كيف ترى الاستخبارات الصهيونية مستقبل المنطقة العربية؟
29 أبريل، 2016
محمد جمال –
قال مسؤولون في وحدة الأبحاث في الاستخبارات الصهيونية، في تقرير شامل ومطول نشرته صحيفة “يسرائيل هَيوم” هذا الاسبوع، أن أبرز ما يقلق الدولة العبرية فيما يخص سيناريوات المستقبل هو استقرار الحكم في مصر، وتعاظم قوة المقاومة الفلسطينية، وقوة حزب الله، وما تخفيه الحرب الاهلية في سوريا، واحتمالات وصول داعش الي اسرائيل.
و” بحسب تقرير أعده “يوآف ليمور” المحلل السياسي بالصحيفة الصهيونية الاولي في اسرائيل، رسم المسئولون الاستخباريون ما قالوا إنه “خريطة العداوات والفرص والسيناريوات التي تنتظر إسرائيل في المستقبل”، مشيرين لتحديات عديدة تواجه الصهاينة.
السيناريوهات جاءت في سلسلة حوارات اجرتها الصحيفة العبرية مع أربعة رؤساء ساحات أساسية في دائرة الأبحاث في شعبة استخبارات الجيش الصهيوني وهم بحسب الرموز فقط: ع. رئيس الساحة الفلسطينية، وش. رئيس الساحة اللبنانية، ور. رئيس ساحة دول المنطقة والدول العظمى، وأ. رئيس الساحة الشمالية – الشرقية (سورية، العراق وإيران).
مصر: السعودية تنقذ السيسي
يري الخبير الاستخباري المخصص لمصر أن التهديدات الحالية لحكم الرئيس عبد الفتاح السيسي تتركز في الاقتصاد المتدهور، وتنظيم داعش في سيناء، وأن هذه التحديات –خصوصا الاقتصاد– تهدد مستقبل السيسي واستقرار مصر.
وتشير التقديرات الاستخبارية الصهيونية في هذا الصدد لأن الجهود التي يبذلها السيسي اقتصاديا بواسطة الدعم الخليجي “ناجحة جزئياً”، ولذلك تميل التقديرات الصهيونية إلى أن “عوامل الاستقرار أكبر حالياً من عوامل الزعزعة، لكن هذا محدود الضمانة، إذ شهدت مصر في السنوات الأخيرة ثورتين، وصبر جمهورها قليل ويمكن أن ينفد مرة أخرى”.
ويشير لأن الاعتماد الأساسي لمصر حالياً هو على السعودية التي تحافظ على بقاء نظام السيسي على قيد الحياة من الناحية الاقتصادية.
ويوضح أنهم “في إسرائيل ينظرون إلى مصر بصفتها شريكاً، ولو صامتاً، يشاركنا في المصالح ويساهم في استقرار المنطقة، وللدولتين تهديد مشترك ومباشر ومزدوجاً: “حماس” في غزة، وفرع داعش في سيناء (ولاية سيناء) الذي يشكل تحدياً مهماً للسلطة ويدفعها ثمناً بالأرواح والمال، وخسارة مداخيل السياحة”.
وأن عدد أفراد “ولاية سيناء” يراوح بين 500 و1000 مقاتل مسلحين بصورة جيدة (السلاح يصل إليهم من ليبيا)، وعلى خلفية التجربة القتالية التي راكموها في السنوات الأخيرة فهم يقومون بهجمات معقدة كان من بينها إسقاط طائرة الركاب الروسية في سيناء.
في تحوّلاته السابقة نشط التنظيم ضد إسرائيل -الهجوم على طريق 12 وإطلاق النار على إيلات- لكنه اليوم يركز على مهاجمة القوات المصرية، بينما ستأتي مهاجمة إسرائيل من ناحيته في المرحلة التالية.
والتخوف هو من أنه كلما ازداد الضغط على داعش في العراق وسورية، زاد التنظيم من جهوده في ساحات أخرى- في الخارج وكذلك في المنطقة، وفي وضع كهذا، فإن هجوماً ضد إسرائيل سيعتبر إنجازاً مهماً، وهذه هي الخلفية وراء المحافظة على جهوزية دائمة على الحدود مع مصر، في ظل النجاح “الضئيل للغاية” للجيش المصري في محاربة داعش سيناء.
السعودية: من ضد إيران فهو معي
من ناحية السعودية، تشير التقديرات الصهيونية إلى أنها تتحرك بموجب قاعدة “من ضد إيران فهو معي حليف محتمل، من معها فهو عدوي”، وأنها تقسم العالم بناء على ذلك، وتقود التحالف الاسلامي لهذا الهدف.
