ما الذي تريده السلطات الأردنية من الإخوان؟


بعد قرابة الأسبوعين من قرار محافظ عمان، القاضي بمنع جماعة الإخوان من إجراء انتخاباتها الداخلية التي كانت مقررة مطلع نيسان الجاري، قامت قوات الأمن الأردنية بإغلاق المركز العام للجماعة، وتشميعه في الثالث عشر من الشهر الجاري.

إقدام السلطات الأردنية على تصعيد إجراءاتها ضد الجماعة أثار جملة من التساؤلات حول الأسباب الحقيقية الكامنة وراء إجراءات التصعيد تلك، فما الذي تريده السلطات الأردنية من الإخوان في هذه المرحلة تحديدا؟ وهل الأمور مرشحة لمزيد من التصعيد والتأزيم، أم إنها سحابة صيف سرعان ما تنقشع لتعود المياه إلى مجاريها وسابق عهدها بين الدولة والجماعة؟

ونفى عضو المكتب التنفيذي للجماعة أحمد الزرقان، أن تكون السلطات الأردنية طلبت من الجماعة طلبات سياسية محددة سواء أكانت شفوية أم كتابية، وأن كل ما قيل لهم لا يعدو المطالبة بتصويب أوضاع الجماعة القانونية.

وأضاف الزرقان في حديثه لـ”عربي21“: “لقد قال لنا رئيس الوزراء في أول لقاء معه أنتم موجودون وهم موجودون (في إشارة منه لجمعية الإخوان المسلمين المرخصة بقيادة عبد المجيد الذنبيات المراقب العام الأسبق للجماعة) وإذا حصل خلاف بينكم فمرده إلى القضاء”.

وتابع الزرقان: “عندما طلبت السلطات الأردنية من الجماعة تصويب أوضاعها القانونية، سعينا للتفاهم مع الجهات الحكومية المعنية وفقا لطلبهم، إلا أننا لم نجد تجاوبا لتسوية الأوضاع المتأزمة، وحل المشاكل العالقة بين الجماعة والحكومة”.

وتوضيحا لموقف قيادة الجماعة (التاريخية) من اقتراح انضوائها تحت مظلة جمعية الإخوان المسلمين المرخصة، درءا للملاحقات القانونية والأمنية، أكدّ الزرقان رفض الجماعة بمختلف تياراتها ورموزها هذا الاقتراح رفضا تاما.

وفي السياق ذاته، وتفسيرا لقرار السلطات الأردنية بإغلاق المقر العام لجماعة الإخوان المسلمين، رأى أستاذ العلوم السياسية في الجامعة الهاشمية الأردنية جمال الشلبي، أنه يمكن قراءة هذا القرار باستحضار عدة خلفيات وعوامل: أولها أنه يأتي كردة فعل من الدولة الأردنية على ما قام به الإخوان في الحراكات الشعبية والثورية إبان الثورات العربية.

وأضاف الشلبي: يبدو أن السلطات الأردنية تريد أن تُدفع الإخوان ثمن مواقفهم تلك، والتي كانت تمثل تحديا للدولة الأردنية على أكثر من صعيد، فما قامت به السلطات الأردنية يمكن اعتباره لونا من ألوان الثأر المتأخر – إن جاز التعبير – من الإخوان جراء مواقفهم السابقة على حد قوله.

أما المدخل الثاني الذي يمكن من خلاله تفسير قرار الإغلاق، فيندرج وفقا للشلبي في إطار تماهي الدولة الأردنية مع مواقف الدول الخليجية المعتبرة جماعة الإخوان خطرا يتهدد وجودها، مع ما يحققه الأردن من مكاسب ومصالح اقتصادية جراء تعاونه وتنسيقه مع دول الخليج في هذا المجال.

ولفت الشلبي إلى وجود موجة دولية عالمية تهدف إلى محاصرة الإخوان المسلمين، ولا يمكن للأردن أن يكون مستثنيا أو متأخرا عن هذا الموقف، إذ يأتي موقفه في إطار التأقلم مع المحيط الإقليمي والدولي في محاصرة الإخوان والتضييق عليهم.

واستبعد الشلبي في جوابه عن سؤال “عربي21“، أن يكون من أسباب اتخاذ قرار الإغلاق ضغط الدولة الأردنية على الإخوان لإجبارهم على القبول باتفاقية وادي عربة مع إسرائيل طبقا لما تداوله نشطاء على الـ”فيسبوك”، معللا ذلك بأن موقف الجماعة عمليا لا يعيق السياسة الأردنية في هذا الاتجاه ولا يؤثر عليها أبدا.

وحول قراءته لمستقبل العلاقة بين الدولة والجماعة، بيّن الشلبي أن الاحتمالات تدور بين خيارين: أولهما استجابة الجماعة لمتطلبات المرحلة بالخضوع التام لشروط “قوننة” الجماعة وتماشيها مع سياسة الدولة، أو تصلب الجماعة في مواقفها، ما يعني المزيد من التأزيم وتوسع الدولة في إجراءات التصعيد تجاه الجماعة.

من جانبه رأى الكاتب والباحث السياسي حازم عياد، أن أصل الأزمة بين الدولة الأردنية والجماعة يرجع إلى أن الطرفين طالبا بعضهما بسقوف لا يمكن لكل طرف منهما القبول بها ضمن المرحلة التاريخية الحالية، فالدولة ترى نفسها منتصرة، خاصة بعد سقوط الرئيس محمد مرسي، وهي تسعى لاستثمار اللحظة التاريخية إلى أقصى حدودها الممكنة لتحقيق مكاسب سياسية في علاقتها مع الحركة الإسلامية.

وأضاف عياد في المقابل: “وجد الإخوان المسلمون في الربيع العربي فرصة لإحداث إصلاحات حقيقية اعتبرتها الدولة سقوفا مرتفعة، فكلا الطرفين سعى لاستثمار الظرف التاريخي لصالحه، ولكن الرسائل المتبادلة بينهما كانت ذات نتائج سلبية”.

وحول توقعاته لمسار الأحداث بين الدولة والجماعة مستقبلا، أوضح عياد لـ”عربي21” أن ذهاب الدولة باتجاه القمع الأمني سينتج عنه آثار سلبية تمس قطاعات واسعة من المجتمع الأردني، وستعمق الأزمة السياسية والاقتصادية في الأردن، والأمر مرهون بإعادة التقييم الدائمة للحالة السياسية المتقلبة.

أما عن موقف الحركة الإسلامية في ظل الأزمة الراهنة، فأشار عياد إلى أن الظروف القائمة لا تسمح للحركة بالإصرار على مطالبها الإصلاحية بسقوفها المرتفعة كما تنظر إليها الدولة، ولا بد من الالتقاء على تفاهمات يتوافق عليها الطرفان.

وخلص عياد إلى القول بأن معطيات الواقع تدفع باتجاه التأزيم بين الطرفين، لانعدام الحوار والتواصل بينهما، الأمر الذي سيترك آثاره السيئة على الحياة السياسية والاقتصادية برمتها في الأردن، تحت وقع أحداث إقليمية ملتهبة تجتاح المنطقة بأكملها.