الشيخ حمد بن جبر: هكذا وقع التنافس السعودي القطري في سوريا


نستعرض في هذا المقال أهم ما ورد في مقال رولا خلف، ئائب رئيس تحرير صحيفة فاينانشيال تايمز، والمستند إلى مقابلةأجرتها الصحيفة مع الشيخ «حمد بن جبر» رئيس الوزراء القطري الأسبق وترجمتها كاملة مؤسسة إدراك للاستشارات، والتي تناول خلالها مجموعة من القضايا الشائكة أهمها دور بلاده في سوريا، ونظرتها إلى دول المنطقة وعلى وجه الخصوص المملكة العربية السعودية وإيران.

تبدأ الصحيفة مقالها بالإشارة إلى الشيخ «حمد بن جبر آل ثاني»، أحد أغنى رجال قطر والعالم، والذي شارك في شراء حصص في هايد بارك، ومحلات هاوردز، وتشيلسي باركرز، ورصيف الكناري، وبورصة لندن، وغيرها الكثير. والذي استقال من منصبه رئيسًا لوزراء قطر ضمن صفقة تنازل فيها الأمير «حمد بن خليفة آل ثاني» عن الحكم لصالح ابنه «تميم».

وأشارت الصحيفة أن الشيخ «حمد» لم يكن برئيس الوزراء التقليدي أو النمطي. حيث عمل وزيرًا للخارجية في الحكومة عقودًا وهو المنصب نفسه الذي احتفظ به عندما كان رئيسًا للوزراء. كما كان يتحكم أيضًا بقوة وعضلات الدولة المالية، فقد كان يرأس إدارة قطر للاستثمار بميزانية تصل إلى 250 مليار دولار، وصندوق الثروة السيادية في قطر.

وأشارت الصحيفة إلى ورود اسم رئيس الوزراء القطري في وثائق بنما المسربة والتي كشفت وجود شركة خارجية تعمل على إدارة يخوته الفاخرة الراسية في مايوركا الإسبانية، والتي تقدر قيمتها بـ300 مليون دولار. كما تشير وسائل الإعلام إليه باعتبارها ملك عقارات لندن الحقيقي، وهو ما عقب عليه بالقول: «لست متأكدًا، ربما كان هناك بعض الضوضاء لكن الشرق الأوسط مليء بالمؤامرات والناس هناك يحبون المبالغة في بعض الأحيان».

وقد عقب الشيخ «حمد» عندما سألته الصحيفة عن رأيه في مقال عقيدة أوباما الذي نشر في صحيفة ذي أتلانتيك، وأثار جدلًا واسعًا، بالقول إنه قال أن على الجميع أن يشكر «أوباما»، مضيفًا: «بصراحة، أنا أشعر بالإحباط أيضًا ولا ألوم أوباما» وتابع: «نحن العرب لم نثبت أننا حليف يمكن الاعتماد عليه. يجب أن نحظى بعلاقات ممتازة مع الولايات المتحدة، ولكن الولايات المتحدة لن تأتي إلى المنطقة كما كان من قبل».

وهذا لا يعني أنه لا يشارك الآخرين أسفهم على ما يحدث في الشرق الأوسط، وفقًا للصحيفة، فقد قال:«لم يكن هناك توازن في العلاقة بين الولايات المتحدة ودول الخليج. فدول الخليج، بقيادة السعودية، سيطرت على أسعار النفط لأكثر من 30 عامًا، لكن ماذا ربحنا في المقابل؟ عندما تنخفض أسعار النفط أكثر من اللازم يقول لنا الغرب سيطروا على الأسعار وعندما تعود الأسعار وترتفع، تبدأ تلك الدول بالصراخ، ويقولون لا يمكنكم أن تفعلوا هذا».

