لماذا تفشل أمريكا في تعزيز الديمقراطية في البلدان الأخرى؟

28 نيسان (أبريل - أفريل)، 2016
10 minutes

فورين بوليسي –

ليس هناك وسيلة سريعة ورخيصة أو حتى عسكرية لإحلال السلام في أماكن مثل أفغانستان واليمن والعراق. لقد حان الوقت لتغيير النهج الأمريكي، ويمكن أن نبدأ في الداخل.

إذا كنت من أتباع وودرو ويلسون المخلصين، فربما شعرت بخيبة أمل مما حدث في الربع قرن الماضي. لقد كانت الديمقراطية الليبرالية المقنعة هي الصيغة السياسية الوحيدة القابلة للتطبيق في عالم يتجه نحو العولمة. تبنت آخر ثلاث إدارات أمريكية المُثل الويلسونيّة وجعلت تعزيز الديمقراطية عنصرًا أساسيًا في السياسة الخارجية للولايات المتحدة. بحسب بيل كلينتون، كانت “استراتيجية الأمن القومي للاشتباك والتوسع.” وبالنسبة لجورج دبليو بوش، كانت “أجندة الحرية” المنصوص عليها في خطاب تنصيبه الثاني والتي رددها كبار المسؤولين مثل كوندوليزا رايس. أما باراك أوباما، فقد كان ويلسونيًا أقل حماسًا من سابقيه، ولكنه عيّن الكثير من الأمميين الليبراليين المتحمسين لإدارته، معلنًا أنّه “ليس هناك حق أكثر جوهرية من القدرة على اختيار قادتكم.” ودعم علنًا التحوّلات الديمقراطية في مصر وليبيا واليمن والعديد من البلدان الأخرى.

للأسف، يشير كتاب سيصدر قريبًا من تأليف لاري دايموند ومارك بلاتنر إلى أن هذه الجهود الرامية إلى تعزيز الديمقراطية لم تحقق أي نجاح على الإطلاق. قصص النجاح الأخيرة مثل إنهاء الحكم العسكري في ميانمار تتساوى مع الإخفاقات الواضحة في ليبيا، واليمن، والعراق، والتراجع الواضح في تركيا، المجر، روسيا، وبولندا، وغيرها، والخلل الديمقراطي في الاتحاد الأوروبي وفي الولايات المتحدة نفسها. ويشير دايموند في مساهمته في الكتاب، إلى أنَّ ما يقرب من ربع الديمقراطيات في العالم قد تآكلت أو انتكست في السنوات الثلاثين الماضية.

ربما تعتقد أن واقعيًا مثلي لا يهتم بنظام الدولة أو المؤسسات المحلية ويهتم بدرجة أقل بهدف تعزيز الديمقراطية. ولكنك مخطئ تمامًا. يعترف الواقعيون بأهمية النظام والترتيبات الداخلية (في الواقع، كتب كينيث والتز كتابًا كاملًا يقارن فيه بين الأنظمة الديمقراطية المختلفة)؛ إنّهم يعتقدون أن القوة النسبية والحاجة إلى الأمن عادة ما تكون أكثر أهمية، وأنَّ الضغوط النظامية غالبًا ما تدفع الأنظمة المتباينة للتصرف بطرق مشابهة على نحو لافت للنظر.

ومع ذلك، هناك أسباب وجيهة لتفضيل الواقعيين للديمقراطية مع استمرار مراعاة المخاطر المرتبطة بالتحوّلات الديمقراطية. الديمقراطيات المستقرة لديها سجلات أفضل على مستوى النمو الاقتصادي طويل المدى (في المتوسط) وتتفوق في حماية حقوق الإنسان الأساسية. وفي حين أنها ليست محصنة ضد مختلف الحماقات، إلّا أن تلك الديمقراطيات أقل عرضة لقتل أعداد كبيرة من مواطنيها من خلال المجاعات أو إجراءات سيئة التخطيط في الهندسة الاجتماعية، لأنّه من السهل الوصول إلى المعلومات التصحيحية أكثر سهولة من محاسبة المسؤولين. من المحتمل أن تخوض الديمقراطيات الحروب مثل الدول الأخرى، ولكن هناك بعض الأدلة (المتنازع عليها) بأنها لا تميل إلى محاربة بعضها البعض. ولذلك، أعتقد أن انخفاض عدد الديمقراطيات في العالم سيكون في صالح معظم البشر.

