‘الإيكونوميست: في بورندي.. شبح اﻹبادة الجماعية ينتظر اﻹشارة’
26 أبريل، 2016
على الطريق الترابية غير الممهدة لـ”سيبيتوكي”، حي شمال بوجومبورا عاصمة بوروندي، الشرطة تطلب السكان بإضاءة المصابيح الكهربائية في الليل، وتفرض غرامة قدرها 50 ألف فرنك ( 25 دولار) على أولئك الذين لا يمتثلون.
ترك أضواء يسمح للضباط برؤية أفضل عندما يأتون للبحث عن المشتبه بهم، فمعظم الشباب في الحي فروا إلى الريف أو مناطق أخرى، واولئك الذين لازالوا هناك يحكون قصصا عن كيفية هروبهم من الاعتقال.
جاء ذلك في تقرير لمجلة “اﻹيكونوميست” البريطانية سلطت فيه الضوء على اﻷوضاع التي تعيشها رواندا عقب إعلان الرئيس الحالي رغبته في الترشح لولاية رئاسية ثالثة في مخالفة للدستور الذي يحدد فترة الرئاسة بمدتين فقط، هو ما صاعد التوتر بشدة وأثار مخاوف من تكرار اﻹبادة الجماعية التي وقعت عام 1994.
وقالت المجلة : بوروندي، البلد الصغير اﻷخضر الذي يسكنه 10 ملايين نسمة، وتحدها رواندا، وتنزانيا، والكونغو، أصبحت مكانا للخوف، في المدن، الناس يخشون الاختطاف والتعذيب والقتل، وفي الريف، يخشون الجوع مع إنهيار الاقتصاد.
وأضافت: حتى بين المسئولين رفيعي المستوى في الحكومة، هناك خوف مستمر من الاغتيال، إلا أن الخوف اﻷكبر من ذلك كله، أن تودي الخلافات السياسية إلى تجدد الصراعات بين الهوتو والتوتسي ويشعل مجازر جديدة مثل التي شهدتها رواندا عام 1994.
اﻷزمة بدأت في إبريل من العام الماضي، حينما أعلن الرئيس الحالي بيير نكورونزيزا -الذي يتولى الحكم منذ 2005- اعتزاهم الترشح لولاية رئاسية ثالثة، وجادل بأن هذه الخطوة تتفق مع الدستور، الذي حدد مدة حكم الرئيس بفترتين فقط، وأدعى نكورونزيزا أن فترة ولايته اﻷولى لا تحتسب، ﻷن البرلمان من عينه.
إعلان الرئيس نكورونزيزا أشعل الاحتجاجات في العديد من أحياء العاصمة بوجمبورا، وتبعها في مايو من العام الماضي محاولة انقلاب على الرئيس بقيادة رئيس المخابرات السابق ودعمها جنود من الهوتو.
الرئيس نكورونزيزا في ذلك العام فاز في الانتخابات بفارق كبير عن منافسه، لكن المعارضة ومعظمها من الهوتو لم تتوقف، وفي 11 ديسمبر من العام الماضي أندلع قتال شوارع بين المعارضة المسلحة للرئيس وأنصاره، وهاجمت المعارضة ثكنة عسكرية، وبعد ذلك اقتحمت القوات الحكومية أحياء بوجومبورا التي تعتقد أنها تدعم المتمردين، مما أسفر عن مقتل العديد من اﻷشخاص، وتم دفنهم في مقابر جماعية.
ورغم عدم تكرار الاشتباكات المسلحة، إلا أن السلام المنشود بعيد المنال، وبدلا من الحرب تعتمد الحكومة على استراتيجية للقضاء على المعارضة باستخدام تكنولوجيا المعلومات والاتصالات.
وقال أحد الشباب في حي سيبيتوكييه الذي هرب من الاعتقال قبل شهر:” عندما تأتي الشرطة حاليا، فهم يعرفون بالتحديد عمن يبحثون”.
ومما لا يبشر بالخير، هناك أدلة متزايدة على أن الحملة التي تشنها الحكومة حاليا على المعارضة تستهدف اﻷشخاص بسبب إنتمائهم العرقي، وإنتمائهم السياسي أيضا.
وبالتأكيد هناك الكثير من رجال الهوتو تم القبض عليهم، لكن اﻷحياء المستهدفة بشدة في بوجمبورا من القوة الأمنية هي التوتسي، فالتوتسي يتم تهميشهم من المؤسسات الحكومية.
وفي 15 أبريل أعلنت الحكومة أن ما يقرب من 700 جندي من الذين خدموا في الجيش عندما كانت المؤسسة كلها من التوتسي، تم تسريحهم، مما دفع دبلوماسي غربي للقول “تقاعد التوتسي ليس بسبب اﻹبادة الجماعية.. ولكنه علامة”.
والأسوأ من ذلك، بعض السياسيين يستخدمون نفس اللغة والمصطلحات التي استخدمت خلال الإبادة الجماعية في رواندا عام 1994، حيث تحدث “ريفيريان نديكوريون” رئيس مجلس الشيوخ عن “رش الصراصير” بوابل من الرصاص، في إشارة لنفس المصطلحات التي كانت تستخدم خلال الإبادة الجماعية عام 1994، كما أن هناك شائعات تتحدث عن تواصل الحكومة مع الجماعات المرتبطة بقتل الهوتو الذين فروا من رواندوا للكونغو بعد اﻹبادة الجماعية، بحسب الصحيفة.
وبالنسبة للمشكلة اﻷكثر إلحاحا، هو أن الناس بدأت تجوع، إنعدام اﻷمن أغرق الاقتصاد في حالة من الفوضى، حيث تقلص الناتج المحلي بنسبة 7٪ عام 2015، فالناس لا تستطيع التحرك بسبب انتشار حواجز الشرطة، والخوف من الاعتقال، وفي العاصمة، الناس التي تخشى الاعتقال أصبحوا جوعا، وفي بعض الأحياء بلغ سعر اﻷرز ثلاثة أضعافه.
اﻷزمة الاقتصادية من المرجح أن تزاد سواء، ففي مارس الماضي أعلن الاتحاد اﻷوروبي أنه لن يعطي أي أموال للحكومة البورندية لرفضها المضي قدما بشكل جدي في محادثات السلام.
وتأثير تلك الضغوط لمنع السقوط في العنف صعبة معرفتها، فالحكومة قامت بإعادة توجيه الإنفاق من البرامج الاجتماعية، للجيش، الرئيس يظهر نكورونزيزا القليل من الاهتمام بالمحادثات.
ويبدو أن الحكومة لديها استراتيجية قائمة على سحق المعارضة، وتجاهل الجهات المانحة حتى تتعب من الشكوى، للأسف، فإن وجود فكرة بديلة للعقوبات الدولية مازال بعيدا، حتى أن اقتراح الاتحاد الافريقي في يناير الماضي إرسال 5000 جندي من قوات حفظ السلام هناك رفضه الرئيس نكورونزيزا، والأزمة تزداد سوءا.