‘السفير السعودي في الولايات المتحدة الأمريكية: المملكة في مرحلة تحوّل’

22 أبريل، 2016

يو إس إيه توداي –

منذ وقت ليس ببعيد، كانت هناك احتمالات كبيرة بأنني لن أعيش طويلًا حتى أكون قادرًا على كتابة هذا المقال. عندما كنت صبيًا يعيش في المملكة العربية السعودية في فترة الستينات، كان متوسط الأعمار 37 عامًا. اليوم، أصبح 75 عامًا. عندما ذهبت إلى إنجلترا للدراسة، كنتُ واحدًا من عدد قليل من الشباب السعوديين الذين يدرسون خارج المملكة. واليوم، هناك أكثر من 200 ألف طالب سعودي يدرسون في الخارج. في ذلك الوقت، كان أخواتي لا يتمتعنّ بفرص التعليم العالي. واليوم، 55٪ من طلاب الجامعات في المملكة العربية السعودية هم من النساء.

ولكن بالنسبة لي، كان تحوّل المدن في بلدي استثنائيًا. في السابق، كانت المدن صغيرة تقع في وسط مساحات شاسعة من الصحراء، لكنها الآن تمتلئ بناطحات سحاب متصلة بواسطة طرق سريعة ومطارات حديثة، مزدانة بالجامعات العالمية، ومستشفيات متطورة ومراكز تسوق رئيسية، وتضم كل شكل من أشكال التجارة من الشركات العالمية إلى الشركات الناشئة. وهذه ليست الصورة التي يتخيلها الكثيرون عن الحياة في المملكة العربية السعودية. ولكنَّ قصة التغيير التي شهدتها في جيل واحد هي مجرد مقدمة للتحوّل الكبير قيد التنفيذ الآن، والعالم يجب أن ينتبه لهذا الحوّل.

عندما وصل الرئيس أوباما إلى الرياض هذا الأسبوع، قال إنّه وصل إلى دولة تتحرك بسرعة نحو مستقبل لا يعتمد فيه اقتصادها على النفط. وفي الواقع، كان الدافع وراء مسار النمو التصاعدي للاقتصاد السعودي هو القطاع غير النفطي الذي نما بمعدل لا يقل عن 5٪ سنويًا على مدى السنوات العشر الماضية. ويغذي التنويع الاقتصادي الحالي الأنشطة التي تشمل التعدين، وتكنولوجيا المعلومات، والتكنولوجيا الأمنية والزراعة والصحة والسكك الحديدية والمعدات، والطاقة المتجددة.

وضعت المملكة العربية السعودية “رؤية 2020“، وهي تمثل استراتيجية شاملة تهدف نحو خطة جريئة وحاسمة لتحقيق نمو الشام. رؤية 2020 ترى المملكة العربية السعودية على أنها “اقتصاد متنوع ومزدهر يضمن وجود فرص عمل مجزية ومستويات أعلى من الرفاهية الاقتصادية للمواطنين السعوديين، وتوفير التعليم والرعاية الصحية للسكان لتزويد القوى العاملة بالمهارات الكافية.”

من بين الركائز الأساسية لرؤية 2020 التركيز على التنوع الاقتصادي، وتنمية الموارد البشرية، بما في ذلك زيادة دور وعدد النساء في القوى العاملة، وخصخصة بعض القطاعات الاقتصادية مثل الرعاية الصحية والتعليم والنقل. وسيكون قطاع الصناعات التحويلية هو محرك نمو حيوي وحاضنة للتكنولوجيات الجديدة والابتكار، وهو أمر ضروري لنجاح المملكة في الاقتصاد العالمي اليوم. وتمتلك المملكة العربية السعودية القوة المالية لتنفيذ وتسريع هذا التحوّل الاقتصادي. ولا يوجد هناك ديون خارجية تقريبًا (1.6٪ من الناتج المحلي الإجمالي)، احتياطيات أجنبية وفيرة (97٪ من الناتج المحلي الإجمالي) وملف ائتمان قوي.