ولكن السؤال هو: كيف نحقق هذا الهدف؟

نحن نعرف العناصر التي لا تنجح ولدينا فكرة جيدة عن الأسباب. من بين تلك العناصر التدخل العسكري (ويُعرف أيضًا باسم “تغيير النظام المفروض من الخارج”). فكرة أن الولايات المتحدة يمكن أن تتدخل في دولة ما، وتسقط الطاغية وأعوانه، وتصيغ دستورًا جديدًا، وتجري بعض الانتخابات، وتؤسس ديمقراطية مستقرة في وقت قصير، كانت دائمًا فكرة وهمية، ولكن الكثير من الناس يقتنعون بهذه الفكرة على الرغم من الأدلة التي تثبت عدم صحتها.

لقد فشل استخدام القوة العسكرية لنشر الديمقراطية لعدة أسباب واضحة. أولًا، تعتمد الأنظمة الليبرالية الناجحة على أكثر من مجرد دستور مكتوب أو انتخابات، وعادة ما يتطلب الأمر وجود نظام قانوني فعّال، والتزام واسع بالتعددية، ومستوى لائق من الدخل والتعليم، والثقة على نطاق واسع بأن الجماعات السياسية التي تخسر في الانتخابات لديها فرصة جيدة للتقدم على نحو أفضل في المستقبل، مما يمنحها حافزًا للاستمرار في العمل داخل النظام. ولأنَّ الكثير من العناصر الاجتماعية تحتاج إلى الاصطفاف لنجاح واستمرار هذا الترتيب، فقد استغرق خلق ديمقراطيات فعّالة العديد من القرون في الغرب، وكان في كثير من الأحيان عملية مثيرة للجدل وعنيفة كذلك. ولذا، فإنَّ الاعتقاد بأن الجيش الأمريكي يمكنه تصدير الديمقراطية بسرعة وبتكاليف زهيدة يتطلب قدرًا من الغطرسة لا يزال من المثير الحديث عنها.

ثانيًا، استخدام القوة لنشر الديمقراطية دائمًا ما يخلق مقاومة عنيفة. القومية وغيرها من أشكال الهويّة المحلية تبقى مميزات قوية في عالم اليوم، ومعظم الناس لا يطيقون الأنظمة التي تعقب المحتلين الأجانب المسلّحين جيدًا. وعلاوة على ذلك، فإنَّ الجماعات التي فقدت السلطة والثروة، أو أي مكانة في سياق الانتقال الديمقراطي (مثل السُنة في عراق ما بعد صدام) تميل حتمًا إلى حمل السلاح أثناء المعارضة، وربما تحاول الدول المجاورة التي تأثرت مصالحها سلبًا الانتقال إلى وقف أو عكس تلك المعارضة. هذه التطورات هي آخر شيء تحتاجه أي ديمقراطية متعثرة، بطبيعة الحال، لأنَّ العنف يميل إلى تمكين القادة الذين يجيدون استغلال العنف، بدلًا من أصحاب المهارات في بناء مؤسسات فعّالة، وإبرام الصفقات عبر أسس وظيفية، وتعزيز التسامح، وبناء اقتصاديات منتجة وأكثر قوة.

ما زاد الطين بلة هو أنَّ المحتلين الأجانب نادرًا ما يعرفون ما يكفي لاختيار السكّان المحليين المناسبين لتولي القيادة، وحتى الجهود المبذولة لمساعدة الحكومة الجديدة تتجه لتغذية الفساد وتشويه السياسة المحلية بطرق غير متوقعة. إنَّ خلق ديمقراطية في بلد أجنبي هو مشروع هندسة اجتماعية ضخم، وتوقع أن تقوم القوى الخارجية بهذا المشروع على نحو فعّال هو كمن يطلب من شخص ما بناء محطة للطاقة النووية، دون أي مخططات، في منطقة نشطة بالزلازل. في كلتا الحالتين، نتوقع حدوث انهيار سريع.

