جهاد رنتيسي يكتب: مفردات الأزمة السورية



جهاد الرنتيسي

بدءاً من “المحاصصة الطائفية” وانتهاء بـ “التفسخ السريع” مروراً بـ”البند السابع”، تحمل مفردات خطاب الاطراف الدولية الفاعلة في الأزمة السورية قدراً كبيراً من دلالات ما وصلت إليه تطورات الاحداث، وربما مسارها المفتوح على المجهول.

لعل أول ما تدلل عليه مثل هذه المفردات ومترادفاتها مما تردد على ألسنة المسؤولين الغربيين والشرقيين خلال الأسبوعين الماضيين والتهمته محرقة الاعلام من أن الفشل المتراكم لجولات التفاوض يقود إلى متاهات التجريب.

وبين الدلالات التي يمكن التقاطها بسهولة ما يؤكد على أن تعارض المصالح الإقليمية وأجندات الصراع الدولي المثير للاجتهادات يساهم في الوصول إلى وضع سيناريوهات وحلول كانت مستبعدة من الحسابات حتى وقت قريب.

ولا يخلو الامر من إيحاءات بأن المناخات التي يوفرها تجذر العصبيات السنية والعلوية والكردية المصاحبة للمعارك وإخفاقات المفاوضات وصفة مثالية لاستمرار الصراع وإعادة إنتاج العداء بين مكونات الديموغرافيا السورية.

ويصاحب حالة التجذر هذه انتقال المعارضة السورية المتأخر من العتب الساذج على الغرب والشرق ودول الإقليم الى المراجعة، وان كان ينقص هذه النقلة الاعتراف بأن تظاهرات المطالبة بالحرية انتهت الى مقدمات احتراب عرقي وطائفي وباتت العودة الى مفاهيم المربع الاول ضرباً من المستحيل.

لكن المناخات التي تتيح استخدام المفردات الجديدة دون تردد أو خشية من ردود فعل رافضة، لا تسعف الخيال للتعامل مع المتداول باعتباره عتبات حلول تضع حداً لحوارات الطرشان بين الاطراف المعنية بالأزمة وتنهي دوامات العنف .

بين محددات الخيال في الحالة السورية ما انتهت إليه تجارب التفسخ والمحاصصة السياسية في المنطقة منذ القرن الفائت حتى التطورات الاقليمية المصاحبة للإعلان المعارضة السورية انسحابها من مفاوضات جنيف. ففي تاريخها الحديث قسمت سوريا إلى دويلات عدة على أساس طائفي إلا أن التقسيم لم يستمر طويلاً لافتقاد المقسم القدرة على البقاء، مما يعني أن أية عملية تقسيم مفترضة لن تمنع كيانات مأزومة من مواصلة حروبها الطائفية والعرقية، وتجارب المحاصصة الطائفية في المنطقة لم تكن أفضل حالاً حيث مر لبنان بسلسة من الحروب على مدى العقود الماضية وبقي في دائرة التجاذبات الطائفية بدلاً من التحول إلى نموذج للتعايش والتعددية. وبعد تخلصه من ديكتاتوره، دخل العراق ماراثون العنف والفرز الطائفي.

هذه الأسباب وغيرها تكفي لتعرية المفردات الجديدة من عامل إدهاش المتلقي وإطلاق افتراضات أقرب إلى مجرى الأحداث تضع في الإعتبار تحول الاطراف الدولية والاقليمية الى إدارة الازمة بدلاً من حلها لتمتد عقوداً، وبعض ملامحها “الطحن اليومي” و”الاقتلاع” و”التهجير” وفق أجندات طائفية وعرقية. ولا شك في أن إفرازات أزمة طويلة من هذا النوع لن تبقى مقتصرة على الجغرافيا السورية

المصدر: 24

أخبار سوريا ميكرو سيريا