العراق: كل الطرق لا تؤدي إلى الموصل


ميدل إيست بريفنج –

الولايات المتحدة وإيران في نفس الجانب، ربما للمرة الأولى، في الحلبة السياسية في بغداد كما هي عليه الآن. كلا القوتين لا تدعمان الإطاحة برئيس مجلس النواب سليم الجبوري. وقد انسحب الموالون لإيران في البرلمان من الاعتصام الذي يطالب باستقالة الجبوري. ويطالب النواب المعارضين بوضع حد لنظام المحاصصات الطائفية العرقية. ومع ذلك، فمن المحتمل أن يتحدوا لمنع إقامة نظام غير طائفي إذا أعطيت مناصب بارزة معينة في الحكومة إلى السُنة أو الأكراد.

والآن، يتوقف الأمر على التعليمات القادمة من طهران لعملائها بين السياسيين العراقيين لإجبار الجبوري على الاستقالة أو منع تصويت الأغلبية لعزله. وقال الكرد إنهم لن يدعموا خطوة التخلص من الجبوري. لكنَّ المعركة السياسية لا تزال مستمرة. وقد انسحبت كتلة الأحرار الموالية لمقتدى لصدر من الاعتصام كذلك.

طرح الرئيس العراقي، فؤاد معصوم، اقتراحه الخاص لإنهاء الأزمة. واقترح معصوم دورة جديدة للبرلمان يتم فيها إجراء تصويت جديد على مصير الجبوري. لكنَّ الموالين لإيران قالوا إنهم سيمتنعون عن التصويت أو سيرفضون التصويت لصالح الجبوري.

ومع ذلك، فإنَّ القضية المركزية ليست الجبوري، بل العبادي؛ إذ أن بقاء الجبوري في منصبه لن يغيّر أي شيء. العبادي هو الذي لديه القوة، على الأقل من الناحية النظرية، لقيادة البلاد إلى بر الأمان.

رئيس الوزراء العراقي محصور بين قوتين، واحدة تريد الإطاحة به وتعيين نوري المالكي أو أي من رجاله، والأخرى تريد الإطاحة بالعبادي كذلك، ولكن بسبب ضعفه وعدم قدرته على قيادة البلاد في المرحلة الحاسمة الحالية من تاريخها بعد حقبة صدام حسين.

جوهر الصراع السياسي في بغداد ليس له أي علاقة بالجبوري. في حين أنه من المقلق أن نرى احتدام المعركة في البرلمان في لحظة تستعد فيها قوى أخرى لتحرير المدن العراقية الواقعة تحت سيطرة تنظيم الدولة الإسلامية، يمكن تلخيص سبب المعركة السياسية في بغداد في نقطة واحدة: مَن ستكون القوة السياسية الشيعية المهيمنة في السنوات الخمس المقبلة.

المجموعات الثلاث التي تقود حاليًا موجة سياسة القوة البرلمانية هي حزب الدعوة بقيادة نوري المالكي (والعبادي)، المجلس الأعلى بقيادة عمار الحكيم وكتلة الأحرار بقيادة مقتدى الصدر.

إيران لا تقف بالضرورة مع أيٍ من المجموعات الثلاث، لكنها تقوم بتمرير المعركة السياسية بين الشيعة عبر الميليشيات المسلّحة التي تعمل تحت قيادة الحرس الثوري الإيراني. في وقت سابق من الأسبوع الماضي، دعت الميليشيات لاحتجاج في بغداد وكان العرض مؤثرًا. لقد كانت رسالة مفتوحة إلى جميع الأطراف المعنية لإخبارهم مَن له الكلمة الأخيرة في العراق.

الجبوري، وهو رجل سُني، لا يوجد لديه فصائل أو حتى كتائب في بغداد. تنبع قاعدة سلطته من المعادلة السياسية المدرجة في تصميم النظام السياسي الذي يمنح السُنة مقعد الرئيس في توزيع طائفي للمناصب السياسية الثلاثة. بعبارة أخرى، تستند قوة الجبوري إلى قطعة من الورق. ولا تعكس قطعة الورق هذه أي واقع على الأرض؛ فالسُنة ليس لديهم أي سلطة في بغداد الغارقة الآن في الطائفية.

ولكن عندما يسقط الجبوري، وهو أمر مستبعد، أغلب الظن أنَّ التالي سيكون العبادي نفسه. والسؤال هو: مَن سيطيح برئيس الوزراء؟ لأنه سيكون الجلاد الذي يمتلك الحق في القيام بدور صانع الملك إن لم يكن الملك نفسه.

إذا لم يوقف أي شيء كرة الثلج هذه، فإنها ستكبر كل يوم. لقد أصبحت اللهجة الطائفية من بعض الجماعات السياسية الشيعية أكثر حدّة لحظة أن أصبحت مربحة ماليًا. وليس هناك شيء يستطيع إيقاف هذه الكرة؛ فالأموال تتدفق ما دام الوضع “نحن” مقابل “هم” يتبلور في المعسكرات ويبني الولاءات التي تجلب المال كذلك. رئيس الوزراء الحالي ضعيف للغاية، والنخبة السياسية السُنية متورطة في اللعبة، والمجتمع المدني غارق في التحريض الطائفي للضغط عليه حتى يبقى سلبيًا كما هو.