أحد الأمثلة البارزة على جهودنا لتحفيز الابتكار والتنويع هي “الخطة الوطنية للعلوم والتقنية والابتكار”، وهي مبادرة تكلّفت 2.13 مليار دولار تدعم أكثر من 2000 مشروع في مجال البحث العلمي والتكنولوجيا وتستفيد من الشراكات الصناعية المختلفة. تُعدّ المملكة اليوم مسرحًا لجميع أشكال الحياة الاقتصادية الجديدة. والهدف هو تحويل الأبحاث السعودية إلى استثمارات تجارية، ونحن نقوم بذلك بالفعل. اليوم، على سبيل المثال، أصبحت المملكة العربية السعودية رائدة في تسخير الطاقة الشمسية لإنتاج المياه المحلاة، وذلك باستخدام التكنولوجيا المتقدمة من خلال برنامج استثمار طموح وشراكة مع مؤسسات عالمية مثل وكالة ناسا.

ولكنَّ الاستثمار الاقتصادي وحده لا يكفي لضمان مستقبل مزدهر ومستقر. ولذا، فإنَّ المملكة بحاجة أيضًا إلى البيئة المناسبة لتغذية روح المبادرة وجذب والحفاظ على الاستثمار محليًا وعالميًا. كما تحتاج إلى مجتمع مدني نابض بالحياة يوفر لكل مواطن فرص المشاركة في عملية صنع القرار. كل هذه التغييرات تحدث الآن في المملكة العربية السعودية، وبوتيرة تنافس إن لم تكن تتجاوز السرعة التي حدثت في تنمية أي دولة أخرى في التاريخ.

وهذا يشمل تعزيز شفافية قوانيننا والمؤسسات الحكومية، ومأسسة منظمات حقوق الإنسان، وإجراء انتخابات ديمقراطية في الحكومة البلدية وتوسيع الصلاحيات داخل مجلس الشورى باعتباره السلطة التشريعية في البلاد، حيث أنَّ 20٪ من الأعضاء هم من النساء الآن. المملكة لم تعد هذا المجتمع المتخلف والمتطرف الذي يصوّره بعض النقَّاد.

بالإضافة إلى التغيير الاقتصادي والاجتماعي، ثمة تحوّل في التدخل السعودي في الشؤون الخارجية. في كل أزمة، تبادر المملكة العربية السعودية لتوفير نموذج القيادة الحازمة والإجراءات اللازمة لإحلال السلام والاستقرار في المنطقة والعالم. في اليمن، على سبيل المثال، اتخذنا إجراءات عندما حاولت الميليشيات المدعومة من إيران وحزب الله السيطرة على البلاد. وفي سوريا، قدمنا الدعم العسكري والسياسي في محاولة لإنهاء الحرب الأهلية التي أودت بحياة أكثر من 300 ألف شخص، وفي الوقت نفسه وفرنا الرعاية الضرورية للاجئين. ولمواجهة تنظيم الدولة الإسلامية، نقود تحالف من 39 دولة يركز على هزيمة هؤلاء البرابرة بكل وسيلة ممكنة – عسكريًا وماليًا وأيديولوجيًا. ونعمل مع بلدان أخرى في المنطقة، بما في ذلك العراق ومصر وليبيا والسودان، لتقديم الدعم الاقتصادي فضلًا عن تقديم الدعم لمكافحة العناصر الإرهابية والمتطرفة داخل هذه البلدان.

لذلك عندما يحكم الناس على المملكة العربية السعودية، فهم أحيانًا يحكمون بقسوة، ويبدو أنهم لم يلاحظوا أن الدولة السعودية الحديثة هي دولة عمرها 84 عامًا فقط. في تلك الفترة الزمنية القصيرة، تحولنا من مملكة صحراوية إلى دولة حديثة وعالمية رائدة. نعم، لا يزال لدينا أمامنا الكثير في طريق التقدم، ولكن حاول النظر إلى المملكة العربية السعودية من منظور تجربتك الخاصة.

تأسست الولايات المتحدة في عام 1776م. ولم تتخلص من العبودية إلّا بعد ما يقرب من 90 عامًا، واستغرق الأمر أكثر من 140 عامًا قبل أن يتم منح النساء الحق في التصويت، ونحو 190 عامًا قبل أن تصبح الحقوق المدنية المتساوية هي قانون البلاد.

ما أريد قوله هو أن التقدم يستغرق وقتًا طويلًا، ونحن لا يمكن أن نتوقع أن يتبع تطور كل مجتمع نفس المسار. يجب أن تطور كل دولة في إطار تقاليدها وتراثها. والسؤال يجب أن يكون، هل تتحرك الدولة في الاتجاه الصحيح؟ وفيما يتعلق بالمملكة العربية السعودية، فإنَّ الجواب هو بوضوح، نعم.