الراعي الكذّاب.. كيف يستغل السيسي الإرهاب لتحقيق مكاسب سياسية؟
29 أبريل، 2016
فورين آفيرز –
في 7 مارس عام 2016، أعلنت وزارة الداخلية المصرية أسماء الجماعات المسؤولة عن اغتيال النائب العام المصري هشام بركات.
وجاء هذا الإعلان بعد تسعة أشهر على وفاته في واحدة من أبرز الهجمات في الذاكرة الحديثة. في شريط فيديو يصوّر اعترافات القتلة، يروي المتهم تفاصيل مؤامرة من الإخوان المسلمين شملت فترة تدريب مع حركة حماس في غزة من أجل تنفيذ التفجير الذي وقع في يونيو عام 2015. وفي النهاية، أغلقت الوزارة ملف القضية.
المزاعم ضد الإخوان المسلمين وحماس لا تشير في الواقع إلى أي معلومات جديدة حول تورط هذه الكيانات في عملية الاغتيال.
وقد أشار مسؤولون مصريون بالفعل إلى الإخوان ومعسكرات التدريب في غزة بعد وقت قصير من وقوع الهجوم. كما أوضحوا محاولات مصر لحشد الدعم للنظام عن طريق صرف الانتباه عن تصاعد الانتقادات الداخلية نحو مشاكل أو أطراف أخرى. ولكن من خلال اعتماد هذا النهج، فشلت أجهزة الأمن المصرية في معالجة التهديدات الحقيقية التي تواجهها البلاد.
رفاق سلاح؟
بدأت الموجة الأخيرة من الاضطرابات في مصر في منتصف عام 2013، في أعقاب الإطاحة بالرئيس المصري محمد مرسي. ومنذ ذلك الحين هزّت الهجمات الإرهابية البلاد، لا سيما في شمال سيناء المضطربة. واتهم الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي جماعة الإخوان المسلمين بتدبير أعمال العنف وألقت قوات الشرطة المصرية القبض على أكثر من 12 ألف من أعضاء الجماعة بتهمة الإرهاب منذ يوليو عام 2013. وتم اعتقال بعض أعضاء الإخوان بتهم ارتكاب جرائم صغيرة، مثل حيازة مواد مؤيدة لمرسي أو تنظيم احتجاجات مناهضة للانتخابات أثناء الانتخابات الرئاسية لعام 2014 (التي فاز بها السيسي بأغلبية ساحقة).
هناك بعض الأدلة التي تشير إلى أنَّ أيدي الإخوان المسلمين ليست نظيفة تمامًا في كل هذا العنف. لقد خلق الصراع الداخلي على السُلطة بين الأعضاء المخضرمين السلميين للجماعة وبين الأعضاء الشباب، الذين هم أكثر انفتاحًا لاستخدام القوة، العديد من الانشقاقات داخل الجماعة. جماعات مثل العقاب الثوري وحركة المقاومة الشعبية التي نفذت هجمات على الشرطة والقضاء، وغيرها من الأهداف، يرجع ظهورها إلى “الصعود المذهل لأفكار القيادة الثورية الجديدة للجماعة“. لكن من الصعب تحديد حجم الدور المباشر للإخوان في أنشطة الجماعة.
هذا الغموض هو الذي جعل محاولات وزارة الداخلية لاتهام الإخوان في حادثة اغتيال بركات أكثر أهمية. إذا أراد السيسي التحكم في السردية المنتشرة داخل مصر بأن جماعة الإخوان المسلمين هي جماعة إرهابية، يجب عليه أن يثبت أنها ترعى أعمال العنف. ربما شملت الاعترافات المسجلة على تفاصيل دقيقة حول دور الإخوان في عملية الاغتيال، لكن شريط الفيديو نفسه هو أكثر سينمائية من حقيقة موجّهة. في الواقع، هذا الإصدار الأخير ما هو إلا عينة من سلسلة من الأشرطة ذات الصلة التي أصدرتها الحكومة المصرية في السنوات الأخيرة. يُظهر الفيديو عناصر مماثلة تشير إلى أن أعضاء جماعة الإخوان المسلمين تلقوا تدريبات مع قوات أخرى في غزة وأنَّ الهجوم تمّ تنفيذه بناءً على طلب من كبار الشخصيات داخل الجماعة، ربما من مرسي نفسه.
