‘داود البصري يكتب: إيقونة الثورة السورية طل الملوحي’

26 نيسان (أبريل - أفريل)، 2016
6 minutes

داود البصري يكتب: إيقونة الثورة السورية طل الملوحي – مدار اليوم آخر الأخبار

داود البصري

في إرهاصات ثورة الشعب السوري الكبرى المستعرة منذ خمسة أعوام ونيف رموز شاخصة ومناضلة مهدت الطريق لانتفاضة الشعب ولإشعال شرارة الثورة التي بينت أمام العالم الحجم الرهيب لنظام العمالة والإجرام والرعب السوري المسنود من شياطين الدنيا، والمدعوم من مافيا الدولية ومن كل سقط متاع الأرض.
وحينما اندلعت الثورة السورية الكبرى في الثامن عشر من مارس 2011، فإنها لم تنطلق من العدم، ولم تكن عبثا خارج عن الحسابات والسياقات والتفاعلات التاريخية والمجتمعية والسياسية، بل كانت نتيجة حتمية لظلم تاريخي تفشى، ولممارسات نظام إرهابي استخباري لم يقدم للشعب السوري سوى القمع وأجهزة المخابرات الفاشية، والتوريث السلطوي البائس لجمهوريات الوراثة العربية المقدسة، وهو التوريث البائس الذي حول شام العروبة والإسلام لملعب للغلمان الممتهنين لكرامة الشعب السوري وسرقة مقدراته، لقد كانت القبضة الأمنية الظالمة لأجهزة المخابرات السورية المرقمة والمشفرة والفاتحة أفواهها لتدمير الشباب السوري من العوامل الرئيسة في إذكاء نار الثورة الشعبية التي كانت فعلا نضاليا شعبيا شامخا، ومن أهم مفاجآت الربيع العربي. لقد أعلن الشعب السوري ثورته المستعرة بدءا من انتفاضة أهل درعا بعد جريمة فرع المخابرات السورية هناك والعميد عاطف نجيب بتعذيب أطفال درعا بشكل فاشي بشع، ما فضح النظام المتهالك الذي أضحت ممارساته الفاشية وأسلوبه الفظ يشكلان تحديا لإرادة السوريين الأحرار الذين رفعوا راية الثورة في مواجهة الظلم والعدوان والاستهتار بدماء الناس.
نظام كاذب لم يستطع الاستمرار في أكاذيبه حول ديمقراطيته وشفافيته ونزعته الإصلاحية المزعومة وظل متمترسا خلف أساليبه الإرهابية المعروفة والشاخصة في ترويع الناس وتوزيع اتهامات العمالة والجاسوسية ضد كل عقل يفكر ولسان ينطق بالحق ويفضح الجرائم والانتهاكات الإرهابية البشعة لسلطة أدمنت سياسة توزيع الموت على الجميع.
لقد كان لجيل المعارضين الشباب دور توعوي ستراتيجي في إعداد وتهيئة الساحة السورية للعمل الشعبي الثوري، وفي تمهيد الأجواء داخليا وخارجيا لانطلاقة وإشعال الثورة الشعبية الشاملة، وقد كان لي شخصيا شرف الاهتمام والمتابعة لتطور نشاطات المعارضين السوريين، والتركيز عليها وإبرازها إعلاميا ومنها معاناة أهل ربيع دمشق الذين تعرضوا للملاحقة والسجن وحتى تكسير الأصابع كما فعلوا مع المناضل الصديق الفنان الكبير علي فرزات، ثم جاء دور التعدي على البراعم الشبابية، ومنها الشابة السورية المناضلة طل دوسر الملوحي وهي من مواليد نوفمبر 1991 أي من الجيل الذي ولد وتربى وعاش في ظل دولة ونظام وجمهورية آل الأسد، وتمرد على التلقين الايديولوجي السخيف، وبحث عن مفردة الحرية