‘د.جيمس الزغبي يكتب: درس أميركي لأوروبا’
26 أبريل، 2016
د.جيمس الزغبي
يبدو من الواضح ان بريطانيا تعاني من مشكلة مع معاداة السامية والاسلاموفوبيا وعدم التسامح مع المهاجرين الجدد. وفي محاولة لسبر أغوار مجموعة المخاوف هذه، عقدت اللجنة الأميركية لحرية الأديان العالمية، التي أتشرّف بعضويتها، جلسة مناقشات أخيراً، مع يهود أوروبا ومسلميها.
وألقيت في الجلسة الختامية خطاباً، انتهزت خلاله الفرصة للإشارة الى انه في حين ان التجربة الأميركية قد تقدّم نموذجاً مساعداً، فإنني لا أرى مقارنة مع أوروبا، لأن معاداة السامية والاسلاموفوبيا ليسا غريبتين على الولايات المتحدة.
فإحصاءات مكتب التحقيقات الفدرالي (إف بي آي) لجرائم الكراهية تشير الى ان %58 من الجرائم ذات الصلة بالدين، التي وقعت في الولايات المتحدة العام الماضي، كانت تستهدف اليهود، و%17 كانت تستهدف المسلمين، ووفقاً لتقرير 2015، الصادر عن مركز قانون فقر الجنوب Southern Porerty Law Center، فان هناك 34 مجموعة كراهية ضد المسلمين تعمل في مختلف أنحاء الولايات المتحدة، و10 مجموعات تنكر الهولوكوست و19 منظمة «مسيحية الهوية» تعادي السامية.
مناخ سياسي سلبي
ويعمل معظم هذه المجموعات المعادية للسامية – رغم خطورتها – على هوامش مجتمعنا. لقد تنصل الجميع من هذه المجموعات ولم تجد لها مكاناً في الحوار السياسي العام. ومع ذلك، فان تأثيرها لا يزال من الممكن استشعاره في المئات من الجرائم.
ولم تكن تلك هي الحال بالنسبة الى الخطاب والسلوك المناهض للمسلمين، ففي حين تنفث بعض المجموعات المعادية للمسلمين حقدها في الخفاء، فإن الخطاب المناهض للاسلام وجد طريقه الى حلقات الحوار السياسي الرئيسية، الأمر الذي أسهم في خلق مناخ سياسي سلبي للمسلمين الأميركيين.
ففي عام 2010 على سبيل المثال، جرى تنظيم حملة على المستوى القومي لتعطيل جهود بناء مركز إسلامي في جنوب مانهاتن. وفي عام 2012، أعلن خمسة مرشحين للرئاسة انهم قبل ان يسمحوا لأي مسلم بالعمل في إداراتهم، فانهم سيطلبون منهم أداء قسم خاص للولاء أولاً، وخلال السباق الرئاسي لهذا العام، دعا مرشحون رئيسيون لفرض حظر على دخول المهاجرين المسلمين الى الولايات المتحدة.
منع تطبيق الشريعة
وقد وجدت الحملة المناهضة للمسلمين طريقها الى مختلف الولايات المتحدة، فمنذ 2010، درست، أو صادقت المجالس التشريعية لــ 36 ولاية مشاريع قوانين تستهدف منع تطبيق الشريعة، في جهد غريب حقّاً، لأن أحداً لم يسبق ان اقترح تطبيق الشريعة في الولايات المتحدة، فالحملة بأكملها تهدف الى اثارة المخاوف من الجالية المسلمة.
وكان تأثير هذه الحملة كارثياً في الرأي العام. ففي عام 2010، أظهرت استطلاعات الرأي ان الجمهور الاميركي اتخذ مواقف ايجابية تجاه المسلمين الاميركيين بنسبة %48، مقابل مواقف سلبية، بنسبة %33 لكن هذه النسبة انقلبت في استطلاعات 2015، الى %33 إيجابية، و%37 سلبية.
ولم تؤثر هذه الحملة في المواقف تجاه المسلمين عموماً، بل أثرت في مواقف الرأي العام تجاه استقبال مهاجرين جدد من الدول الاسلامية. وكانت النتيجة ان المواقف الاميركية أصبحت متطابقة مع بعض المواقف الاوروبية التي تتسم بالتعصّب.
مشكلة مشتركة
ففي استطلاع حديث، أجرته مؤسسة زغبي لخدمات البحث Zogby Reseaech Services في ست دول أوروبية والولايات المتحدة، تبين انه في حين ان الاغلبية في كل الدول (باستثناء بريطانيا)، تؤيد ـــ بقوة ـــ استقبال مهاجرين أوروبيين، وفي كل دولة تعارض بقوة استقبال لاجئين مسلمين.
إذن، لدينا مشكلة مشتركة، ومع ذلك، لا تزال ثمة دروس يمكن تعلمها من التجربة الاميركية، التي يمكن ان يكون من المفيد دراستها بالنسبة الى الاوروبيين. فعلى الرغم من المناخ السلبي الحالي الذي خلقه المتعصبون والاسلاموفوبيون، فإن الولايات المتحدة اجتازت طريق التعصّب، ووجدت سبيلاً لاصلاح هذا الخلل. وربما يكون الحل بالنسبة الى اوروبا هو في اقامة مجتمع يستوعب الآخرين، كالمجتمع الاميركي.
طفيليات
لقد جاء الى الولايات المتحدة مهاجرون من مختلف بقاع الارض، وواجهوا المصاعب في البداية، ثم أصبحوا مواطنين أميركيين.
ففي مطلع القرن التاسع عشر، تم احراق كنائس ومساكن للمهاجرين الايرلنديين، وكان يطلق على الاوروبيين الشرقيين أنهم اناس «كسالى وكثيرو الشرب»، واطلق عليهم «طفيليات» و«نفايات»، وتم «سحل» مهاجرين طليان من دون محاكمات في الجنوب في اوائل القرن العشرين، أوا تهموا بأنهم «مخربون فوضويون»، واتُّهم اليهود الاميركيون بأنهم اشتراكيون أو شيوعيون، وأُقيمت معازل للألمان واليابانيين اثناء الحرب العالمية الثانية.
ولكن ذلك لم يكن أبداً نهاية الحكاية، لانه رغم التعصّب والتحريض، فقد خسر المتعصبون المعركة في النهاية، وأصبح المهاجرون مواطنين أميركيين، فتغيّرت فكرة ان تكون أميركياً من اساسها واصبحت الثقافة الاميركية مزيجاً من الثقافات الايرلندية والبولندية والايطالية والافريقية واللاتينية واليهودية، والعربية.
مسألة توسع الهوية الاميركية وقدرتها على الاستيعاب والتحوّل هي التي تميزها عن التجربة الاوروبية، وهذا امر مهم، لانه يُظهر الضوء في نهاية النفق لكل المهاجرين.
وعلى الرغم من هذه المشكلة المشتركة مع اوروبا، فهذا هو الدرس الذي يمكن للاوروبيين تعلمه من الاميركيين. صحيح ان بعض المتعصّبين ما زالوا بيننا، لكن المهاجرين وابناءهم أصبحوا أميركيين، ونجحنا في تغيير معنى أن تكون أميركيا. واسأل باراك أوباما، أو بيرني ساندرز أو ليون بانيتا او نورم مينيتا، أو اسألني.
فكلنا ابناء مهاجرين غير شرعيين، وأصبحنا موظفين أميركيين.
* رئيس المعهد العربي ــــ الأميركي في واشنطن.
المصدر: القبس
شارك :