نجحت الضربات المكثفة التي يشنها الجيش المصري بالتعاون مع أفراد الشرطة في سيناء في القضاء، بنسبة كبيرة، على خطورة تنظيم “أنصار بيت المقدس”، الذي أعلن البيعة في نهاية عام 2014 لتنظيم داعش الإرهابي ليغير اسمه إلى “ولاية سيناء”، وهي التسمية التي رفضت الحكومة المصرية تعميمها، مفضلة عنها تسمية “داعش سيناء”، لكن نجاح الجيش المصري لم يستطع معه الوصول إلى خنادق الجماعة الإرهابية في جبل الحلال بسبب التزامه باتفاقية السلام مع إسرائيل، والتي تقضي بتسليح خفيف بتلك المنطقة.

النجاح النسبي للجيش المصري في سيناء، قلل بالفعل من هجمات التنظيم ضد قواعده وثكناته العسكرية، واقتصرت عملياته الأخيرة على عمليات فردية من هجوم على أحد الأكمنة، أو اختطاف بعض الجنود خلال تحركاتهم خارج معسكراتهم، أو حتى الهجوم بسيارات مفخخة ضد بعض المعسكرات، لكنها هجمات لم تعد تؤتي ثمارها كما كان يخطط ممولو ومساندو التنظيم، خاصة بعد هجماته الكبيرة في بدايات عام 2015 و”غزواته الميمونة” ضد الجنود بالمعسكرات والأكمنة، ما دفع بالتنظيم الإرهابي مؤخرًا لتغيير استراتيجيته باستهداف بعض المدنيين بسيناء؛ بدعوى التخابر مع قوات الجيش وعناصر الأمن، ومحاولة تنفيذ هجمات متفرقة بالداخل المصري مثل عملية تفجير مديرية أمن الدقهلية ثم القاهرة، والمحاولة الفاشلة لاغتيال وزير الداخلية المصري السابق اللواء محمد إبراهيم، إضافة إلى استهداف حافلة سياحية لعدد من الأجانب بالقرب من مدينة طابا، واستهداف سياح في معبد الكرنك بالأقصر، وغيرها من العمليات التي كان أبرزها استهداف طائرة الركاب الروسية.

خطة التمويه

مؤخرًا أعلن تنظيم داعش سيناء أنه ينوي تحويل وجهته ضد تل أبيب، مهددًا بقصف أهداف عسكرية في دولة الاحتلال، وهو ما عده مراقبون تغيرًا في استراتيجية التنظيم، من الهيمنة على الأرض في شبة جزيرة سيناء المصرية إلى فتح خط مواجهة مباشر مع إسرائيل، بعدما فشل في تحقيق أهدافه في سيناء، سواء من حيث الغرض أو المكان، وبالتالي لجأ إلى تلك البدائل، حتى لا تتأثر معنويات أنصاره بفشله في سيناء وتخليه عن حلم “الولاية” بها، بينما عده آخرون نوعًا من التمويه على تمركزاته الحالية بواحة سيوة بالصحراء الغربية، ونجاحه في نقل كميات كبيرة من الأسلحة إليها عبر الحدود الليبية بالإضافة لمئات المقاتلين.

بقراءة موضوعية لما حدث بسيناء من تحولات خلال النصف الأخير من عام 2015 وحتى الآن، مقارنة بما قبله من فترة توتر وانتشار للعمليات الإرهابية ضد الجنود المصريين بشبه الجزيرة الصحراوية القابعة بالشمال الشرقي من مصر، نجد أن مبالغة داعش سيناء في تقديم العروض العسكرية واستهداف المواطن السيناوي وترويعه كان تحولًا ملفتًا، ورغم أن المشهد في سيناء مازال لا يخلو من عمليات تستهدف مواقع عسكرية، إلا أن أعدادها تراجعت بصورة ملحوظة عن ذي قبل؛ ما يعني النجاح الكبير للجيش المصري في تأمين تواجده بالمنطقة الملتهبة، ونجاحه في التضييق على العمليات الإرهابية المنظمة بوجه عام، ما يعني أن أي محاولة للتنظيم لترويع المواطنين لمنعهم من التعاون مع القوات المسلحة ضده وإظهار القوة أمام العالم الخارجي والدول والأجهزة الممولة له تعني فعلًا أنه في مأزق.

عمليات محدودة

ما يدعم تلك الرؤية هو إحصائيات العمليات الإرهابية في 2015 التي تؤكد أن التنظيمات الإرهابية في مصر أصبحت أقل شراسة عن ذي قبل، حيث بلغ عدد العمليات الإرهابية في 2015، أقل من 400 عملية، نسبة كبيرة جدًا منها عمليات فردية، مقارنة بأكثر من 600 عملية بعضها كبير جدًا في 2014.

إمارة سيوة

ما سبق لا يعني انتهاء الحرب المباشرة بين داعش سيناء والجيش المصري، واقتصارها على العروض العسكرية، ومطاردة بعض المواطنين والعاملين في بعض المرافق، فما زالت بعض العمليات الإرهابية تطارد الأهداف العسكرية والعسكريين، لكنها أقل شراسة وتأثيرًا عما سبق، بل إن التنظيم الإرهابي بات يفكر جديًا الآن – بحسب مصادر مطلعة – في نقل ثقله للصحراء الغربية، وتحديدًا واحة “سيوة” القريبة من الحدود الليبية، مستغلًا الوضع الليبي المتأزم، وانتشار التنظيمات الإرهابية بها، لفرض هيمنته على الواحة البعيدة عن التأمين المصري الحدودي غربًا، وإعلان “ولاية سيوة”؛ لتخفيف الضغط على التنظيم في سيناء، وإقناع مموليه وداعميه بقدراته الوجودية، وتأثيراته الفاعلة على الأرض.

