رغم القمع.. ثورة الأرض تهز عرش السيسي
27 أبريل، 2016
دولة القمع، قلعة من المؤسسات الرمزية يحكمها أسطورة القائد أو الرمز، تُهدم حصونها حينما تعجز في بناء الأسطورة أو الرمز، فالدولة القمعية حياتها من حياة قائدها أو أسطورتها، وعندما تفشل تتحول سياساتها القمعية إلى فعل عشوائي غير منضبط، فعلٌ تطول ناره كل من يهتف ضد أنماط الدولة القمعية وسياساتها العشوائية، فبعد أن هتفت جموع الشباب في يوم الجمعة الموافق 15 من أبريل 2016م، أمام نقابة الصحفيين بكلمة «ارحل يا سيسي»؛ كيف واجهت دولة «المشير عبدالفتاح السيسي» دعوات التظاهر اليوم؟
«ستراتفور»: المجلس العسكري نصح السيسي (التنازل سيغضب جموع الشعب)
نشر مركز الدراسات الإستراتيجية الأمريكي «ستراتفور» تقريرًا؛ حول مشروع الجسر البري بين المملكة العربية السعودية ومصر، كاشفًا فيه أن المجلس الأعلى للقوات المسلحة حذر «السيسي» مسبقًا من التنازل عن جزيرتي تيران وصنافير لصالح السعودية.
وحسب مصادر «ستراتفور» فإن المجلس الأعلى للقوات المسلحة المصرية نصح «السيسي» بالامتناع عن نقل السيادة على الجزيرتين للسعودية، لأن ذلك «سيمس بالشرف الوطني وسيغضب الرأي العام المصري».
وأضاف المركز أن تخلي مصر عن جزيرتي تيران وصنافير كان تتويجًا لأكثر من 11 لقاء دبلوماسيًّا؛ حرصت المملكة من خلالها على إقناع الرؤساء الذين تداولوا السلطة في مصر خلال السنوات الستة الأخيرة، بالتخلي عن الجزيرتين اللتين كانت السعودية تسعى إلى السيطرة عليهما منذ سنة 1988م.
وقال المركز إن الظروف التي تخلت فيها مصر عن الجزيرتين، جعلت الاتفاق يبدو «كعقد بيع» أبرمه السيسي الذي نصحه المجلس الأعلى للقوات المسلحة بالامتناع عن مقايضة الجزيرتين، في الوقت الذي تراجعت فيه شعبية حكمه بصفة كبيرة في الفترة الأخيرة.
الأرض هي العرض
في مشهد يشبه بروفات ثورة جديدة، حيث شكلت مظاهرات، الجمعة 15 أبريل 2016م، في القاهرة علامة فارقة هي الأبرز من نوعها منذ قامت السلطات المصرية بحظر التظاهر في عام 2014م، حيث فشلت قوات الأمن في فضّ المتظاهرين الذين تجمّعوا بأعداد كبيرة للمرة الأولى وسط القاهرة من مختلف التيارات السياسية.
وللمرة الأولى أيضًا منذ شهور طويلة يخرج البيت الأبيض عن صمته، معلنًا أنه يراقب الأوضاع في القاهرة التي سادها الغليان إثر القرار الذي اتخذه السيسي باعتبار جزيرتي تيران وصنافير الإستراتيجيتين أراضٍ سعودية، وهو الأمر الذي صدم المشاعر الوطنية.
ومع دخول الظلام قرر المتظاهرون الذين تجمعوا في القاهرة فضّ تجمعهم معلنين عن خطط للتجمع مجددًا بحلول يوم 25 أبريل، الذي يوافق عيد تحرير سيناء، إذا لم يتخذ الرئيس المصري قرارًا بإلغاء نقل تبعية الجزيرتين للسعودية.
فقد مثل ذلك اليوم التفاف شعبي غير أيديولوجي يجمعه الهتاف بالرحيل ومصرية تيران وصنافير، فهل يعتبر ذلك بداية لانهيار جدار الخوف؟
العقاب الأول
أطلق طلاب مصر حملة في عدد من الجامعات المصرية بعنوان «الطلاب مش هتبيع»، رفضًا لتنازل السيسي عن جزيرتي تيران وصنافير للسعودية، فوجهت دعوات الطلاب بحملة أمنية على نطاق واسع والتي شملت القبض على مجموعات من طلاب الجامعات، يوم 21 أبريل 2016م، من عدد من مقاهي منطقة وسط البلد بالقاهرة، ومصر الجديدة، وكوبري الجامعة بالجيزة، كما ألقي القبض على عدد من النشطاء السياسيين الشباب.
وفي يوم 22 أبريل 2016م، تم القبض على 12 طالبًا من كلية الهندسة بجامعة القاهرة، وقد تم إلقاء القبض عليهم من محطة مترو المعادي، عند عودتهم من رحلة نظمتها الكلية لمحمية وادي دجلة. وفي يوم 24 أبريل 2016م، تم القبض على أحد الطلاب بالجامعة الأمريكية مما أثار موجة من الغضب في الجامعة وقد وصف اتحاد الطلاب بالجامعة ذلك الفعل بالقمعي.
وقد انتقد بعض الحقوقيين والصحفيين والممثلين ما يواجهه الطلاب من حملات اعتقال وموجة قمعية شديدة، إثر تظاهراتهم لرفض التنازل عن الجزيرتين للسعودية.
