رفاهية صيف الإماراتيين تذكرهم بقسوة حياة أجدادهم
26 أبريل، 2016
يؤكد كبار السن في مجالسهم، أن جيل اليوم لم يعد يعتمد كثيرا على عبقريته الذاتية التي يستمدها من معايشته لأمور الحياة الروتينية وما تطرحه الطبيعة من تحديات، فقد أصبح يؤمن إزاء هذه التحديات والصعوبات البيئية والمناخية التي تفيض بها الطبيعة من حوله بعبقرية وذكاء المكتشفات والمبتكرات العلمية الحديثة.
المواطن عبدالله أحمد المزروعي (72 عاما) من المنطقة الشرقية يقول “ينظر جيل اليوم للصيف على أنه وقت صعب وعسير يحتاج إلى ترتيب ومشورة، ووضع مسارات، واعتماد خطط وتحديد الوجهات المفضلة قبل الطيران نحو أماكن متعددة في بقاع العالم، لم تسنح الفرصة لجيل الآباء والأجداد أن يعرفوا أسماءها قبل أماكنها”.
ويضيف “في الماضي لم يعتد الأهالي على السفر في الصيف، بل إن سفر الصيف في الماضي هو ترحال ضروري لسد حاجة ملحة، حيث يرتحل الناس من المدن على الساحل إلى الأرياف والمصايف والواحات، ويفرون بهذا السفر من المناطق الحارة إلى الباردة، يتفيأون ظلالها ويجولون بأبصارهم في جناتها وأشجارها، ويتنسمون طيب هوائها، فتسر بها قلوبهم وتنتعش نفوسهم ويتجدد نشاطهم في وقت تعيق الشمس والحرارة حركة الناس، وتطيب لهم الثمار والظلال فيميلون إليها”.
ويقول المزروعي “كان سفرنا في الماضي لا يزيد عن رحلات المقيظ أو الحضارة؛ وهي عبارة عن قوافل منظمة على ظهور الإبل إلى الواحات في مناطق معروفة في المنطقة الشرقية، مثل مسافي وكلبا ودبا، وفي الشمال شعم والرمس ونواح من ساحل الباطنة في سلطنة عمان الشقيقة، بينما أهالي أبوظبي يجدون متعة المقيظ في مدينة العين أو واحات ليوا في المنطقة الغربية”.
ويصف المزروعي موسم الصيف في الماضي وكأنه عكس صيف اليوم تماما “ينظر جيل اليوم للصيف على أنه موسم للسفر والترحال بعيدا والتواجد في مكان بعيد طلبا للهدوء والراحة، إلا أن موسم المقيظ كان عكس اليوم تماما، فهو موسم تجمع والتفاف حول بعضنا والانتقال والسفر ناحية المقايظ والواحات والحيور (المناطق الجبلية)، كما أن الأسر وكل المجتمع لا يرى في المقيظ سوى أنسب الأوقات وأحلاها، ولا ينتقل أهل الإمارات لقضاء الصيف أو القيظ في بلد آخر، بل في بعض المناطق ذات الطبيعة الجبلية التي تجمع بين المرتفعات العالية والسهول المنخفضة في مكان واحد متصل، يكتفون بالانتقال في نفس المكان بين المرتفعات والسهول كمصايف لهم”.
وحول ما إذا كان يقتصر تغيير عادات الصيف على الإمارات فقط، يضيف “الآن نسمع ونقرأ مع إطلالة نسائم صباح أيام الصيف وكذلك مع لفحات لهيب ظهيرتها، دعوات من كل مكان في المنطقة لحضور ومشاركة المهرجانات السياحية التي تقام في كل بلد، الكل يسابق وينافس ويريد استقطاب الوفود السياحية والزوار، والمصطافون يرددون الشعارات الموسمية، والتي في مضمونها دعوة لطيفة للضيافة والاستمتاع بالمكان مثل (45 يوما من مرح الصيف) أو (أهلا بالضيف والصيف) أو (صيفنا في بلدنا أحلى)، ويعنون بلا شك أن الصيف أهنأ وأكثر جمالا في مكان المهرجان المقصود، وتزين المدن بالأنوار، وتضاء لياليها وينشط أصحاب التجارة والخدمات من أجل الاستفادة من الفرصة تجاريا، ويبيعون ما اعتاد السائحون البحث عنه، وتزف المدن في حلل حتى أنه يطلق على بعضها عروس”.
ويقول المزروعي “لقد كان صيفنا أحلى بالفعل، فالطعم الحلو هو ما يرافق كل صيف وتعطينا إياه التمور وثمار الفاكهة، ذلك لأنه وقت يبشر فيه النخيل ويكثر التمر وتنضج الفاكهة ويشبع أهل الواحات والمزارعون، ويفرحون باستضافة أقاربهم وتوافد أولادهم من كل مكان ليقضوا وقت الصيف أو القيظ في تجمع مؤقت ينتهي بانتهاء فترة المقيظ، لهذا كان بالفعل صيفا أحلى”. ويوضح أن أيام الصيف أو القيظ كانت تعد أطيب أيام السنة، لما فيها من خيرات وما تجود به من ثمار يانعة يحين وقت قطفها.
ومن جانبه يقول المواطن عبدالله سهيل المزروعي من أهالي محاضر ليوا (77 عاما) “في موسم القيظ الآن تقل الأعمال لأن الجميع يستعد للهروب نحو وجهات بعيدة، ومن لا يخطط للسفر خارج الدولة يلجأ إلى الراحة في المنازل الوثيرة المكيفة، إلا أن الرعيل الأول الذي تغرب ينتظر موسم الصيف بفارغ الصبر، لأنه يعني له الشوق إلى إرواء دوافع الحنين وهذا ما يطلق عليه اليوم وقت عودة الطيور المهاجرة وأعني المسافرين من أجل العمل، حيث يتم لم شمل العائلة بعد تفرق في البلدان، وانتفاء الغربة والحل بعد الترحال والتلاقي بعد الغياب، والأنس بعد الوحشة والهدوء بعد القلق وانتهاء فترة الفراق”.
ويشدد المزروعي على أن التجمع في الصيف لا يقتصر على أهل الحضر في الإمارات، بل إن في البادية أيضا تجمعهم ومجالسهم العامرة بعد تفرق وشتات حول المراعي ومناطق الصيد.
ويؤكد أن التجمع الكبير للحضر وكذلك للبدو يكون في فترة القيظ حيث المقيظ الذي يتكرر كل عام. ولعل الحضر وسكان البادية والواحات ينتظرونه ويجعلون منه موعدا وموسم لقاء اجتماعي فيه مظهر الرضا والغنى والكرم، وإمكانية الضيافة في كل وقت والتفرغ لقطف الثمار والفرح بالعطاء، حيث يتوفر الخير الكثير لديهم بصفتهم مزارعين، فإما أن يكون موسم حصاد الزرع وإما خراف النخيل، لكن عند البادية يكون موسم التجمع والغنى وتوفر الخيرات في الربيع، حيث توفر الماء والمراعي والزرع وبالتالي انتعاش قوام اقتصادهم.