وكجزء من ذلك، بدأت السعودية تعمل في كل ساحات المعركة – في المساعدة لمصر، ضد حزب الله في لبنان، في المشاركة في الحرب الاقلية في سوريا وبالطبع ضد إيران، وبالأساس في كل ما يتعلق بتخفيض سعر النفط من اجل تأخير اعادة بناء اقتصاد طهران.
ويقولون إن هذا التقييم السعودي وضع إسرائيل أيضا في جانب السعودية وضدها أيضا: معها حيال إيران وفروعها، وضدها في كل ما يتعلق بالفلسطينيين، فالحكم في الرياض ملزم بأن يدفع هذه الضريبة الكلامية ولكن من الصعب تفويت أصوات الخلفية، ولذلك فالتركيز على المحور الفلسطيني سيعطي إسرائيل جملة فرص غير مسبوقة في المنطقة”.
ثلاث سيناريوهات في غزة
بالنسبة لغزة يري مسئول المخابرات الاسرائيلية أن هناك ثلاثة سيناريوات يمكن أن يتطور فيها الوضع في غزة.
(السيناريو الأول): أن تأخذ “حماس” المبادرة وتقرر أنه لم يعد ممكناً استمرار الوضع الحالي من العزلة والأزمة الاقتصادية، وأن السبيل الوحيد لتغيير الوضع هو من خلال عمليات خطف جنود صهاينة لاستبدالهم بالأسري الفلسطينيين، لكن احتمالاته ضعيفة.
(السيناريو الثاني): أن تشن “حماس” عملية عسكرية مسبقة أو وقائية لو شعرت أو اعتقدت أن إسرائيل حلت مشكلة الأنفاق وعرفت كيف تدمرها، فتقرر الحركة حينئذ استخدام هذه الأنفاق قبل خسارتها، وهذا السيناريو من وجهة النظر الاستخبارية الصهيونية ” احتمال ضئيل ” أيضا.
(السيناريو الثالث): وهو الأكثر إثارة للقلق من بين السيناريوات الثلاثة، وهو حدوث تصعيد كبير مثلما جري قبل العدوان الصهيونية المسمى “الجرف الصامد”.
ويعتبر مسئول الاستخبارات الاسرائيلية إن “حقيقة أن حماس مهتمة أو غير مهتمة بمواجهة مع الاحتلال أو اختيار موعد البدء بها، لا تعني أنها ليست مستعدة للحرب”، فهي اليوم قادرة على: تنفيذ عملية توغل إلى داخل إسرائيل، وإطلاق الصواريخ بصورة متواصلة، وإلحاق أضرار بمستوطنات غلاف غزة.
ويشير المسئول الصهيوني لأن حماس في اقامة صناعة عسكرية مزدهرة، وإذا كان معظم السلاح في السابق يجري تهريبه من الخارج، فإنه يُصنّع اليوم في القطاع بالاعتماد على معرفة محلية ومواد بعضها بقي من السنوات التي كان يجري فيها تهريب كميات كبيرة من السلاح، وبعضها من انتاج محلي، ولو بنوعية أدنى بكثير.
ويري أن من مكاسب اسرائيل أن مصر باتت تعادي حماس وتعتبرها مثل تنظيم داعش، ويزعم أن الحركة تحصل على التمويل والسلاح من إيران مقابل حملة إذلال لأنها تطلب من “حماس” أن تقرر مع أي طرف تقف: معها، أو مع السنّة في سورية.
سورية: توقع استمرار الاسد
وتميل التقديرات الاستخبارية الصهيونية إلي توقع استمرار الاسد في السلطة، مشيرا لـ “تغيير في تقدير الاستخبارات، من الحديث عن حرب من دون أفق، وعدم الحسم فيها في المستقبل المنظور، إلى احتمالات تسوية يستعيد النظام في سوريا في نهايتها وظيفته، ولكن بعد أشهرا وربما سنوات.
وليس من الواضح هل ستقسّم سوريا في نهايتها إلى كيانات فيدرالية على أساس طائفي أم سيكون فيها حكم ذاتي؟، كما أنه ليس من الواضح من سيحكمها: ليس للأسد وريث بارز، وقد يحل محله ائتلاف من قوى متعددة، ويمكن بخلاف الماضي ألا يستند إلى الطائفة العلوية فقط.
كما تشير تقديرات الاستخبارات الصهيونية لأن جيش الأسد ازداد قوة في الفترة الأخيرة بعد عدة نجاحات عسكرية، لكنه يواصل الاعتماد بصورة أساسية على المساعدة الروسية والإيرانية.
ويشير لأنه يوجد اليوم في سورية أكثر من 10.000 مقاتل تابعين لميليشيات شيعية تساعد الجيش السوري، يضاف إليهم نحو 1500 مقاتل إيراني وآلاف من مقاتلي حزب الله، وكذلك قوة روسية مهمة، وتدير روسيا جزءاً من القتال.