توجيه الاتهامات
المزاعم في القاهرة بأنَّ حماس متورطة في الهجوم تضفي بعض العمق على هذه الاتهامات. من ناحية، تُعدّ إشارة للشعب المصري بأن الدولة تقع تحت تهديد من عملاء في الخارج؛ وهو الخطاب الذي اعتمدت عليه القاهرة في كثير من الأحيان خلال فترات تراجع الشعبية. على سبيل المثال، في عام 2011، ادّعى وزير الداخلية المصري السابق حبيب العادلي أنَّ هناك “ادلة دامغة” تثبت أنَّ جماعة جيش الإسلام، الجماعة الإرهابية التابعة لحماس، نفذت تفجير كنيسة القديسين في الإسكندرية. وجاء إعلان العدلي في ذروة أزمة شرعية النظام، قبل يوم واحد فقط من تجمّع الملايين من المتظاهرين في ميدان التحرير في الانتفاضات الضخمة التي أدت إلى سقوط الحكومة.
من ناحية أخرى، كان من الممكن أن تسهّل الاتهامات الحوار بين حماس ومصر، والذي من خلاله يمكن أن تستعيد القاهرة علاقتها المتراجعة بمفاوضات السلام بين إسرائيل والفلسطينيين. في 7 مارس الماضي، قال وزير الداخلية المصري مجدي عبد الغفار، “حماس درّبت وأعدت، وأشرفت على تنفيذ” المؤامرة ضد هشام بركات. وبعد أيام زار وفد من حماس مصر لنفي تلك الادّعاءات. ربما كانت المخاوف من الإرهاب هي السبب وراء هذا اللقاء، لكن المناقشات قدّمت فرصة لتحسين العلاقات التي فترت بسبب موقف السيسي المتشدد ضد جماعة الإخوان المسلمين.
لقد أضعفت حرب القاهرة ضد الإخوان دور مصر في المحادثات الإسرائيلية الفلسطينية. كان مرسي قادرًا على مساعدة كلا الجانبين في وقف العنف في عام 2012، لكن السيسي رفض العمل مع حماس أثناء صراع عام 2014، الأمر الذي قوّض دور القاهرة في مفاوضات السلام. لكنّ الأمور قد تتغيّر. بعد اجتماعات مارس في القاهرة، أزالت حركة حماس صورًا ولافتات لبعض قادة الإخوان المسلمين وشعاراتهم من شوارع ومساجد قطاع غزة، في حين قادتها دعا مصر لإعادة فتح الحدود ووقف هدم الأنفاق. قد تكون حماس مستعدة لمراجعة موقفها تجاه جماعة الإخوان لو كان ذلك يعني عودة مصر إلى طاولة المفاوضات للحديث حول أهداف طويلة الأمد.
وعلى الرغم من أنَّ حرص السيسي لإلقاء اللوم على حماس في اغتيال هشام بركات قد يكون له تأثير إيجابي على الدبلوماسية المصرية، إلّا أنَّ توجيه الاتهامات الباطلة يأتي على حساب التهديدات الإرهابية الحقيقية عبر الحدود. اعترفت حركة حماس مؤخرًا أنَّ بعض أعضاء كتائب القسام انضموا إلى “ولاية سيناء” دون علم القادة السياسيين في غزة.
كانت هناك علاقات تربط كتائب القسام والمنظمات الجهادية الأخرى في الماضي. ولذلك، فإنَّ الأعضاء النشطين في الشبكات السابقة لولاية سيناء والذين تربطهم علاقات في غزة مازالوا يحتفظون بتلك الروابط حتى يومنا هذا. وبوصفها جماعة داعمة لأيديولوجية داعش، فإنَّ ولاية سيناء هي العدو اللدود لحماس والعكس صحيح، ولكن التقارب الأيديولوجي يأتي أحيانًا خلف الانتهازية المباشرة. في هذا السياق، يجب أن تعمل مصر وحماس معًا لمنع وقوع هجمات في المستقبل داخل مصر، ومن الأفضل تقديم نهج شفاف لتحقيق هذا الهدف.
من خلال إلقاء اللوم بشكل عشوائي على جماعة الإخوان المسلمين بعد كل هجوم إرهابي داخل مصر، يمكن أن يتسبب السيسي في المزيد من الضرر. منع الإرهاب المحلي يتطلب تحقيقات ومحاكمات ذات مصداقية، وينبغي تقليل الظروف التي تهيئ لمزيد من التطرف. ولكن إلقاء اللوم على جماعة الإخوان المسلمين في هجمات مثل اغتيال هشام بركات دون أدلة ذات مصداقية يضر بشعبية السيسي على المدى القصير. وبذلك، ترسخ مصر الشعور بالظلم والتهميش الذي يمكن أن يخلق جيلًا من المسلّحين المتطرفين.
في الوقت الذي تواجه فيه البلاد تهديدات مشروعة لاستقرارها، لا يزال القطاع الأمني المصري يعتمد على تكتيكات جزئية بدلًا من تحقيقات جديّة. وبالرغم من أن هذا النهج قد ينجح على المدى القصير، إلّا أنَّ العواقب ستكون وخيمة في المستقبل.