وعلى الجانب الآخر من الحراك الثوري في صفوف الطلاب، صرح الدكتور جابر نصار رئيس جامعة القاهرة «إن مسألة تحديد ملكية الجزيرتين ليست صعبة، فالقانون والوثائق هي التي تدير حسم المسألة، ليس الإعلام أو العاطفة، كما أكد على أن القرار بيد مجلس النواب لأنه سيُعرض عليه الاتفاقية التي تم التوقيع عليها».
وأضاف، «أن جزيرتي تيران وصنافير، جزر سعودية أودعتها السعودية لمصر لكي تديرها وتبسط عليها الحماية في وقت معين ولظروف معينة، موضحًا أن الوجود المصري على الجزيرتين، لا يعني بالضرورة ملكية الجزيرتين لمصر، فليس كل وجود يعني الملكية، وهناك وثائق وقانون دولي ليحسم هذه المسألة».
المواجهة
الشباب المصري رفض العيش في ضيم السجون والرضاء بالأمر الواقع، فقد خرج في الشوارع ليهتف «مصر مش للبيع»، رغم التهديدات التي توعدت بها وزارة الداخلية كل من سيخرج بدون إذن أو تصريح للتظاهر.
وفي صباح الــ 25 من أبريل 2016م، أصدر السيسي، قرارًا جمهوريًا بشأن العفو عن بعض السجناء، بمناسبة الاحتفال بعيد تحرير سيناء. وبعد هذا القرار بساعات تم القبض على طبيبين بمحيط «دار الحكمة»، وعلى إثر هذه الواقعة قالت الدكتورة منى مينا وكيل النقابة العامة للأطباء، إن النقابة ستتحرك بشكل رسمي وستبعث بخطابات للنائب العام حول الواقعة وإذا لم يتم الإفراج عنهما قبل الغد ستتحرك النقابة، مضيفةً: «لا يوجد أي سبب مفهوم لإلقاء القبض عليه».
وتم تداول أنباء عن إلقاء قوات الأمن القبض على 3 طلاب من مسيرة بميدان المساحة بحي الدقي، وهم الطالبتين من كلية الصيدلة «نسرين مصطفى»، و«سحر»، والطالب بالفرقة الأولى بكلية الهندسة جامعة القاهرة قسم مدني «حسين سويدان».
وقد تم منع الصحفي خالد البلشي وكيل نقابة الصحفيين من دخول قسم شرطة الدقي لمتابعة حالة 11 صحفي رهن الاعتقال، وعلى خلفية حملة الاعتقالات الواسعة التي طالت قرابة 113 من المواطنين أعلنت حركة مصر مش للبيع عن إدانتها لما فعلته قوات الأمن، من حملات إلقاء القبض على المتظاهرين السلمين -كما ورد في البيان- كما أدانت الحملة تفريق المظاهرات، ومحاصرة مقر حزب «الكرامة»، وحزب «الدستور» في حي الدقي.
وفي عالم موازٍ ظهر العشرات من المؤيدين للسيسي في ميدان طلعت حرب بوسط البلد وسط حماية أمنية لهم، كان من المفترض احتفالهم بذكرى تحرير سيناء، إلا أنهم نزلوا من أجل تأييد التنازل عن الجزيرتين للسعودية.
وبدلًا من رفع علم مصر، تم رفع على السعودية، في مشهد رحبت به قوات الأمن ولم تعترض هؤلاء المتظاهرين قط.
ولم يكتفِ مؤيدو السيسي بذلك بل استكملوا المشهد بالرقص والغناء، في ظل أن هناك نساءً وشبابا وأطفالا على الجانب الآخر تعترضهم مدرعات الشرطة بالغاز والخرطوش.
كيف تناولت الصحف العالمية المشهد المصري
أشار موقع CNN إلى ما أطلق عليه «حرب الهاشتاجات» بعد أن دشن مغردون ونشطاء مصريون على مواقع التواصل الاجتماعي هاشتاج #يلا_يا سيسي_لم_هدومك، استعدادًا لمظاهرات 25 أبريل، حيث طالب المدونون من خلاله المصريين بالنزول والاحتشاد لمطالبة السيسي بالرحيل بعد تنازله عن أرض مصر للسعودية، كما أشار الموقع إلى تدشين هاشتاج آخر يحمل اسم #لن_تنالوا_من_مصر، اعتراضًا على دعوات التظاهر.
كما تناول موقع BBC تهديدات وزير الداخلية المصري مجدي عبد الغفار، للمتظاهرين باستعمال القوة والحزم في مواجهة تظاهرات 25 أبريل، كما تحدث عن خطاب السيسي في يوم 24 أبريل الذي حذر فيه مما وصفها بـقوى شر واصفًا إياها بأنها تستهدف إثارة الفوضى في مصر.
كما تحدثت وكالة الأناضول التركية عن إغلاق محطة مترو السادات بالقاهرة، واصفًة المحطة بأنها تطل على ميدان التحرير، وهو مقر انطلاق ثورة يناير المصرية التي أطاحت بالمخلوع حسني مبارك عام 2011م. ورأت في ذلك خشية النظام المصري من التظاهرات.
كما وصفت وكالة الأنباء الفرنسية فرانس برس الأوضاع في مصر، بأنها في حالة ترقب أمني كبير نظرًا للدعوات الواسعة إلى التظاهر، مشيرًة إلى أن العديد من المنظمات أكدت في بيانات أنها عازمة على الخروج إلى الشارع رغم التحذيرات التي أطلقها عبد الفتاح السيسي.