عملية عسكرية ضد داعش ليبيا
وحول ليبيا تتوقع تقديرات الاستخبارات الصهيونية عملية عسكرية ضد داعش في ليبيا، بسبب قلق الغرب من تمركز داعش في ليبيا وإمكانية سيطرته على اجزاء واسعة من هذه الدولة بسبب مواردها الاقتصادية خاصة (ولا سيما البنية التحتية للنفط).
ويشير لإن قرب ليبيا من أوروبا، بالإضافة إلى كميات السلاح وأنواعه في هذه الدولة، يمكن أن يؤديا قريباً إلى هذه العملية عسكرية ضد داعش بهدف منع تكرار سابقة انتشار التنظيم في العراق وسورية وقيام دولة جديدة لداعش هناك.
إيران: التهديد باق
هنا تقول الاستخبارات الإسرائيلية أنها لم تلحظ منذ توقيع الاتفاق النووي قيام إيران بنشاطات ممنوعة بصورة واضحة، لكن من المؤكد أنها تلعب على الحدود بين ما هو مسموح وما هو ممنوع، مثل الاحتفاظ بكميات أكبر من المسموح به من المياه الثقيلة، وتخلصها من الفائض قبل وقت قليل من نشر اللجنة الدولية للطاقة النووية تقريرها الدوري.
وتقول “إن التحدي الاستخباراتي في العقد المقبل هو الكشف في الوقت الملائم عن أي تغييرات أو بنود تنطوي على خرق للاتفاق من جانب إيران، كي لا نصحو بعد فوات الأوان”.
ولا يتركز القلق الإسرائيلي على الموضوع النووي فقط، فالانتقادات الأساسية للاتفاق تتناول حقيقة أنه لا يعالج البتة المساعدة الكبيرة التي تقدمها إيران إلى جهات مختلفة في طليعتها حزب الله و”حماس” والمتمردون الحوثيون في اليمن، بالإضافة إلى تعاظم القدرات التسليحية التقليدية الإيرانية.
ويقولون إن الاتفاق النووي، والحرب ضد داعش، وضعا إيران في معسكر “الجيدين”، وأنها تواصل تعزيز قوتها وتظل التهديد الأكبر ولو غير المباشر لأمن إسرائيل.
ويتوقع التقدير الاستخباري الصهيوني أن إيران ستركز جهودها على اعادة بناء الاقتصاد، حيث اعطي الشعب الإيراني تفويضاً واضحاً للرئيس روحاني، باستخدام الاتفاق النووي من أجل تحقيق الرفاه الاقتصادي.
تركيا: أردوغان يبحث عن أصدقاء
بحسب الاستخبارات الصهيونية، “شهدت تركيا في السنوات الأخيرة انقلاباً: فقد انتقلت من صفر مشكلات مع الدول المجاورة إلى صفر دول مجاورة ليس لديها نزاع مع تركيا”.
ويرون أن هذا سبب الجهود التي يبذلها حكم أردوغان في الفترة الأخيرة للتقرب من السعودية، وكذلك من إسرائيل، سعياً وراء حلفاء جدد أقوياء.
وعلى الساحة الداخلية يرون أن أردوغان يواصل توسيع نفوذه، ويوشك على السيطرة على أجهزة الحكم في تركيا.
وأنه في سياق البحث عن تحالفات، تخفف تركيا من حدّة لهجتها وتحاول أن تقدم نفسها كدولة تصالحية وودودة أكثر حيال أوروبا وحيال إسرائيل أيضاً.
ولكن التقديري الاستخباري الصهيوني يقول: “يجب ألا ننخدع فأروغان لم يغير مواقفه، وخطواته (للتقارب) تقوم على المصلحة، ولذلك يجب أخذها بصفتها محدودة الضمانة”.
“حزب الله” يقوي لا يضعف
على عكس المتصور عالميا، من أن حزب الله يضعف بسبب دفعه ثمناً باهظاً في حرب سورية، تشير التقديرات الاستخبارية الصهيونية، لأن الحزب يقوي واستفاد من الحرب في التدريب والاستعداد.
حيث يري الصهاينة “إن الحرب في سورية وضعت حزب الله في الجانب الصحيح وانه تحول للمرة الأولى فعلاً إلى درع للبنان، كما منحت الحرب، الحزب ما لم يكن لديه في الماضي، وهو خبرة قتالية مهمة، بما في ذلك استخدام وسائل متطورة مثل الطائرات من دون طيار.
ويقولون –عكس ما يتردد عربيا– “إن حزب الله انتصر بواسطة 7000 مقاتل يشاركون في الحرب، في جميع المعارك التي شارك فيها”.
