هل فشلت “ثورة الأرض” ضد السيسي؟


المنع من المنبع.. خطة السيسي التي كشفتها “الشروق” ونفتها الرئاسة

محمد الشبراوي –

إن كنت من المعارضين فلن تستطيع الحركة – وليس التظاهر – في شوارع العاصمة أو في ميادين المحافظات، أما إن كنت من المؤيدين فافعل ما شئت وارقص ما شئت ولو بميدان التحرير نفسه.. هكذا صدر الحكم الأمني على المشاركين بمظاهرات “الأرض مش للبيع” قبل أن تبدأ أمس الاثنين رفضًا لطريقة السلطة في التنازل عن تيران وصنافير للسعودية، دون مشاورة الشعب.

7f10ff11-e002-4130-90de-1c578c5da1c3

مساء الأربعاء الماضي نشرت صحيفة “الشروق” القريبة من أجهزة الاستخبارات المصرية نبأ يؤكد أن “الأيام الماضية شهدت سلسلة لقاءات بين الرئيس عبد الفتاح السيسى وكبار معاونيه وبخاصة مسئولي الملف الأمني لبحث تداعيات المظاهرات، التي شهدتها القاهرة والمحافظات الجمعة الماضية تحت شعار “جمعة الأرض هي العرض”.

وقالت “إن الرئيس أعرب عن غضبه من السماح بتمدد المظاهرات يوم الجمعة، وأكد لمساعديه أنه لن يقبل بتكرار مشهد الجمعة الماضي مرة أخرى يوم الاثنين 25 أبريل”.

واحتجت رئاسة الجمهورية، ونفت الخبر، وأعلنت استياءها البالغ إزاء ما نشرته الشروق ووصفته بأنه “معلومات مضللة منسوبة لمصادر مجهولة”.

ولكن ما جرى أمس الاثنين أكد صحة ما نشرته الشروق وأن الرئيس المصري أعطى أوامر مشددة للأمن بعدم تكرار ما حدث يوم 15 أبريل الماضي من تظاهرات ظل تهدف ضده قرابة 8 ساعات أمام نقابة الصحفيين.

حيث نفذت الأجهزة الامنية خطتها في منع معارضين من المنبع بمنع الوصول لمقر نقابة الصحفيين وألقت القبض على كل من اقترب من المنطقة بما فيهم صحفيين، وشمل المنع دخول صحفيين أنفسهم الي نقابتهم ومنهم محمد عبد القدوس وكيل النقابة السابقة.

ونشرت الشرطة قوات بلباس مدني وأفراد المباحث في مناطق وسط القاهرة وأماكن التظاهر المحتملة، قال نشطاء إنهم بلطجية لضرب المتظاهرين، ما يعتبر إعادة لسيناريو يناير 2011 في نفس المكان، في إطار خطة لمنع المظاهرات من المنبع وعدم السماح بتجمع المتظاهرين كما حدث الجمعة الماضية.

ومنعت قوات الأمن أي تظاهرات معارضة من الوصول لمقر نقابة الصحفيين، من خلال إغلاق كل الشوارع المؤيدة لها.

وقال محمد عبد القدوس عضو مجلس النقابة السابق، إن قوات الأمن منعته من دخول النقابة، وأضاف لـ “إيوان 24”: “منعوني من دخول النقابة بحجة دواع أمنية عقب مشاهدة كارنيه نقابة الصحفيين، وطلب الأمن مني مغادرة المكان والانصراف”.

وقال “أحد الضباط المسؤولين عن التأمين أخبرني أنه لديهم أوامر بإلقاء القبض على الأشخاص الذين يتواجدون بمحيط النقابة، وأنه تم القبض على 10 أشخاص لأنهم لا يحملون كارنيه نقابة الصحفيين”.

وتابع: “هذه هي المرة الأولى التي يتم فيها منع الصحفيين من دخول نقابتهم بهذا الشكل”، وأنه أبلغ غرفة عمليات النقابة بالواقعة.

قمع المظاهرات بقنابل الغاز

ee347fe7-928c-46b2-8f25-12c700eda8f9

ولم تكتف قوات اﻷمن بذلك بل قامت بتفريق عدد من التظاهرات التي انطلقت في الجيزة مثل: (ناهيا) وميدان المساحة، وشارع الدقي، وأرض اللواء في شارع السودان، باستخدام قنابل الغاز المسيل للدموع وطلقات الخرطوش.