القوى الأجنبية وحدها هي التي يمكن أن تؤثر على الوضع الحالي في بغداد. في هذه الحالة، وحتى ظهور لاعب جديد، سواء كان الاحتجاجات الشعبية، أو السيستاني أو أي طرف آخر، سيكون من الصعب الوصول إلى حل. ولكن ثمة شيء واضح وهو أن الأزمة لا يمكن أن تُترك على نار هادئة لفترة طويلة.

والسبب هو أنَّ هناك معركة كبرى يجري إعدادها شمالي العاصمة العراقية: معركة لهزيمة داعش، وخاصة في الموصل. إنَّ معركة الموصل ستكون معركة دموية وطويلة، وتحتاج إلى 50 ألف من الرجال المدربين تدريبًا جيدًا والمسلّحين بشكل جيد. التقارير الواردة من الموصل هي أنَّ السكّان هناك (نحو 1.5 مليون دولار) يعارضون بأغلبية ساحقة تحريرهم من قِبل الميليشيات الشيعية؛ لأنَّ ذكريات المجازر الانتقامية ضد السُنة في المدن المحررة من قِبل الميليشيات مازالت حاضرة في أذهانهم.

ويتلخص التحدي الذي يواجه القوات الأمريكية النشطة حاليًا في العراق في نقطتين:

أولًا، من المهم تحقيق النصر في الموصل لأنها نقطة تحول من الناحية النفسية في الحرب ضد تنظيم الدولة الإسلامية وأيديولوجيته. لكن تنظيم الدولة الإسلامية ومؤيديه يفكرون بشكل طبيعي في الاتجاه المعاكس؛ فهم يركزون على كيفية تحويل خسارتهم في الموصل إلى هزيمة للمحرَرين ودعوة للمسلمين للدفاع عن الخلافة. ولذا، سيركزون بشكل عفوي على الضحايا المدنيين لتحويل هزيمتهم في الموصل إلى انتصار دعائي.

لكن المعركة، بحكم طبيعتها، يمكن أن تسفر عن أعداد كبيرة من الضحايا. والتحدي هنا هو كيفية تمثيل أن ضحايا القتال جرّاء همجية داعش وليس كضحايا لمحرري الموصل. وبعبارة أخرى، لا ينبغي أن نعتبر معركة الموصل مجرد معركة عسكرية. من المهم التحضير للتأثير على الرأي العام، ليس فقط في العراق، ولكن خارج حدوده. ربما يحوّل تنظيم داعش الهزيمة العسكرية إلى نصر أخلاقي وأيديولوجي.

صور الضحايا العراقيين المشوهين، وقصص “المقاومة البطولية” لمقاتلي داعش، ودعوات التضامن مع سُنة العراق ضد “الغزو” الشيعي-الأمريكي لأرض الخلافة، كلها أمور متوقعة داعش. ولذا، يجب التركيز على وحدة السُنة الذين يقاتلون لتحرير الموصل كجزء من إعداد كيف سيتم تقديم المعركة إلى الجمهور والسُنة في كل مكان.

ثانيًا، تسريع معركة الموصل لأي حسابات سياسية في واشنطن أو في أي مكان آخر سيكون خطئًا مكلّفًا للغاية من حيث الخسائر البشرية وفيما يتعلق بعواقب الأثر المعنوي والنفسي للمعركة. وبالرغم من أنَّ المعركة ستكون طويلة، ينبغي أن يكون التقدم واضحًا وثابتًا. لكنَّ المعضلة هي أنّه: كلما طالت المعركة، ازداد عمق الأثر السلبي على السُنة. وهذا هو السبب في أنه يجب تقديم كل خطوة في الطريق إلى الموصل بطريقة مدروسة.

لقد حفر تنظيم داعش شبكة معقدة من الطرق تحت الأرض في أجزاء معينة من المدينة. مقاتلو التنظيم مستعدون للموت. من المهم التفكير في رمزية قتالهم، بحسب اعتقادهم، واعتقاد جزء من بقية المسلمين. وهذا قد يجعل المعركة أكثر قوة عسكريًا وسياسيًا. وينبغي على القوات الأمريكية أن تقصر من فترة المعركة ولكن طبيعة المعركة في حد ذاتها تجعل هذه المهمة أكثر صعوبة. ويجب التفكير كذلك في بعض التحضيرات من أجل تأطير المعركة في عرض تقديمي ملائم لضمان ليس فقط استمرارها حتى إنجاز المهمة، ولكن أيضًا لصد محاولات داعش لتحويل المعركة إلى انتصار معنوي حتى لو كانت هزيمة عسكرية.