دلالات خطاب السياسة الخارجية لدونالد ترامب
29 أبريل، 2016
معهد بروكينغز –
ألقى دونالد ترامب خطاب السياسة الخارجية الذي طال انتظاره في مؤتمر استضافه مركز المصلحة الوطنية يوم الأربعاء. كان الخطاب متناقضًا في أجزاء كثيرة وكرر الانتقادات الجمهورية التقليدية للرئيس أوباما، ولكن كان هناك رسالة واضحة تتناسب مع ما قاله ترامب قبل. ولم يكن هذا هو التحوّل الجوهري الذي توقعه البعض. هناك العديد من الملاحظات السريعة على الخطاب، ومعظمها أكّد ما كنا نعرفه بالفعل.
- ترامب سينهي تحالفات الولايات المتحدة في أوروبا وآسيا
كان ترامب واضحًا ودقيقًا أكثر من المعتاد حول تذمره من حلفاء أمريكا. وقال:
“لقد أنفقنا تريليونات الدولارات على الطائرات والصواريخ والسفن، نبني جيشنا لتوفير دفاع قوي لأوروبا وآسيا. يجب على الدول التي ندافع عنها دفع تكاليف هذا الدفاع وإن لم تفعل، يجب على الولايات المتحدة أن تكون مستعدة لترك هذه الدول تدافع عن نفسها.”
يطلب ترامب من تلك الدول زيادة ميزانيات الدفاع بنحو 2 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي (مطلب أمريكي منذ فترة طويلة)، ولا يطلب منهم مشاركة أكبر في القواعد الخارجية. كما يطلب من الحلفاء دفع حصة كبيرة من ميزانية الدفاع الأمريكية التي تمكّن الولايات المتحدة من التواجد العسكري في أوروبا وآسيا. وهذا قد يصل إلى مئات المليارات من الدولارات سنويًا. ويستند طلب ترامب إلى اعتقاده المعلن بأن الولايات المتحدة ليس لديها مصلحة ذاتية في التواجد في آسيا أو أوروبا. وغني عن القول، حلفاء أمريكا لا يمكنهم الدفع لتغطية حصة كبيرة من ميزانية الدفاع الأمريكية، وهو ما يعني أنه سيكون لديه عذر للانسحاب من تلك التحالفات.
- ترامب لديه عقلية انعزالية
يعتقد ترامب أنَّ الولايات المتحدة حدّدت مصالحها الوطنية على نطاق واسع للغاية. وذكر في خطابه:
” لن نسلّم هذه الدولة ولا شعبها للعولمة الزائفة. تبقى الدولة القومية هي الأساس الحقيقي للسعادة والوئام. أنا متشكك في الاتحادات الدولية التي تربطنا وتسقط أمريكا، ولن أُدخل البلاد في أي اتفاق يقلّل من قدرتنا على التحكم في شؤوننا الخاصة.”
لّخص ترامب سياسته الخارجية في عبارة “أمريكا أولًا”، والتي كانت شعار تشارلز ليندبيرغ والانعزاليين في الثلاثينات. لم يعارض الانعزاليون التدخل عندما كانت أمريكا واقعة تهديد مباشر لكنهم عارضوا تشكيل العالم لتوفير بيئة صحية لازدهار وتطور البلاد. كان ترامب واضحًا في أنه يتفق مع الانعزاليين حول هذا الموضوع ويريد العودة إلى عصر كانت فيه تدخلات الولايات المتحدة في العالم أقل بكثير من تدخلاتها الآن. ويعارض ترامب تعزيز الديمقراطية والتعددية والضمانات الأمنية، والحفاظ على المشاعات العالمية مفتوحة للاستخدام من قِبل جميع الدول.
- ترامب يريد عقد صفقة مع روسيا والصين
لم يقدّم ترامب أي إشارة للتهديد التي تشكّله روسيا في أوروبا على الرغم من أنّه أشار على نحو مبهم إلى “خلافات جديّة” مع روسيا والصين. ثمّ قال:
“أعتقد أنَّ تخفيف التوتر وتحسين العلاقات مع روسيا، من موقع قوة، غير ممكن. المنطق يقول إنَّ هذه الدورة من العداء يجب أن تنتهي. ويقول البعض إنَّ الروس لن يتعاملوا بالمنطق والعقل. أنوي معرفة ذلك. إذا لم نتمكن من عقد صفقة جيدة لأمريكا، فإننا سوف ننسحب بسرعة من طاولة المفاوضات.”
