كيف يغيّر انخفاض أسعار النفط منطقة الخليج؟
21 أبريل، 2016
ناشيونال إنترست –
في ظلّ استعداد الرئيس أوباما لزيارة المملكة العربية السعودية، فإنَّ العديد من الحكّام الذين سيلتقي بهم يواجهون تغييرات جذرية في بلادهم. تراجع أسعار النفط وارتفاع العجز في الموازنة هي أمور تجبر دول الخليج على تغيير العقد الاجتماعي القائم منذ عقود طويلة. في منطقة يضمن فيها سخاء الحكومة حصولها على الدعم الشعبي، تقوم المملكة العربية السعودية وغيرها من الجول بخفض الإنفاق وإجراء حزمة من الإصلاحات الاقتصادية وخفض الدعم للمنح الدراسية ومشاريع البناء، وتستعد لفرض ضرائب جديدة على المواطنين غير المعتادين على دفع مثل تلك الضرائب. وحتى الآن، لم تقيّد تلك التخفيضات السياسات الخارجية للدول الأكثر نشاطّا في المنطقة، المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة وقطر، ولكن يمكن أن يحدث ذلك في وقت قريب.
أوقفت العديد من الدول البرامج والمساعدات الخارجية عند انخفاض التمويل. المملكة العربية السعودية، على سبيل المثال، فخضت ميزانيتها لعام 2016 بنسبة 30 مليار دولار ولكنها زادت من حجم ميزانية الدفاع إلى ما يقرب من 57 مليار دولار مما يجعلها ثالث أكبر منفق في العالم على الدفاع، الذي يشكّل الآن ربع الإنفاق الحكومي السعودي. وتمتلك المملكة مصادر إنفاق أخرى: التحالف العربي في اليمن الذي يكلّف المملكة مئات الملايين من الدولارات شهريًا. في الآونة الأخيرة، استضافت الرياض قوات عشرين دولة إسلامية لإجراء مناورات “رعد الشمال”، وهي تدريبات عسكرية واسعة النطاق تقوم بها قوات قوامها مئات الآلاف. وفي الوقت نفسه، عاد الملك سلمان مؤخرًا من مصر، حيث أعلن عن خطط بناء جسر ضخم يربط مصر بالمملكة العربية السعودية، وفي المقابل منحه عبد الفتاح السيسي جزيرتين، كما تمّ التوقيع على صفقات بقيمة أكثر من 20 مليار دولار لتمويل احتياجات مصر من النفط لمدة خمس سنوات بشروط سخية، في الوقت الذي تستثمر فيه المملكة أيضًا في منطقة سيناء، من بين غيرها من المشاريع الخارجية.
ويرى البعض انفصالًا بين تقشف المملكة في الداخل ونشاطها في الخارج ويتساءلون عما إذا كانت دول الخليج يجب أن تقلق بشأن رد فعل عنيف، مع الانتباه لاستقرارها الداخلي. لكن نشاط المملكة العربية السعودية المتزايد في المنطقة قد زاد من المخاوف الداخلية.
من منظور دول الخليج، فإنهم محاصرون من قِبل إيران ووكلائها يدحرون موجة الإسلاميين وذلك في لحظة يرى الكثيرون أن الولايات المتحدة الأمريكية تنسحب من المنطقة، على الرغم من تأكيدات الولايات المتحدة، ومبيعات الأسلحة الضخمة والمساعدة العسكرية ضد الحوثيين وكذلك تنظيم الدولة الإسلامية. وفي هذا السياق، فإنَّ قرار السعودية للاندفاع بكل قوة بشأن تأكيد هيمنتها الإقليمية والتحول الاقتصادي يعكس شعور بالتسرع.
يرى الملك سلمان ونائب ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، وزير الدفاع، أنَّ الحملة العسكرية في اليمن وفرت وسيلة لحشد الدعم المحلي من أجل قضية توحيد الصفوف في لحظة من التحوّل السياسي والاقتصادي. في أماكن أخرى في الخليج، ساعد الصراع على إثارة شعور بأنها مهمة وطنية. وفي دولة الإمارات العربية المتحدة، وقطر والكويت تمّ وضع أشكال التجنيد العسكري الإلزامي، في جزء منه لتعزيز الهوية الوطنية للشعوب.