كما قام عدد من أفراد الشرطة، يرتدون ملابس مدنية ورسمية، باعتقال عدد من الشباب المشاركين في التظاهرات المختلفة باستخدام مدرعات الشرطة وسيارات ميكروباص غير رسمية، كما اعتقلت الشرطة عددًا من المواطنين من أماكن متفرقة في منطقة وسط البلد.

وحاصرت قوات اﻷمن مقر حزب الكرامة الناصري في ميدان المساحة بعد لجوء عدد من المتظاهرين إليه بعد تفريق المسيرات، وقامت إدارة فندق سفير بالدقي بتسليم عدد من المتظاهرين إلى شرطة السياحة الموجودة بالفندق بعد لجؤهم إليه.

ورغم التشديدات الأمنية شهدت عدة محافظات مصرية مظاهرات لمعارضي الرئيس السيسي، قمعتها قوات الشرطة بإطلاق قنابل الغازات المسيلة للدموع في بني سويف والفيوم وكفر الشيخ والإسكندرية، وواصل بعضهم التظاهر في شوارع جانبية عقب تصدي قوات الأمن لهم.

كما خرجت مظاهرات في الجيزة بشارع ناهيا معقل الإسلاميين، وفي شارع بولاق، وقال نشطاء إن مظاهرات أخري ستخرج في الموعد المحدد وهو الثالث بتوقيت القاهرة.

ووقعت اشتباكات بين قوات الشرطة والمتظاهرين في بولاق الدكرور وبني سويف ومدينة العاشر من رمضان بالشرقية.

وكان وزير الداخلية مجدي عبد الغفار قال، في بيان نشر عبر صفحة الوزارة على فيس بوك، إن “أجهزة الأمن سوف تتصدى بمنتهى الحزم والحسم لأي أعمال يمكن أن تخل بالأمن العام”، وأضاف “سوف يتم التعامل بكل قوة مع أي محاولة للتعدي على المنشآت الحيوية والهامة.. ولن يسمح بالخروج عن القانون تحت أي مسمي”.

كما شدد الرئيس عبد الفتاح السيسي، خلال كلمة ألقاها الأحد بمناسبة عيد تحرير سيناء، على أن الدولة ستتصدى لأي محاولات للمساس والتأثير على أمن واستقرار الدولة ومؤسساتها وترويع المواطنين.

وتتزامن مظاهرات أمس مع الذكرى الرابعة والثلاثين لتحرير سيناء، والتي أتم فيه الجيش اﻹسرائيلي انسحابه من سيناء -باستثناء طابا-عام 1982، طبقًا لاتفاقية كامب ديفيد.

اعتقالات طالت 35 صحفي وصحفية

ونشرت صفحة “الحرية للجدعان” على فيسبوك أسماء 168 ممن تأكد القبض عليهم اليوم من مختلف المحافظات المصرية، تم اﻹفراج عن بعضهم.

وكشف أسامة داوود، عضو مجلس نقابة الصحفيين إن هناك حوالي 35 صحفي وصحفية تعرضوا لاعتداءات مختلفة ما بين الحبس والإيقاف، مشيرا إلى أنه تم إخلاء سبيل الصحفيين بقسم الدقي فيما عدا صحفي بجريدة “المصريون”.

وأشار إلى أن النقابة خصصت غرفة عمليات لمتابعة رصد حالات الانتهاكات للزملاء الصحفيين أثناء تغطيتهم التظاهرات في 25 ابريل، وأن مجلس النقابة المجلس سيعقد اجتماع طارئ، اليوم الثلاثاء، برئاسة يحيى قلاش نقيب الصحفيين لمناقشة الأحداث التي شهدها مقر النقابة، والاعتداء على الصحفيين.

وقالت نقابة الصحفيين في بيان لها أن قوات الأمن استعانت بـ “مجموعات من البلطجية تحملهم سيارات وتم دفعهم لاقتحام مبنى نقابة الصحفيين مرددين هتافات معادية للصحفيين تتهمهم بالخيانة والعمالة، وتوجيه عبارات سب وقذف للصحفيين”.

ومنعت قوات الأمن خالد البلشي، عضو مجلس نقابة الصحفيين ومقرر لجنة الحريات بها، من دخول قسم الدقي بعدما كلفته النقابة بمتابعة محاولات الإفراج عن أحد عشر صحفيًا محتجزين هناك.

وصرح مصدر أمني لجريدة الشروق بأنه تم إلقاء القبض على 15 شخصًا من ميدان رمسيس بعد فحص رسائل “واتساب” على هواتفهم.