خلاصة القول هي أنّه لا توجد وسيلة سريعة ورخيصة، أو يمكن الاعتماد عليها على الغرباء للتخطيط للتحوّل الديمقراطي وخاصة عندما يكون البلد المعني لديه القليل أو ليس لديه أي خبرة سابقة، ويعجّ بالانقسامات الاجتماعية العميقة.

لذلك، فإذا كان تعزيز الديمقراطية أمرًا مرغوبًا فيه، والقوة ليست هي الأداة المناسبة، فما هي الأداة المناسبة؟ اسمحوا لي أن أقترح نهجين شاملين هنا.

النهج الأول هو الدبلوماسية. عندما يكون هناك حركة أصلية وحقيقية كبيرة وملتزمة بالديمقراطية – كما كان الحال في أوروبا الشرقية خلال “الثورات المخملية” أو في ميانمار اليوم – يمكن أن يستخدم الغرباء أشكال أكثر دهاءً من النفوذ لتشجيع التحوّلات التدريجية. وقد فعلت الولايات المتحدة ذلك بنجاح في عدد من المناسبات (على سبيل المثال، كوريا الجنوبية والفلبين، وغيرها) من خلال ثباتها وصبرها واستخدام أدوات غير عسكرية مثل العقوبات الاقتصادية. في هذه الحالات، كان يجري بناء الحركة المؤيدة للديمقراطية منذ سنوات عديدة، وحظيت بدعم اجتماعي واسع النطاق في الوقت الذي وصلت فيه إلى السلطة. الاعتماد على الدبلوماسية قد لا يكون مثيرًا مثل “الصدمة والرعب” التي يخلقها الغزو العسكري، لكنه أقل تكلفة وأكثر عرضة للنجاح.

الشيء الثاني الذي يمكننا القيام به هو وضع نموذج يحتذى به. من المرجح أن يحتذى الآخرون بالمُثل الديمقراطية الأمريكية في حال النظر إلى الولايات المتحدة باعتبارها مجتمعًا عادلًا ومزدهرًا، ونابضًا بالحياة، يسوده التسامح، بدلًا من متجمع تنتشر فيه عدم المساواة، ويتحدث فيه بعض الساسة البارزين عن رهاب الأجانب، ويكون فيه عدد السجناء هو المعدل الأعلى في العالم، والمطارات والبنية التحتية العامة الأخرى متحللة بشكل واضح، ولكن لا أحد يبدو قادرًا على فعل أي شيء حيال ذلك. عندما يتم استبعاد الملايين من المواطنين المؤهلين من التصويت، أو عندما تؤثر حفنة من المليارات ومصالح الأثرياء بشكل غير متناسب على السياسة الأمريكية، فإنه ليس من المستغرب أن تجد مجتمعات أخرى مُثل أمريكا المعلنة أقل جاذبية مما كانت عليه في السابق. هذا بالإضافة إلى غوانتانامو، وأعمال القتل، وسجن أبو غريب ومراقبة وكالة الأمن القومي المفرطة، وعدم الرغبة في محاسبة المسؤولين عن جرائمهم وآثامهم، ومن ثمّ ينتهي بك الأمر مع سُمعة مشوّهة.

باختصار، من الممكن أن تقوم الولايات المتحدة بعمل أفضل لتعزيز الديمقراطية في بلدان أخرى إذا طبقت مُثلها هنا في الداخل أولًا. الإصلاحات الضرورية لن تكون سهلة – وليس لدي وصفة سحرية لتحقيقها – ولكن إصلاح الولايات المتحدة  يجب أن يكون أسهل من محاولة خلق دولة ديمقراطية قوية في أفغانستان واليمن، أو أي من الأماكن الأخرى التي كنا نقصفها لمدة عشر سنوات أو أكثر.

إنَّ بناء نسخة أفضل من أمريكا يسمح لمزيد من الأمريكيين أن يعيشوا حياة مزدهرة، باعثة على الفخر، وآمنة. ربما أنا أحلم، ولكن هل بذل المزيد من الجهد لتحسين حياة الأمريكيين هنا في الداخل سيكون أفضل وسيلة لتعزيز آفاق الديمقراطية في الخارج؟