حول سوريا

وبالحديث حول الرئيس الروسي فلاديمير بوتين والتدخل الروسي في سوريا، يقول الشيخ «حمد» عن ذلك: «بالنسبة لموسكو فهذه لعبة» ويضيف مفسرًا:«الروس يريدون إثبات شيء في المنطقة وقد نجحوا في ذلك، فلقد أثبتوا للجميع أنه يجب أن يعتمدوا عليهم ولا تعتمدوا على أمريكا»، والواقع أننا في حاجة للاعتماد على أنفسنا أولًا قبل أن نعتمد على أمريكا أو روسيا.

تؤكد الصحيفة أن الحديث عن الاعتماد على الذات في الشرق الأوسط يحظى بشعبية كبيرة في الشرق الأوسط هذه الأيام. ولكن حينما يوضع القول موضع التنفيذ، يمكن أن تكون العواقب وخيمة. كان هذا واضحًا جدًا في سوريا؛ فعندما سمحت الولايات المتحدة للسعودية وقطر بدعم المتمردين، تدفقت الأسلحة والأموال للمتمردين، ولكن مع عدم وجود إستراتيجية واضحة أو اتجاه جامع، تم تقويض المشروع بأكلمه نتيجة المشاحنات والمنافسات بين الدولتين الخليجيتين.

ترتبط السياسة الخليجية في سوريا كثيرًا بالشيخ «حمد»، والذي كان كثيرًا ما ينظر إليه على أنه يتطلع لمنافسة قطر للسعودية، جارة الدوحة القوية والكبيرة. وقد أشارت الصحيفة عن قيامها بسؤال الشيخ «حمد» عما إذا كان يتحمل بعض المسؤولية عن الهزيمة في سوريا فأجاب: «سأقول لكم شيئًا واحدًا، وربما أقوله لأول مرة: عندما بدأنا في التورط بسوريا (بحلول 2012) كان لدينا الضوء الأخضر بأن بإمكان قطر قيادة الأمر هناك وذلك لأن السعودية لم تكن تريد القيادة في ذلك الوقت. بعد ذلك، حصل تغير في السياسة السعودية لم يتم إعلامنا به، وهو أنهم أرادونا في المقعد الخلفي من القيادة، لذا انتهى الأمر كتنافس بيننا وبين السعودية وهو ما لم يكن صحيًا أبدًا».

وحول ليبيا، حيث تقوم كل من قطر والإمارات بدعم الأطراف المتصارعة هناك منذ زوال نظام «القذافي» عام 2011، يعترف الشيخ «حمد» بأن ليبيا «كان بها الكثير من الطباخين في نهاية المطاف، وهو ما أفسد الأمر هناك».

وفيما يتعلق بالصراع السعودي الإيراني، فقد أشار إلى أن العرب يحاولون اللحاق بإيران حيث قال: «يجب أن أعترف بشيء واحد؛ إنهم، أي الإيرانيين، أكثر ذكاءً منا، وأكثر صبرًا من الولايات المتحدة، وهم أفضل مفاوض. انظري كم استمرت مفاوضتهم مع القوى العظمى. هل تظنين أن دولة عربية ستفاوض لفترة طويلة».

الصفقات التجارية

تنتقل الصحيفة للحديث حول الصفقات التجارية التي أشرف عليها رئيس الوزراء القطري الأسبق. وفي حديثه عن الاستثمارات القطرية في شركة فوكس فاجن، وأثر الفضيحة الأخيرة على الاستثمارات القطرية قال : «إننا نشعر بالقلق كمساهمين» ولكنه أقر: «هذا هو السوق، أحيانًا نتقدم وأحيانًا أخرى نتراجع».

وتعقب بالقول إن الأموال التي تستثمرها قطر في فوكس فاجن ليست أمواله الخاصة، مشيرة إلى قصة بنك دويتشه حيث أصبحت العائلة القطرية ثاني أكبر مستثمر في البنك الألماني مع حلول عام 2014. لكن أسهم البنك انخفضت بنسبة 50% خلال العام الماضي. يقول الشيخ «حمد»: «نملك رؤية طويلة الأمد ولدينا إيمان قوي بأن بنك دوتشيه سيعود قويًا كما كان سابقًا» ويضيف: «إنه اقتصاد قوي ونحن مستثمرون على المدى الطويل».