المقدسة ليعانقها ويدفع الثمن الغالي لاستحقاقاتها، فدولة الظلم الأسدية بكل هيلمانها وفروعها الاستخبارية ومؤسساتها القمعية العسكرية والأمنية كانت قد ارتعدت فرائصها من تدوينات وملاحظات وانتقادات الآنسة طل الملوحي وكان عمرها 18 ربيعا فقط لاغير، وأتذكر أنني كتبت مقالا قبل اندلاع الثورة وتحديدا في خريف 2010 انتقدت فيه رعب النظام السوري الذي زعزعت أركانه طفلة سورية صغيرة وجريئة، وحيث تعرضت للاعتقال والتعذيب والمعاناة والمحاكمة في سجون ومحاكم أمن الدولة ثم إصدار حكم قراقوشي إرهابي عليها بالسجن لخمسة أعوام انتهت منذ عامين تقريبا ولم يتم الإفراج عنها حتى اليوم إذ لا تزال مقيمة في (سجن عذرا للنساء)!، تصوروا مدونة وإعلامية شابة وبريئة تتعرض لكل هذا الكم الهائل من الحقد والتعذيب والمحاكمات التافهة الساقطة، وهي حملت أمانة الكلمة ووضوح الرأي الحر فقط لاغير ولم تحمل السلاح، فكيف يكون حال التعامل مع من يحمل السلاح ويقاوم الفاشية العمياء الحاقدة؟ ويتحاور مع النظام الإرهابي باللغة الوحيدة التي يفهمها وهي لغة القوة، وهو ما يفعله أحرار الشام منذ خمسة أعوام وحيث يسطرون ملاحم بطولية رائعة بعد أن توسع إطار المواجهة على مستوى كوني ليشمل حلفاء النظام من العصابات الطائفية الإقليمية أو من الدول كروسيا المافيوزية وإيران التي تدافع عن مصالحها المتمددة حتى سواحل البحر المتوسط؟.
لقد كانت الأسيرة البطلة طل الملوحي وأجيال وأسماء أخرى من الشباب السوري المناضل الوقود الحقيقي لإشعال نيران الثورة والقاعدة الفكرية والمبدئية المؤسسة لثورة شعبية انطلقت وفق أهداف واضحة لا تقبل القسمة ولا التجزئة ولا تلقي بالا للوهن والضعف مهما بلغت قوة التحدي وحجم المعاناة، فديمومة الثورة ستكتسح في النهاية كل معاقل الطغيان وإنها الحتمية التاريخية التي لا راد لقضائها في انهيار الطغاة، فالدم يبقى أقوى من السيف مهما تفرعن الطغاة.. فدمشق لا تطلق روائح الياسمين فقط بل تشعل نيران الثورة المتأججة والمستمرة حتى النصر بعون الله.
لقد كان لطل الملوحي شرف الريادة في إشعال موجات الغضب، ففي البدء كانت الكلمة التي أرعبت الطغاة ودوختهم وأدخلتهم في نوبات حقد مسعورة، ستظل طل الملوحي بكل عنفوانها ورغم عذاب السنين وسياط الجلادين أمثولة تاريخية، ورمزا تحرريا سيخلده تاريخ الحرية في الشرق القديم. لقد اهتز النظام القمعي لتدوينات طفلة شابة باحثة عن حرية شعبها، وستقتلع أيادي أحرار الشعب ذلك النظام القاتل من الجذور، وستبقى الشام العظيمة الحاضنة الحرة لقوى الحرية والسلام، والطاردة لمغول العصر القتلة، فسلاما لطل الملوحي وهي في محنة السجن الغاشم… فسلاما سلاما.. لقد اقترب فجر التحرير.. وما النصر إلا من عند الله.

المصدر: السياسية

شارك :

مقالات مشابهة

x
‎قد يُعجبك أيضاً

غسان الامام في القمة السعودية ­ الأميركية، وفي القمة الخليجية ­ الأميركية، …

أخبار سوريا ميكرو سيريا