إعلام السعودية في أيدي المؤيدين

وفيما أحاطت الشرطة محيط نقابة الصحفيين وجميع الشوارع المؤدية إليها بالحواجز الحديدية ومنعت دخول أي من المواطنين، سمحت بمرور عدد من مؤيدي الرئيس عبد الفتاح السيسي، الذين قاموا بتشغيل “دي جي” على أغنية “تسلم الأيادي” التي تمتدح السيسي قالوا إنها للاحتفال بالذكرة الـ 34 لتحرير سيناء، وهم يرفعون أعلام السعودية.

كما انتشرت أغاني الدي جي والرقص الداعمه للسيسي والجيش أبرزها “تسلم الايادي” وبشرة خير”، في الميادين الكبرى بالعباسية ومصطفي محمود ووسط القاهرة بخلاف نقابة الصحفيين.

أيضا قامت حافلات تحمل شعار حزب “مستقبل وطن” بحمل عشرات من مؤيدي النظام حاملين صور السيسي وأعلام المملكة العربية السعودية إلى ميدان مصطفى محمود، كما تظاهر عدد من مؤيدي النظام في ميدان طلعت حرب، وهم يحملون أعلام المملكة العربية السعودية، وصور الرئيس عبد الفتاح السيسي، والأحذية العسكرية “البيادات”.

وكانت دعوات للتظاهر قد انطلقت عبر مواقع التواصل الاجتماعي، تحت عنوان “مصر مش للبيع” تزامنًا مع الاحتفال بذكرى تحرير سيناء، اعتراضًا على اتفاقية إعادة ترسيم الحدود البحرية بين مصر والسعودية، والتي آلت بموجبها ملكية جزيرتي تيران وصنافير إلى المملكة العربية السعودية.

وانتشرت امام مقر نقابة الصحفيين العشرات من سيارات الشرطة والمدرعات والشرطة بلباس مدني كما تواجدت قيادات شرطية، في محيط النقابة.

انتقادات حقوقية

وأعربت منظمات حقوقية عن رفضها واستهجانها الشديدين لحملات القبض التي نفذتها قوات الأمن من القوات المسلحة ووزارة الداخلية على مدار الأيام الماضية، كما تُحملها المسئولية كامل عن سلامة المتظاهرين يوم 25أبريل؛ يوم مظاهرات “مصر مش للبيع”.

وقالت المنظمات في بيان مشترك، الاثنين، إن السياسات التي تنتهجها الإدارة الحالية أدت إلى تجفيف المجال العام في مصر، ففيما أطلقت يد قوات الأمن في الاستخدام المفرط للقوة، بما في ذلك الرصاص الحي في المظاهرات، عملت جهات التحقيق سواء النيابة العامة أو قضاة تحقيق على استخدام الحبس الاحتياطي طويل المدة كعقوبة، فضلًا عن تلفيق الاتهامات للمتظاهرين، وغض البصر عن انتهاكات قوات الأمن للحق في الحياة، كما ساهم القضاء في توقيع عقوبات مغلظة على المعارضين السياسيين، بحسب البيان.

ولفتت المنظمات إلى أن كل تلك العوامل تضافرت وأدت إلى مقتل آلاف المواطنين بدون أية محاسبة حقيقية لقوات الأمن، بخلاف امتلاء السجون بعشرات الآلاف من المعارضين السياسيين والمدافعين والمدافعات عن حقوق الإنسان، فضلًا عن أفراد عاديين ليس لهم أي انتماء سياسي، وهو الأمر الذي جعل مشاركة المواطنين في العمل العام أمر محفوف بمخاطر فقدان أرواحهم أو حرياتهم.

وأبدت المنظمات انزعاجها من لجوء جهات التحقيق لتلفيق اتهامات تندرج تحت قوانين مكافحة الإرهاب والكيانات الإرهابية وقانون التظاهر وقانون التجمهر، فضلًا عن لجوئهم لاتهامات فضفاضة في قانون العقوبات، وهو ما يؤكد تخوفاتنا السابقة من سهولة استخدام تلك القوانين “الاستثنائية” لتقييد حرية الرأي والتعبير والتجمع السلمي والحق في تكوين الجمعيات.

وطالبت المنظمات بخلاف اسقاط قانون التظاهر، بتوقف وزارة الداخلية عن انتهاك حق التجمع السلمي وتوقف جهات التحقيق، وأن تتوقف عن استخدام الاتهامات المجهزة مسبقًا للتنكيل بالنشطاء والمعارضين السياسيين، والتوقف عن استخدام تدبير الحبس الاحتياطي كعقوبة. مُحملةً مسؤولية حماية وسلامة المتظاهرين في يوم 25 إبريل على الدولة.

