صناعة الإعلام الأميركية المتعثرة تشهد انتعاشا


صفقة استحواذ جديدة تلوح في صناعة الإعلام الأميركي المتعثر، بإعلان مجموعة “جانيت” الإعلامية الأميركية، الاثنين، عرض حوالي 815 مليون دولار للاستحواذ على مجموعة صحف “تربيون” المنافسة.

وتعتبر مجموعة “تربيون” ثاني أكبر شبكة من الصحف الأميركية على مستوى الأعمال، والثالثة من حيث التوزيع، ومقرها في مدينة شيكاغو الأميركية، وتمتلك العديد من الصحف منها شيكاغو تربيون ولوس أنجليس تايمز، بينما تمتلك مجموعة “جانيت” الموجودة في العاصمة الأميركية واشنطن، صحيفة يو.إس.أيه توداي إلى جانب أكثر من 100 صحيفة محلية أميركية.

وتعادل قيمة العرض 25.12 دولارا لكل سهم من أسهم مجموعة “تربيون بابليشينج كومباني” وهو ما يزيد بنسبة 63 بالمئة عن سعر السهم في ختام تعاملات الأسبوع الماضي.

وصرح جون جيفري رئيس مجلس مديري مجموعة جانيت في بيان ان الاندماج مع “تربيون سيؤدي إلى تقدم سريع في استراتيجية جانيت لتنمية شبكة يو.إس.أيه توداي نتورك وهي أكبر شبكة للصحافيين على المستوى المحلي والقومي في البلاد (الولايات المتحدة) لتشمل المزيد من الأسواق المحلية والمنصات الجديدة والتي نعتقد أنها ستفيد القراء وتؤدي إلى تحقيق قيمة كبيرة ومستدامة لمساهمي جانيت”.

وسيؤدي الاندماج في حال إتمام الصفقة إلى زيادة تركيز صناعة الصحافة المتعثرة، ويأتي في أعقاب تحرك الشركتين لفصل قطاعي الصحف عن نشاط التلفزيون لديهما.

وجاء إعلان جانيت عن العرض بعد أن رفضت إدارة تربيون في وقت سابق مناقشة فكرة الاندماج، علما أنه سبق للمجموعة أن عانت فترات تدهور خطير في السابق، أعلنت خلالها وضع نفسها “طوعا” تحت حماية قانون الإفلاس.

وينظر المراقبون إلى الصفقة على أنها بمثابة بداية مؤشر على إنعاش صناعة الصحافة في الولايات المتحدة التي تمر بأزمة خطيرة تهدد مستقبلها كمشروع تجاري هادف إلى الربح في ظل اتساع ظاهرة الإعلام الرقمي، حيث يعتمد الكثير من الأميركيين خاصة فئة الشباب على شبكة الإنترنت وبالأخص مواقع التواصل الاجتماعي في متابعة الأخبار اليومية ومعرفة أحدث المعلومات.

وحذر بعض المتابعين من تأثير الأزمة التي باتت أكثر وضوحا بعد أن ارتفعت خسائر الصحف الورقية، وأضيف محور المشاكل المالية إلى محور المنافسة الشرسة التي تواجهها من شبكة الإنترنت، وباتت مصدرا أساسيّا للجمهور في استقاء المعلومات بما يزيد من التحديات التي تواجهها الصحافة الأميركية.

وكانت أحد الأسباب التي دفعت أصحاب “واشنطن بوست” إلى مواكبة هذه الظروف، وبيع الصحيفة الرائدة، ووفقا لتصريحات أذيعت في حينها عام 2013، تحدث فيها ملاك واشنطن بوست بصراحة عندما حددوا مكمن أزمة الصحف الورقية قائلا “إن الأزمة المالية التي اجتاحت الصحيفة” إضافة إلى الانترنت، والتغير التاريخي من الطباعة إلى التكنولوجيا الرقمية”.

وقال دونالد غراهام الرئيس التنفيذي لشركة واشنطن بوست المالكة للصحيفة في مقابلة مع صحيفته الرائدة “كان من الممكن أن تستمر واشنطن بوست في ظل ملكية الشركة وتحافظ على ربحيتها في المستقبل المنظور، ولكننا أردنا أن نتجاوز مرحلة الاستمرار”.

وتكافح الصحف في الولايات المتحدة، منذ أكثر من عقد، لتعويض تراجع عائدات الإعلانات المطبوعة، واضطرت بعض الصحف بتأثير الانتشار المكثف لمواقع الإنترنت، إلى التخلي عن الورق لصالح الموقع الإلكتروني. رغم أن الإعلانات على شبكة الإنترنت تعاني هي الأخرى من مشاكل عديدة، فمعظم القراء لا يميلون إلى الدفع من أجل الوصول إلى المحتوى، وأصبحوا يعتمدون بشكل متزايد للحصول على أخبارهم من فيسبوك وتويتر، أو تصفح شبكة الإنترنت والمواقع الإخبارية باستخدام أدوات منع الإعلانات blockers ad التي سببت أزمة مالية كبيرة للمواقع.

وذكرت تقارير إخبارية أن هذا الأمر كلف الصحف الإلكترونية في الفترة من أغسطس 2014 إلى عام 2015، ما يقرب من 22 مليار دولار فى الولايات المتحدة.

إلا أن المتابعين اعتبروا أن الانتعاش في صناعة الإعلام الورقي بدأ في أوروبا رغم هذه الظروف، وأشاروا إلى صفقات من قبيل بيع مجموعة فاينانشيال تايمز البريطانية، إلى مجموعة نيكي الإعلامية اليابانية مقابل 1.3 مليار دولار، وهي الصفقة التي أغرت دار النشر البريطانية بيرسون، بإعادة خطوة البيع في حصتها أيضا في مجموعة ذي إيكونوميست. وذكر متخصصون أن الاستثمارات الإعلامية تشهد تحركات واسعة، تترافق فيها وسائل الإعلام التقليدية إلى جانب الرقمية.

وأشار المدير التنفيذي لشركة “نيوز ووركس″ روفوس أولينز إلى أن “الصحف تمر بثورة استثنائية في الوقت الراهن، لأن معظم الأفراد يقرؤون الأخبار على الورق أو على الإنترنت سواء عبر الهاتف النقال أو اللوحة الإلكترونية”.

وأكد أولينز أن ذلك يعني “أننا نقوم بخليط من كل هذا، مما جعل السوق أكثر تعقيدا، وهذا الأمر لديه مزايا عديدة، لكنه يتسبب في ضغوط كثيرة على بعض الناشرين”.

ومن ناحيتها رأت إيما تاكر نائبة مدير التحرير في ذي تايمز أنها لا تنكر أن المستقبل يتجه إلى كل ما هو رقمي، ولكن “قد وجدنا أيضا أن القراء مازالوا يحبون النسخة الورقية، لا سيما في أيام السبت حيث مبيعاتنا أقوى”.

ولهذا يستبعد العاملون في صناعة الصحافة اختفاء النسخة الورقية للصحف، فقد وجدت منذ قرون وتخطت تحديات ظهور الراديو والتلفزيون قبل بدء عصر الثورة الرقمية والإنترنت.