وأشار الخبير في شؤون الشرق الأوسط كارين إليوت هاوس في الشهر الماضي إلى أنَّ “ما يحبط الناس في الداخل ينقلب ليس ضد المملكة العربية السعودية، ولكن ضد إيران.” الكراهية تجاه إيران الشيعية هو مصدر قلق يوحّد حكّام السعودية ورعاياهم ذات الأغلبية السُنية، الذين يخشون من أن هيمنة إيران سوف تمتد ليس فقط إلى بيروت أو دمشق أو بغداد، لكن إلى صنعاء والمناطق الشيعة في شرق المملكة العربية السعودية.
أحد مخاطر انخفاض أسعار النفط الذي يؤدي إلى عجز دول الخليج هو أن الحوافز السياسية قد تأجج المشاعر المعادية لإيران والطائفية التي اندلعت في يناير الماضي بعد إعدام السعودية لرجل الدين الشيعي نمر النمر والهجوم على السفارة السعودية في طهران. وفي الشهر الماضي، أعلنت دول الخليج رسميًا حزب الله منظمة إرهابية.
ولكن إذا استمرت أسعار النفط منخفضة لسنوات، كما يتوقع البعض، أن تفرض في نهاية المطاف الحساب المالي. المملكة العربية السعودية تمتلك أكثر من 600 مليار دولار في صناديق الثروة السيادية، ولكن صندوق النقد الدولي حذّر في أكتوبر الماضي أنه بدون المزيد من العائدات وخفض الإنفاق، يمكن أن تفلس الرياض بحلول عام 2020. الدول الصغيرة، مثل الإمارات العربية المتحدة وقطر، تمتلك احتياطي نقدي كبير ولكنها تخاطر بتقويض ميثاقها بين الأجيال من خلال استنفاد الثروة السيادية المخصصة للمستقبل.
يبدو قرار السعودية بوقف مساعدات بقيمة 4 مليارات دولار للحكومة اللبنانية مدفوعًا بالغضب من ميل بيروت تجاه طهران. ولكن يمكن أيضًا أن يكون نذيرًا لبعض الأمور في المستقبل. والأمر نفسه ينطبق على قرار قطر بوقف تمويل شبكة الجزيرة أمريكا، وتقليص عدد الموظفين في قنوات الجزيرة بالدوحة. إذا جفت المساعدات الخليجية، سينعكس ذلك على المنطقة بأسرها، من مخيمات اللاجئين الأردنية، إلى البنوك المركزية في الدول العربية المجاورة الأكثر فقرًا، إلى الدول التي مزقتها الحرب الأهلية التي تتطلع إلى الاستثمارات الخليجية لإعادة البناء في حال توقف القتال. مصر هي حالة نماذجية هنا، حيث احتاج اقتصادها عدة مليارات من الدولارات من الخليج للبقاء واقفًا على قدميه منذ منتصف عام 2013، ونظرًا لتحديات الاقتصاد الكليّ المستمرة، قد يتطلب الاقتصاد المصري أكثر من الوعود التي قطعتها المملكة خلال زيارة الملك سلمان.
في مقابلة أُجريت معه مؤخرًا، تحدث الرئيس أوباما عن الحاجة إلى المملكة العربية السعودية وإيران “بإيجاد وسيلة فعّالة للمشاركة الإقليمية وإقامة نوع من السلام البارد”. وفي حال تحدى وقف إطلاق النار الهش الصعاب والاستقرار في سوريا والترسخ في اليمن، فإن ذلك يمثل خطوة مهمة نحو خفض حدّة الصراعات الطائفية في المنطقة. وهناك أمل أنه إذا استمر انخفاض أسعار النفط في العام المقبل وما بعده، يمكن أن يؤدي ذلك إلى حتمية مالية تتغلب على السياسة الداخلية وتساهم في خفض التوتر بين السعودية وإيران. بالطبع، إيران، التي قامت بدورها في زيادة التوتر بالمنطقة، لها دور كبير في ذلك أيضًا. وتشارك إيران في نقاش داخلي ناري بشأن “السلاح في مقابل الخبز.” وفي حالة طهران، تمّ إجراء اختبارات الصواريخ الباليستية التي قام بها الحرس الثوري الإيراني ضد رغبة الزعماء السياسيين في النمو عبر تخفيف العقوبات، حتى وصلت إلى المرشد الأعلى نفسه.
وحتى إذا انتعشت الأسعار نوعًا ما من أدنى مستوياته الأخيرة، فإنَّ دول الخليج تواجه ضغوطًا كبيرة لتسوية أوضاعها المالية. ولكن أسباب تفضيل دول الخليج اختيار الأسلحة على الخبز قد تكون أكثر قوة على المدى القصير وتجعل المنطقة أكثر تقلبًا في هذه العملية.