ويضيف أيضًا: «لا تحكموا على الاستثمارات القطرية عبر عناوين الأخبار الرئيسية تلك، فالكثير ممن لم تسمعوا عنهم أبدًا يؤدون بشكل ممتاز، ومع ذلك فإن هذا الوقت ليس جيدًا للاستثمار بل يناسب الدراسة والانتظار».

وتشير الصحيفة أيضًا إلى الوديعة النقدية في مركز باركليز للطوارئ بقيمة 7.3 مليار دولار. حيث منح المستثمرون القطريون ميزات كثيرة منها رسوم مخفضة وتأمين مجاني، بالإضافة إلى حصصهم السوقية. وتجري الآن تحقيقات تنظيمية من قبل السلطات المسؤولة في بريطانيا على الرغم من أنه ليس هناك ما يشير إلى تورط الشيخ «حمد» أو قطر بأي تعاملات غير قانونية. بالرغم من وجود دعاوى قضائية تشير إلى أن باركليز دفعت للمستثمرين القطريين (عائلة الشيخ حمد منهم) ما يصل إلى 346 مليون جنيه إسترليني في إطار سري، لتأمين مشاركتهم في جمع التبرعات الطارئة للبنك. رفض الشيخ «حمد» التعليق على الصفقة مُصرًّا على أن جهاز قطر للاستثمار «فعل كل شيء ضمن طريقة صحيحة وقانونية دون أدنى مخالفة».

وعن ما إذا كان يأسف للاستثمار أجاب الشيخ «حمد» بالنفي مشيرًا :«أعتقد أنه كان استثمارًا جيدًا، لكن الإزعاج والإرباك حوله يؤسفني، كنا نظن أننا قد ساعدنا الاقتصاد البريطاني في فترة سيئة ونستحق الشكر على ذلك». وأشار الشيخ «حمد» إلى سخرية الناس منه حين دفع قطر لاستثمار ما يصل إلى 20 مليار جنيه إسترليني في بريطانيا عام 2008، لكنه ضحك في وجهي وأشار إلى أن تلك الاستثمارات بلغت الآن حوالي 30 مليار جنيه.

وتشير الصحيفة أن الشيخ «حمد» لا يزال  يملك علاقة جيدة مع أمير قطر السابق الشيخ «حمد بن خليفة»، وغالبًا ما يسافران سويًا، إلا أنه يحرص على البقاء بعيدًا عن الأضواء. ومنذ تنازل والده عن السلطة سعى الأمير «تميم» إلى إعادة تشكيل الحكومة وتفكيك هياكل السلطة التي تركها رئيس الوزراء السابق.

وتؤكد الصحيفة أنه في عهد الشيخ «حمد بن جبر»، برعت قطر بوصفها وسيطًا في الأزمات، ولكن يؤخذ عليه إيقاعها في بعض الأزمات. حيث أخذت فجأة بتوسيع نفوذها في الدول العربية وخاصة المضطربة منها، بما في ذلك مصر وسوريا وليبيا إبان اندلاع أحداث الربيع العربي.

وتشير الصحيفة إلى حدوث تضارب في مصالح الحكومة الجديدة مع السابقة، خاصة مع إنشاء الحكومة السابقة لإمبراطورية مالية مترامية الأطراف، وهو ما تسبب على سبيل المثال بإنهاء وصاية الشيخ حمد على جهاز قطر للاستثمار، بعد رحيل رجله هناك أحمد السيد عن رئاسته. وفي تعليقه على التضاربات هذه أشار الشيخ «حمد» إلى أن المقاربة هنا مختلفة، فربما عندما كنا في الحكم كنا نخلق الغيرة لدى الآخرين والكثير من الأعداء… لكني كنت جنديًا في الحكومة والقيام بالأشياء الضرورية واللازمة لقطر كان واضحًا سواء على الجانب الاقتصادي أو السياسي.