أوضح ترامب أنَّ محاربة “الإرهاب الإسلامي” يأتي على رأس أولوياته. يمكن للمرء أن يتصوّر التوصل لاتفاق للتعاون بشأن هذه القضية في مقابل السماح لروسيا بالهيمنة في أوروبا الشرقية.
انتقد ترامب الصين لأسباب اقتصادية وأعمال التجسس الصناعي. ولم يتحدث عن تحدي الصين لنفوذ الولايات المتحدة في شرق آسيا، الذي يقول إنّه غير مفيد للولايات المتحدة على أي حال. وقال:
“إصلاح علاقاتنا مع الصين هي خطوة هامة أخرى نحو قرن مزدهر. الصين تحترم القوة، ومن خلال السماح لها باستغلالنا اقتصاديًا، فقدنا احترامهم لنا. نحن نعاني من عجز تجاري هائل مع الصين، ويجب علينا أن نجد وسيلة سريعة لتحقيق التوازن. أمريكا القوية والذكية هي دولة تجد صديقًا أفضل في الصين. ونحن بإمكاننا الاستفادة من بعضنا البعض أو كل يذهب في طريقه.”
مرة أخرى، يمكن للمرء أن يرى ملامح صفقة قادمة. الصين تمنح شيئًا لترامب على الجبهة الاقتصادية وهو يمنح الصين مساحة أكبر في شرق آسيا.
- جمهور ترامب كان المؤسسة السياسية الجمهورية وليس نخبة سياستها الخارجية
لم يكن بمقدور ترامب إقناع الأمميين الجمهوريين بأنّه ينبغي عليهم دعم سياسته الخارجية. لقد كان الجمهور المستهدف هو المؤسسة السياسية الجمهورية. وكان ترامب بحاجة لإقناعهم بأن لديه سياسة خارجية يمكنهم التوافق معها. وقد فعل ترامب هذا عن طريق إعادة تقديم سياسته الانعزالية في لغة واقعية وتأطير وجهات نظره باعتبارها حماية للمصلحة الوطنية. وكان الجمهور الثانوي هم الواقعيون في السياسة الخارجية. تمّ تهميش الواقعيين في الحزب الجمهوري منذ عام 1992، ومن ثمّ فإنَّ إلقاء ترامب خطابًا في مركز نيكسون له دلالات هامة للغاية. يمكننا أن نتوقع تعليقًا واقعيًا في الأسابيع المقبلة حول كيف أن ترامب لديه رؤية خاصة حول العديد من القضايا.
- ترامب يرى السياسة الخارجية من منظور شخصي
أمضى ترامب الكثير من الوقت في الحديث عن مدى أهمية احترام الزعماء الآخرين للرئيس الأمريكي. واشتكى من عدم استقبال زعماء أجانب للرئيس أوباما. وتحدث لبضع دقائق عن جهود أوباما الفاشلة في الفوز باستضافة دورة الالعاب الأولمبية في شيكاغو. وهذا أتاح لنا نافذة على طباع الرئيس ترامب الذي سيقرأ الكثير حول ما قاله الآخرون عنه، وعن علاقاته الشخصية مع قادة آخرين. من المرجح أن ينجذب للقادة الذين يشبهونه.
رد فعل العالم على خطاب ترامب
لا يوجد في خطاب ترامب أي شيء يخفف من القلق الدولي إزاء سياسته الخارجية. وإذا كان ثمة شيء في هذا الخطاب فهو تنامي المخاوف بعد أن أظهر ترامب القدرة على تقديم رؤية انعزالية شعارها “أمريكا أولًا” كسياسة خارجية واقعية. إننا نتجه نحو انتخابات تدور حول المسائل الأساسية لدور أمريكا في العالم.