تقديرات: التيار الصدري في طريقه إلى قيادة العراق


تحاول الأطراف السياسية العراقية المتنافسة على السلطات والموارد توظيف خطابها الإعلامي في اتجاه التحذير من أن المزيد من الخلافات السياسية من شأنها عرقلة المساعي المبذولة للقضاء على تنظيم الدولة الإسلامية، وهي وجهة نظر تتبناها الشريحة الأوسع من الكتل السياسية في مجلس النواب والحكومة.

لم يعد أمرا منطقيا ما تتبناه الكتل السياسية من بث إشارات ترمي إلى التخويف من استفادة تنظيم “الدولة” من الأزمة السياسية الراهنة طالما لم تبلغ مرحلة الفوضى بعد.

الأزمة السياسية في حقيقتها صراع على النفوذ السياسي الذي هو بوابة الولوج إلى الاستحواذ على الموارد، وهو بالتالي صراع يخفي تلك الأهداف في وقت يحمل يافطة القضاء على الفساد واجتثاث المفسدين كما يدعو زعيم التيار الصدري، مقتدى الصدر، الذي تظاهر مع حشد من أتباعه وسط العاصمة العراقية بغداد، قبل أن ينتقلوا إلى بوابات المنطقة الخضراء، مركز الحكم في العراق، بكامل أسلحتهم في رسالة غير مباشرة للكتل أو الشخصيات المستهدفة بأولويات التغيير المرتقب.

من بين أكثر الشخصيات التي أثارت، وتثير، جدلا في الوسط السياسي العراقي، زعيم التيار الصدري، مقتدى الصدر، الذي دأب على إطلاق تهديدات متكررة باقتحام المنطقة الخضراء التي تضم مقار الوزارات ومجلس النواب والسفارات والبعثات الدبلوماسية للضغط على رئيس الوزراء لإجراء تغييرات شاملة في التشكيلة الوزارية القائمة على المحاصصة الطائفية واستبدالها بحكومة تكنوقراط تتكفل بالقضاء على الفساد الذي ينخر بنية مؤسسات الدولة في مستوياتها العليا والدنيا.

ومع إعلان رئيس الوزراء التشكيلة الوزارية الجديدة، فشل مجلس النواب العراقي حتى اليوم في التوافق على منح الثقة أو حجبها بسبب الخلافات الحادة بين الكتل السياسية التي تفتقر إلى أساليب الحوار الناجح في الوصول إلى حلول وسط ترضي جميع الفرقاء، ما دفع برئيس الوزراء إلى استبعاد بعض الشخصيات واستبدالهم بشخصيات أخرى من الكتل السياسية المتنفذة في عودة أخرى إلى مربع الفساد الأول والمحاصصة الطائفية بوجوه جديدة، كما رأت بعض الكتل التي أثارت احتجاجات واسعة تحت قبة البرلمان، وفي مقدمتها كتلة الأحرار، التي وجدت في ذلك خروجا على اتفاق تشكيل حكومة تكنوقراط من خارج الكتل السياسية.

وعلى ما يبدو، لم تعد أزمة تشكيل الحكومة في مقدمة الأزمات التي تشهدها الساحة السياسية، وليست الوحيدة بعد اعتصام عشرات النواب في قاعة البرلمان في 13 وإقالة رئيسه، سليم الجبوري، ونائبيه الخميس 21 ابريل بإجماع نادرا ما يحصل.

هذه الخطوة اعترتها “أخطاء دستورية وقانونية”، كما جاء في تصريحات منسوبة لرئيس البرلمان المقال، وهي “عملية غير شرعية” من وجهة نظر قائمة “متحدون”، التي يرأسها أسامة النجيفي نائب رئيس الجمهورية فؤاد معصوم، الذي رفض معظم النواب دعوته إلى “عقد جلسة استثنائية يترأسها أحد أعضاء مجلس النواب” لإفساح المجال أمام رئيس المجلس لتوضيح وجهة نظره قبل طرح أمر إقالته للتصويت.

في كل الأحوال، يمكن القول إن تحالف القوى الذي يمثل نواب المحافظات السُنّية فشل في الحفاظ على رئيس مجلس النواب بصفته الشخصية الأبرز التي تمثل سُنّة العراق في قيادة البلد وفق أسس المحاصصات الطائفية والعرقية، ويؤكد أداء هذه الكتلة من النواب على غياب روح الفريق الواحد والانسجام والتوافق على تبني سياسة مشتركة تسعى لتحقيق أهداف محددة دخلت على أساسها في التـشــكـيلة الوزارية الأولى لرئيس الــــوزراء، والتي جاءت بعد تفاهمات أمريكية إيرانية من جهة وتفاهمات داخلية من جهة أخرى في سياق العمل المشترك على تحقيق ما جاء في “وثيقة الإصلاح السياسي” كشرط مسبق لقبول العرب السُنّة بالمشاركة في حكومة العبادي.