مصادر “نون بوست” أكدت أن إعلان التنظيم عن استهداف مواقع إسرائيلية، نوع من التمويه فقط لمحاولاته نقل المعركة لواحة سيوة بالصحراء الغربية، لافتة إلى أن فرع التنظيم بليبيا أرسل بالفعل ما يقارب 200 من مقاتليه بالتعاون مع “كتيبة المرابطين” المتموقعة بواحة “جغبوب” الحدودية، عبر الصحراء الغربية، بـ”طريق الجمال” الوعر مستخدمة سيارات دفع رباعي، لاستهداف عدد من المنشآت السياحية، وإعلان “إمارة وهمية” تسمى سيوة، لتخفيف الضغط عن عناصرها بسيناء، بعد حملة الجيش المصري القوية “حق الشهيد”، التي أدت إلى الوصول إلى عدد كبير من القادة هناك.

محاولات فاشلة

الجيش المصري بالمقابل حاول تتبع أثر تلك العناصر بالاستعانة بأحد قصاصي الأثر بالواحات المصرية، يدعى “صالح قاسم”، قبل أن ينكشف أمره لأعضاء التنظيم الذي سارع باختطافه من منزله واقتياده إلى الواحات وذبحه، في رسالة على قوة ونفاذ تلك العناصر الآن بتلك المنطقة، بل إن طائرات القوات المسلحة المصرية حينما حاولت التعامل مع تلك العناصر لم تستطع تميزها بالمنطقة الوعرة وقصفت بالخطأ مجموعة من السياح المكسيكيين، بدعوى دخولهم منطقة محظور دخولها.

برؤى المراقبين فإن فشل الجيش المصري عسكريًا في التعامل مع عناصر داعش بسيوة، يوحي بأن هذا التنظيم تمكن بالفعل من التمركز، وتأمين نفسه بتلك المنطقة، وهو الآن في مرحلة التخطيط لإعلان الإمارة المزعومة، خصوصًا مع الدعم الكبير من “كتيبة المراقبين” الليبية التي أسسها ويتزعمها مقدم سابق بالجيش المصري يدعى هشام عشماوي، المقيم بمنطقة درنة الليبية الآن، واستطاع تجنيد أعدادًا كبيرة من سوريا والعراق وأفغانستان، وبات يشرف على المجلس العسكري لكتيبة شهداء بو سليم، التابعة لتنظيم القاعدة، كما يوجد معه عمر رفاعي سرور، المفتي الشرعي الآن للتنظيم بليبيا، الذي أفتى مرارًا بكفر وزندقة جنود وقادة الجيش المصري لدعمهم اللواء خليفة حفتر قائد الجيش الليبي، والمحسوب على نظام العقيد الراحل معمر القذافي، ويحارب الفصائل المسلحة هناك.

ما يزيد من وطأة الفشل العسكري في سيوة، هو الفشل الاستخباراتي المصاحب له، حيث اعترف عدد، ليس بقليل، من الخبراء العسكريين المصريين وثيقي الصلة بمصادر صنع القرار، بغياب المعلومات المتكاملة عن العناصر المصرية الموجودة في مثل هذه الإمارات التي تتبع القاعدة أو تنظيم داعش، والتي اهتمت بكامل تشكيلاتها بتدريب العناصر المصرية، من أجل استخدامها في حرب جبهات مفتوحة، أو حرب عصابات فيما بعد ضد الجيش المصري.

دروب جبلية خطرة

يدعم تلك التصورات ما نشرته صحيفة يديعوت أحرونوت الإسرائيلية مؤخرًا، نقلًا عن مصادر إسرائيلية، وصفتها بالمطلعة، أن عناصر تنظيم داعش في مدينتي سرت ودرنة الليبيتين، نجحوا في نقل العتاد العسكري إلى الصحراء الغربية المصرية بالقرب من واحة سيوة، بالإضافة لتهريب مئات العناصر من جنسيات أجنبية مختلفة، خصوصًا من دول منطقة القرن الإفريقي، ومنطقة مالي، تشاد، بوركينا فاسو، والنيجر، عبر واحة الكفرة تحت حماية ميليشيات مسلحة، مستخدمة أكثر من 40 دربًا صحراويًا لا تعلم عنها القوات المصرية شيئًا تقع بين السلوم وليبيا، بدءًا من مدينة بنغازي الليبية حتى تصل إلى جنوب منفذ السلوم البري، على ساحل البحر المتوسط، وحتى جنوب واحة سيوة بطول ما يقرب من ٢٠٠ كيلومتر، من أبرزها رأس الجدي والقرن ثم وادي عقرب قبل السلوم، وتليها الرابية، ثم ممر الكفْرة، في اتجاهين؛ الأول وحتى صحراء المنيا، مرورًا بمنطقة جبل الرومانية، وصولاً لمنطقة بئر ٦، ثم منطقة عين دالة، ويتم خلاله الوصول لمنطقة أبو منقار الصحراوية، بالإضافة إلى منطقة أبو شروف بمدينة سيوة، وجميعها تشكل خطرًا على أي جيش نظامي يحاول عبورها؛ لتشعبها وتداخلها وامتلائها بالكهوف والجيوب الجبلية، خصوصًا مع رفض القبائل هناك التعاطي مع الجيش وقوات الأمن خوفًا من مصير “قاسم”.