عثرت الشرطة البريطانية على جثة المواطن المصري عادل حبيب ميخائيل داخل سيارة محترقة في مرآب سيارات بضاحية ساوث هول بالعاصمة لندن، وذلك بعدما أبلغ راعي الكنيسة المصرية في لندن قنصلية بلاده بالعثور على جثة المواطن داخل سيارة محترقة.

حيث تحرك القنصل العام المصري واتصل بوالد المواطن وتوجها معًا إلى المستشفى الذي يوجد به، وتبين أنه توفي فور وصوله، في الوقت الذي لا زالت تجري السلطات البريطانية التحقيق حول الحادث وملابساته الغامضة.

هذا الحادث استدعى تحركًا فوريًا من الأجهزة المصرية لم نعتده في حوادث كثيرة مماثلة، حيث أصدرت الرئاسة المصرية بيانًا عاجلًا طالبت فيه السلطات البريطانية بتكثيف تحرياتها وجهودها من أجل الكشف عن غموض حادث مقتل مواطن مصري في لندن و”استجلاء ملابسات مقتله، وتحديد الجناة وإلقاء القبض عليهم لينالوا عقابًا رادعًا بموجب القانون”.

وأكد بيان الرئاسة تقديم التعازي لأسرة القتيل، بالإضافة إلى متابعة التحقيقات عن كثب بشأن هذا الحادث، للوقوف على ملابسات وقوعه، لاسيما كما يقول البيان إن “الدولة المصرية تولي عميق الاهتمام للحفاظ على حياة كافة مواطنيها سواء المقيمين على أرض الوطن أم فى الخارج”.

كما أعلنت وزارة الخارجية أن القنصل العام المصري في لندن، السفير علاء يوسف، يقوم بمتابعة التحقيقات التي تجريها الشرطة البريطانية، بهدف التعرف على أسباب الحادث، وتقديم كافة سبل العون والمساعدة لأسرة المواطن.

إلى هذا الحد فالأمر يعد تصرفًا طبيعيًا من أي حكومة تجاه أحد مواطنيها ضحية جريمة قتل في دولة أجنبية، إلا أن ما يُثير علامات التعجب والاستفهام كثيرًا محاولة مقارنة هذه الحالة بوضع مأساة مقتل الطالب الإيطالي “جوليو ريجيني” في مصر بعد اختفائه ليظهر جثة هامدة عليها علامات تعذيب واضحة طبقًا لتشريح الجثمان، إذا سلمنا أن الوضع الأخير مع بريطانيا تصرفًا طبيعيًا من الجانب المصري – وهو أمر غير مسلم به -.

بريطانيا ليست مصر

بمقارنة الحالتين – كما أحب الإعلام الموالي للنظام في مصر أن يفعل – تخفيفًا من وطأة جريمة مقتل الشاب الإيطالي في مصر دون الكشف عن حقيقة مقتله حتى اللحظة، يجب علينا أن نأخذ بعين الاعتبار أن الشرطة البريطانية لا زالت تحقق في الأمر، ولم تعلن أن الأمر مجرد حادث عرضي كما أعلن ضابط المباحث المصري في أول الأمر في قضية ريجيني.

لم تُخرج بريطانيا شاهدًا مزورًا إلى الرأي العام ليقول إن المواطن المصري عادل ميخائيل نشبت بينه وبين صديقه مشاجرة قرب القنصلية المصرية، ثم تراجع عن هذه الشهادة بعد افتضاح أمر كذبها.

لم تقتل بريطانيا أربعة متهمين وادعت أنهم عصابة تنتحل صفة ضباط شرطة بريطانيين لاختطاف الأجانب وسرقتهم بالإكراه ثم حرق جثثهم داخل السيارات، ولم تقل إنها عثرت بحوزتهم على متعلقات للمواطن المصري المقتول.

لم تدعِ الشرطة البريطانية أن عصابة أخرى متورطة في قتل المواطن عادل ميخائيل غير الذين قتلوا دون حساب في المرة الأولى، ليصبح هناك عصابتين متهمتين في قتل المواطن المصري، وعلى الرأي العام أن يختار إحداهما.

لم تطل الشرطة البريطانية اتهامات بقتل المواطن المصري ولم تثر الشكوك حول الضباط الذين يتولون التحقيق في قضية مقتل المواطن المصري، ولم يتهم أي ضابط من ضباط التحقيق في الحادث بقضايا تعذيب في السابق ببريطانيا.