قرار إقالة رئيس مجلس النواب يعكس حقيقة الأجواء التي تسود علاقات الكتل السياسية داخل مجلس النواب الذي أرجأ التصويت على التشكيلة الوزارية التي قدمها رئيس الوزراء بعد قرار رئيس المجلس تعليق جلسة التصويت؛ وهو خلاف يمكن تجاوزه في أجواء من العلاقات السليمة التي تفتقر إليها الكتل السياسية نتيجة حداثة التجربة النيابية وقلة الخبرة السياسية، إضافة إلى واقع عدم قبول أي طرف يختلف مع الطرف الآخر قوميا أو طائفيا.

وكان رئيس الوزراء، حيدر العبادي، قد تقدم بلائحة ضمت 14 مرشحا لشغل مناصب وزارية بعد اتفاقه مع رؤساء الكتل السياسية على هذه اللائحة التي رفضها عدد كبير من النواب الذين طالبوا بالعودة إلى اللائحة السابقة التي ضمت 16 مرشحا من المستقلين والتكنوقراط قبل أن يتراجع عنها بضغط من بعض الكتل السياسية التي تفضل الإبقاء على نظام المحاصصة الذي أكسبها المزيد من النفوذ السياسي والمكاسب المادية.

التنافس بين الكتل السياسية يدفعها في معظم الأحيان إلى تبني مواقف تخدم توجهات ومصالح تلك الكتل حتى مع افتراض تعارضها مع المصالح العليا للبلاد؛ وتراهن عادة على جمهور الناخبين وكسب أصواتهم في الانتخابات التشريعية من خلال الدعاية الإعلامية التي تستحوذ على قدر كبير من التأثير في اتجاهات الرأي لدى الناخبين الذين يقعون أسرى لتلك الدعايات التي تصنع صورة معينة لهذه الكتلة أو تلك حتى لو كانت مغايرة لواقعها وحقيقتها.

أجواء التنافس على الصوت الانتخابي تدفع بعض الكتل السياسية إلى تبني سياسات ضارة بالمصالح العليا للبلاد طالما تؤدي في النتيجة إلى عدم السماح لفريق منافس بتحقيق نجاحات كفيلة بجذب الصوت الانتخابي.

ومن هذا المنطلق، عملت كتل سياسية منافسة للتيار الصدري على إثارة نوع من الاضطراب في مجلس النواب لإفشال التصويت على حكومة التكنوقراط التي سينظر إليها على أنها جاءت استجابة لرؤية التيار الصدري بما يعكس نوعا من الانتصار للتيار، الذي من المتوقع أن تكون لقراراته الأثر الأكبر في رسم مسار العملية السياسية في الفترة الزمنية الفاصلة عن الانتخابات التشريعية المقبلة، وبروز التيار كواجهة سياسية شيعية تتمتع بقاعدة جماهيرية، هي الأوسع، مستغلة المكانة الدينية التي يتمتع بها مقتدى الصدر بشكل تراتبي يعكسه الانتماء العائلي للمرجع الشيعي محمد محمد صادق الصدر بعد أن أعلن المرجع الشيعي علي السيستاني قبل أسابيع مضت اعتزال التدخل في الشأن السياسي، وهو الإعلان الذي أفقد حزب الدعوة والمجلس الإسلامي وغيرهما فرصة استغلال ورقة المرجعية الدينية التي قدمت الدعم لهما في الدورات الانتخابية السابقة.

وفي الوقت الذي بات فيه المرجع الشيعي علي السيستاني خارج دائرة التأثير في المشهد السياسي، فإن الولايات المتحدة اللاعب الأهم الآخر، اعتبرت ما يجري في العراق من توترات سياسية شأن داخلي يخص العراقيين وحدهم.

وهذان العاملان أكسبا التيار الصدري الزخم الكافي للمضي قدما في طريقه إلى قيادة البلد، خاصة وأنه يحظى بدعم إقليمي من قبل المملكة العربية السعودية التي يراهن سفيرها في بغداد، ثامر السبهان، على أن مقتدى الصدر هو الرجل الأول في حل الأزمات السياسية والمحافظة على وحدة الصف العراقي في موقف يعكس الرهان السعودي على تحجيم النفوذ الإيراني في العراق من خلال تقوية الشيعة العرب في العراق.

والتيار الصدري وزعيمه ماضون قدما في اتجاه الإطاحة بالرئاسات الثلاث، وهو ما يعتقده الكثير من المراقبين والسياسيين، فيما تشير قراءة سياسات التيار الصدري منذ ظهوره على المشهد السياسي إلى أنه تيار يفتقد إلى وضوح الرؤية في تحديد أهدافه التي يريد الوصول إليها، كما يفتقد الثبات على المواقف، حيث يتبنى موقفا معينا من مسألة ما، ثم ما يلبث أن يتراجع عنه ليتبنى موقفا جديدا قد يكون على النقيض من الموقف الأول.

ومع هذا، فإن كل الدلائل تشير إلى دور هو الأكبر للتيار الصدري في قيادة التغيير السياسي وقيادة البلد.