير شبه جزيرة سيناء اقتصاديا وهي منطقة بالغة الأهمية. كما سوف يسهل هذا الجسر التعاون العسكري الكبير بين مصر والمملكة، بما يسمح بسهولة نقل القوات والمدرعات ودبابات القتال الرئيسية إلى شمال المملكة لعمليات النشر العسكرية المستقبلية، بما يدعم السبعة ألوية العسكرية الجديدة من الجيش السعودي والتي تعد جوهر القوة القتالية للتحالف الإسلامي الذي تقوده المملكة العربية السعودية.
وفي الآونة الأخيرة، كتب أحد المراقبين السياسيين السعوديين تدوينة يقول فيها “لقد أشعل أوباما الربيع العربي من جامعة القاهرة، وأطفأه الملك سلمان من نفس المكان”.
وهو يشير الى خطاب الرئيس أوباما بجامعة القاهرة في شهر يونيو 2009، والذي ينظر إليه الآن باعتباره أحد دوافع ما يسمى بثورات الربيع العربي، وإلى درجة الدكتوراه الفخرية الأخيرة التي حازها الملك سلمان من جامعة القاهرة تقديرا لجهوده المحورية في العالم.
وقد يتساءل البعض لماذا يحتاج هذا “الربيع” العربي إلى أن يتم إطفاؤه. والجواب هو لأنه قد تم إشعاله من قبل رئيس يحيط نفسه بمجموعة من “خبراء” الشرق الأوسط المفترضين، الذين يفتقرون إلى الفهم الأساسي للحضارة والثقافة الإسلامية والعربية، والذين لايزالون حتى الآن غير مدركين أن “الثورة” التي دعموها بحماس قد دمرت كل شيء في طريقها تقريبا.
وقد امتلك السعوديون فقط وحلفاؤهم من العرب ،وخاصة دولة الإمارات العربية المتحدة، العزيمة والموارد اللازمة لمحاولة إخماد الحريق.
وفي حين أن أوباما وعقيدته سيغادران المنصب قريبا، فإن زيارته الأخيرة إلى المملكة هي فرصته الأخيرة لمحاولة تحسين العلاقات الأمريكية السعودية، حتى يتمكن من ترك بيئة دبلوماسية واستراتيجية أكثر إيجابية للإدارة الأمريكية المقبلة.