وبالنظر إلى أوضاع حقوق الإنسان في بريطانيا للوهلة الأولى، فالأمر ليس واردًا أن يُعتقل عادل حبيب مخائيل من الشارع لمجرد الاشتباه، ليعذب في أحد مراكز شرطة لندن ثم لتحرق جثته في سيارة.

كما أننا لم نر في بريطانيا 60 ألف معتقل سياسي، ولا مئات المختفين قسريًا من المعارضين، ولا عشرات القتلى من ضحايا التعذيب في أقبية أمن الدولة، حتى نقول إن الشرطة البريطانية تمارس عادتها اليومية، ولا يمكن بأي حال من الأحوال أن تخرج أم “عادل ميخائيل”  – مع خالص عزائنا لها – لتقول: “قتلوه كما لو كان بريطانيًا” كما صرخت أم الطالب الإيطالي.

لم يتهم الجانب المصري الجانب البريطاني بإخفاء المعلومات في القضية عن فريق التحقيق المصري – الذي لم يشكل ولن يشكل -، وبالطبع لم ترفض بريطانيا وصول أي وفد خارجي للتحقيق في القضية.

لم تخرج بريطانيا ومسؤولوها ليعلنوا أن الحادث مؤامرة على بريطانيا ومحاولة لإفساد العلاقات مع مصر، ولم تستدع السلطات المصرية فريق التحقيق البريطاني إلى القاهرة ووجدت منه تحججًا وتذرعًا وتأخرًا كما فعل المصريون مع قضية ريجيني، ولم يخرج المصريون معلنين أن الفريق البريطاني يتلاعب بهم.

لم تعتقل بريطانيا مؤخرًا محامي أسرة المواطن المصري عادل ميخائيل، ولم تتهمه بالتظاهر ضد النظام، كما حدث مع المستشار القانوني لأسرة ريجيني في مصر.

كما أن وكالة أنباء رويترز لم تخرج لتعلن أن مصادر مختلفة من داخل أجهزة الأمن والاستخبارات البريطانية أكدت لها أن المواطن المصري اعتقل في مقار أمنية بريطانية مختلفة وعذب حتى الموت، ولم نسمع عن أعضاء بمجلس العموم البريطاني يقدمون بلاغات في وكالة رويترز يتهمونها بأنها “إخوان”.

لم نر ولم نسمع في الإعلان البريطاني سبابًا للمواطن المصري المقتول، ولن تخرج مذيعة بريطانية لتقول “يغور عادل ميخائيل في داهية”.

الواضح من الأمر أن السادة الحكام في مصر ومن بيدهم الأمر نُصحوا نصيحة “عرجاء” من أحد عرابي النظام بأن يستغلوا الحادث بغرض “الغلوشة” على قضية مقتل الباحث الإيطالي “جوليو ريجيني”، وهذا ليس من باب الحرص على حق المصري المقتول وإنما من باب مكايدة بريطانيا التي خرجت قبل أيام على لسان الخارجية البريطانية  لتعرب عن “خيبة أملها” لعدم إحراز تقدم في التحقيق بقضية الطالب الإيطالي ريجيني.

ولو كان الأمر كذلك من الحرص على أرواح المواطنين المصريين لن نطالب بفتح تحقيقات في مقتل من مئات المتظاهرين في مصر دون أية تحقيقات منذ أحداث الثلاثين من يونيو وحتى اللحظة وهو أمر مشروع بالطبع وواجب، ولكن تجاوزًا سنطالب برد فعل مصري على عشرات الحوادث المماثلة التي تقع يوميًا لمصريين في دول الخليج.

فهل تجرؤ الرئاسة المصرية على مطالبة الكفيل الخليجي بما طالبت به بريطانيا بعد بضعة ساعات من اكتشاف جريمة قتل لمواطن مصري؟ ولماذا لم تخرج الرئاسة المصرية قبل شهرين بيانًا يشجب دهس مواطن مصري بالسيارات في السعودية من قبل شباب سعوديين بعد خلاف على أولوية المرور؟ وفي حادث مماثل العام الماضي بدولة الكويت لقي أحد المصريين مصرعه تحت عجلات سيارة كويتية، فهل سمعنا مسؤول مصري يجرؤ على معاتبة الحكومة الكويتية أو السعودية في شئء من هذا؟

للأسف لن تستطيعوا القول والادعاء أن المواطن المصري قُتل في بريطانيا على يد الشرطة أو النظام هناك بعد تعذيبه، وربما يُصاب الجانب المصري بخيبة أمل بعدما تظهر تحقيقات الشرطة في بريطانيا بأسرع مما يتخيلوا ملابسات هذا الحادث.