السيناريو القادم

ويمكن رصد عدد من الملاحظات على مظاهرات أمس 25 أبريل و15 أبريل التي سبقتها على النحو التالي في سياق تحليل السيناريو القادم بعدم اجهاض الشرطة ثورة الارض ضد نظام الرئيس السيسي علي النحو التالي:

  • مجرد النزول للتظاهر للمرة الثانية واستنفار كل اجهزة الدولة وعصاها الامنية، مؤشرا علي زرع بذور ثورة جديدة ترفع شعار استعادة الجزيرتين ولكن هدفها الابرز والاشمل هو “استعادة مصر”.
  • مظاهرتا 15 و25 ابريل لن تكونا اخر المظاهرات وإنما بدايتها، إذ يتوقع ان تتواصل وتكبر كرة الجليد، لان اسباب الغضب مستمرة وقد تزيد عندما يوافق البرلمان -المؤيد للسيسي -على الاتفاقية كما ان استمرار المشاكل الاقتصادية والامنية يجعل منسوب الغضب عاليا
  • سوف تضطر القوي السياسية المتنازعة لتوحيد فصائلها، وانهاء النزاع الذي تسببت فيه مظاهرات 30 يونية 2013 بينها، وتناسي خلافاتها مؤقتا، لأنها تعلم انه بدون ذلك ستظل ضعيفة، خصوصا مع اعتراف القوي الليبرالية واليسارية بقدرة الاخوان على الحشد، وقد ظهرت بوادر وارضيه مشتركة لها برفع شعارات عن “توحيد الثوار”
  • نظام السيسي لا يخسر فقط داعميه بالداخل، و”يجيش” كل معارضيه ويضعهم في سلة واحدة ضده باستمرار القمع والاعتقالات، ولكنه ايضا – وهذا هو الاهم – بدا يخسر داعميه الدوليين بسبب قضايا مثل رجيني الايطالي والفرنسي والطائرة الروسية والقلق الغربي عموما من تحول المطالبات بالحريات الي فوضي أمنية وعنف متبادل.

وذكرت صحيفة “هافينجتون بوست” الطبعة الامريكية، قبل مظاهرات 25 أبريل بيوم واحد، تحت عنوان “هل يكون الإثنين بداية النهاية بالنسبة للسيسي” أن يوم 25 أبريل “قد لا يسفر عن شيء أو قد يكون بمثابة بداية نهاية ديكتاتورية السيسي”.

وقالت في مقال نشره الحقوقي الدولي “براين دولي” المسؤول بمنظمة “هيومن رايتس فيرست” بواشنطن إن: “الأكثر شؤما بالنسبة للسيسي، هو ترديد المتظاهرين هتاف 2011 “الشعب يريد إسقاط النظام”، في محاكاة للانتفاضة الحاشدة التي أسقطت الرئيس حسني مبارك.

وكتب الحقوقي الدولي يقول: “تتأهب مصر لشيء ما هام الإثنين”، وتوقعت” احتمال ألا يحدث الكثير من الأمور، إذ أن المتظاهرات المتوقع اندلاعها ستكون صغيرة أو سيتم سحقها”.

ولكنه نقل عن أحد النشطاء قوله: “ربما لن يحدث الكثير يوم الإثنين نفسه لكنه قد يكون “كرة ثلج”، في مصطلح يعني تحريك المياه الراكدة”، مشيرا لأن “معظم المصريين يبدون في حالة اهتياج، حيث يذبل الافتتان بالسيسي”، بحسب تعبيره.

وتابعت: “من الواضح أن حكومة الرئيس السيسي مهزوزة وخائفة من أن يؤدي رد الفعل تجاه تسليم الجزيرتين للسعودية إلى إثارة اضطراب على نطاق واسع عبر أنحاء مصر.

وختمت الصحيفة المقال بالقول: “هذا العام سيكون اختبارا رئيسيا بالنسبة للسيسي، إذ أن الاقتصاد المصري مستمر في حالته المتداعية، كما تتزايد الهجمات الإرهابية”.

وأشارت إلي أنه “بالرغم من دعم واشنطن ودول الخليج، والذي كانت أحدث مظاهره إعلان الإمارات دعم السيسي بـ 4 مليارات دولار، علاوة على 16 مليار دولار تعهدت بها السعودية قبل أسابيع، لكن أيام السيسي في السلطة تبدو معدودة”.