ولكن الحرب ألقت عبئاً ثقيلاً على عاتقه، فقد ارتفعت نفقاته بصورة دراماتيكية جرّاء القتال، وبسبب حاجته إلى دفع علاوات للمقاتلين، والإنفاق على الجرحى وعائلات القتلى، في ظل تقليص يراوح بين 10% إلى 15% من ميزانيته بسبب الأزمة الاقتصادية في إيران.
ورغم الضرر الذي به والقتال والخسائر، يحرص حزب الله بإخلاص شديد على بناء قوته العسكرية استعداداً للمواجهة مع إسرائيل، ويركز حالياً على نوعية الصواريخ بعيدة المدى والدقيقة التي تحمل رؤوساً متفجرة حربية كبيرة كفيلة بإلحاق ضرر كبير بإسرائيل، وتدفيعها ثمناً كبيراً في حرب مستقبلية، أو ردعها عن الدخول في مثل هذه الحرب بعد معرفة الثمن الذي ستدفعه.
ويشيرون لأنه بعد سنوات من ضبط النفس تجاه عمليات عديدة نُسبت إلى إسرائيل، عاد الحزب للرد على ما يعتبره مساً بأصوله ومهابته، وهو يفعل ذلك بهجمات في مزارع شبعا ضد أهداف اسرائيلية، “لكن هناك تخوف من أن تؤدي الضربات المتبادلة المتواصلة إلى تصعيد وفقدان السيطرة، وتدهور الوضع الي حرب”.
وترصد التقديرات الصهيونية مكسبين للدولة العبرية مقابل حزب الله: (الأول) خسارته محاولات التدخل في الجولان لجعلها قاعدة أمامية تتيح له القيام بهجمات ضد إسرائيل من خارج حدود لبنان، بعد هجمات اسرائيلية على قواته هناك.
و(الثاني) هو تحاشى الحزب حالياً القيام بعمليات ضد أهداف إسرائيلية في الخارج مثل هجوم 2012 في بورغاس، ويتخوف من أن تؤدي الهجمات في الخارج إلى تصويره كتوأم لداعش.
الضفة الغربية: الانتفاضة ستستمر
ويري مسئول الاستخبارات الإسرائيلية المختص بالضفة الغربية أن الانتفاضة التي بدأت أوائل أكتوبر 2015 ولا تزال مستمرة، سوف تستمر برغم الانخفاض في حجم الهجمات على الإسرائيليين (الطعن والدهس) في الفترة الأخيرة، ويمكن أن تنفجر مرة أخرى.
ويقولون “إن العنصر الأساسي الذي يصعب فك رموزه هو الشباب، الذين يسمون “جيل الإنترنت” في فلسطين، والذي نسي ماذا يعني أن تكون فلسطينياً، والآن وجد ذاته، وبدأ يرفس الجميع، السلطة وإسرائيل وجيل الأهل والمنظمات”.
ويرون أن انتفاضة الشباب هذه “جزءاً من عملية تصدع المنظومة التي كانت قائمة في الضفة منذ سنة 2007، حيث أبو مازن رئيس متفرد وقوي، وتنظيم “فتح” مضبوط ومشارك في السلطة، و”حماس” ضعيفة، وجمهور هادئ “.
فليس لأبو مازن وريث طبيعي، ومن المتوقع اندلاع حرب وراثة غير سهلة بين عدد غير قليل من الأطراف عقب غيابه، ومن المحتمل أن نرى مجموعة من عدة أشخاص أقوياء في ائتلاف السلطة.
والذي يمكن أن يستفيد من هذه الأحداث هو “حماس” التي، في مواجهة الضائقة في غزة، تجد في الضفة فرصة استراتيجية، ولذلك تأمل “حماس” أن تؤدي الانتفاضة إلى تصعيد وأن تجر إسرائيل إلى التحرك ضد الضفة، وفي إثر الضعف الذي ينشأ والفراغ تدخل هي وتسيطر”.
وتشير التقديرات الاستخبارية الاسرائيلية لإن “التخوف الأساسي هو أن يدفع تدهور في الوضع العنصرين المسلحين الأساسيين -أجهزة الأمن وتنظيم فتح -إلى الوقوف ضد إسرائيل، الأمر الذي سيغيّر الوضع من أساسه.
ولكنهم يرون أنه “ما دامت المنظومة الفلسطينية مستقرة والأجور تُدفع، فإن فرص حدوث ذلك ضئيلة نسبياً، لكن زيادة الهجمات أو حرب الوراثة الداخلية يمكنهما أن تزعزعا التوازن الهش القائم ولهذا فمواصلة التنسيق مصلحة مشتركة إسرائيلية وفلسطينية”.