التواطؤ الأمريكي: لماذا استُثنيت حلب من التهدئة؟


مراد القوتلي - خاص السورية نت

توصلت الولايات المتحدة الأمريكية، وروسيا، أمس الجمعة، إلى "اتفاق على التهدئة" يشمل ضواحي العاصمة دمشق، وريف اللاذقية، في حين أن الدولتين قررتا استثناء حلب من الاتفاق، وهو ما "منح النظام ضوءاً أخضر آخر لقصف المدينة"، حسبما تقول  المعارضة السورية.

وخلال اليومين الماضيين ارتكبت قوات نظام الأسد بمساندة من الطيران الروسي عدة مجازر في حلب شمال سورية، مستهدفة بشكل أساسي المنشآت الصحية والمرافق الحيوية، ما أسفر عن استشهاد وجرح العشرات، ويأتي ذلك في وقت بدا أن الجانبين الروسي والأمريكي راضيين عن انتهاكات النظام في العاصمة الاقتصادية لسورية.

رسائل لجنيف

ويرى العميد الركن المنشق عن قوات النظام، أحمد الرحال، أن استثناء الاتفاق لحلب من "الأعمال العدائية" يأتي في إطار عملية المراهنة والضغط على وفد المعارضة السورية ممثلاً بـ"الهيئة العليا للتفاوض" في جنيف، حيث رفضت الأخيرة الاستمرار بالمفاوضات جراء استمرار انتهاكات النظام بحق السوريين، ومواصلة قتلهم، وتجويعهم، وحصارهم.

وقال الرحال في تصريح لـ"السورية نت" إن "ما يجري في حلب يحمل رسائل عسكرية وسياسية لوفد المعارضة، مفادها أن ما لم يجري الحصول عليه بالطرق السياسية، سيُحقق بالطرق العسكرية". وشدد على أن "قبول واشنطن لما يجري في حلب والتراخي أمام جرائم النظام وحلفائه، دليل على أن أمريكا تشارك في العملية، وتريد إيصال الأعمال القتالية في الداخل وتوازن القوى لصالح الأسد بدرجة كبيرة.

أهمية حلب

وتعتبر محافظة حلب من أهم المناطق الاستراتيجية لكل من النظام والمعارضة في سورية، وتسببت فصائل المعارضة هناك بإلحاق خسائر كبيرة في صفوف قوات النظام والميليشيات المساندة له، واستنزفت صفوفهما عبر معارك الكر والفر التي أجبرت القوات المهاجمة لمناطق المعارضة مراراً على التراجع، رغم عدم تساوي كفة التسليح بين الجانبين.

ويريد النظام من حملته العسكرية الحالية على حلب مستغلاً الاتفاق الروسي – الأمريكي، قطع طريق إمداد قوات المعارضة عن تركيا، وفصل حلب جغرافياً عن بقية المناطق السورية الثائرة ضد النظام، وهو ما اعتبره العميد الرحال سبباً في "إلحاق الضرر بالثورة معنوياً وعسكرياً".

ويعتقد الرحال أن حلب تعد مهمة أيضاً لصورة روسيا أمام العالم، إذ قال: "دولة عظمى كروسيا مضى على دخولها بالحرب في سورية 7 أشهر، واقتصرت إنجازاتها على استعادة النظام لبعض القرى أمر غير مناسب لها، لذلك تريد روسيا تحقيق نقلة نوعية في العمل العسكري، وتعتقد أن استعادة حلب تشكل هذه النقلة".

ولفت الرحال إلى أنه "فيما لو استطاع النظام وحلفاؤه السيطرة على حلب، فإن الثورة ستصبح في خطر عسكري"، ويضيف في حديثه عن أسباب استثناء حلب من الاتفاق أن "روسيا تسعى لتأمين الدولة الكردية"، كما أن كثيراً من المجريات مرتبط بمصير المدينة، من بينها تأمين "الهلال الشيعي" حسب قوله. مشيراً أن للمدينة أهمية كبرى لكونها ثاني أكبر مدن سورية والعاصمة الاقتصادية لها.

وقلل الرحال من أهمية تطبيق اتفاق "التهدئة" في ضواحي دمشق، وريف اللاذقية، مشيراً أنه ما من خطر في هاتين المنطقتين على قواته، كما شدد على أن النظام يواصل هجومه فيهما، وقال: "في الأمس سيطرت قوات النظام على تلة الحدادة بجبل الأكراد (ريف اللاذقية)، كما أن النظام مستفيد من الاقتتال الحاصل بين فصائل المعارضة (جيش الإسلام من جهة، وفيلق الرحمن، وجبهة النصرة، ولواء فجر الأمة من جهة أخرى).

هل ستسقط حلب؟

تروج وسائل إعلام النظام إلى أن هدف الأخير طرد المعارضة من حلب والسيطرة عليها، إلا أن العميد الرحال يرى ذلك "صعباً"، مشيراً إلى تعقيد المشهد العسكري في المحافظة، حيث تتواجد في شمالها الشرقي قوات تنظيم "الدولة الإسلامية"، وفي الشمال فصائل من الجيش الحر، وفي الشمال الغربي القوات الكردية، وفي غربها قوات النظام، فضلاً عن فصائل معارضة في الجنوب.  

ولفت الرحال إلى أن النظام يحشد حالياً لقوات للهجوم على حلب، وقال إنه "وفقاً لمعلوماته فإن 5 ألوية إيرانية دخلت سورية (لهذا الغرض) وليس فقط اللواء 65".

وأمام صعوبة السيطرة على حلب بالكامل، رجح العميد ذهاب التطورات الجارية في اتجاهين:

الأول: حصار حلب عبر قطع طريق الكاستيلو بالتعاون بين قوات النظام، والقوات الكردية، وجيش  الثوار، على أن يبدأ الحصار من الأحياء الشمالية، والشمالية الغربية.

الثاني: إفراغ حلب من سكانها بما يسهل من السيطرة عليها، وذلك باتباع سياسة الأرض المحروقة وتدمير المدينة بالكامل، و"حينها سنكون أمام مأساة تشبه مأساة حمص، وحي باب عمرو"، وفقا لرحال.

ويرى أن المضي في طرد المعارضة من حلب بشكل كامل يترتب عليه نتائج خطيرة، منها تعرض المجتمع الدولي لمزيد من الضغوطات جراء هجمات النظام العنيفة والكبيرة، كما يعتقد أن "روسيا غير قادرة على تحمل تبعات هذا العمل، سيما وأن العالم لم ينسى ما فعله الروس في مدينة غروزني عاصمة الشيشان من انتهاكات".

ومن ناحية أخرى، قال الرحال: إن "الهجوم على حلب سيحول المواجهات إلى معركة استنزاف، وقد يحدث ذلك انعطافاً حدياً، إذ يعتقد أن  معظم فصائل المعارضة ستنضم حينها لجبهة النصرة، لأن الجميع سيقتنع بفشل الحلول السياسية، وبفشل المعتدلين"، وفق قوله.  

مراوغة أمريكية

اتفاق التهدئة الأمريكي – الروسي يأتي بعد قرابة شهرين على "اتفاق وقف إطلاق النار" الذي تم التوصل إليه في 27 فبراير/ شباط الماضي، ويعتبر اتفاقهما الجديد اعترافاً واضحاً بفشل الاتفاق الأول، وفي هذا السياق قال الرحال لـ"السورية نت": إن "الاتفاق الجديد مراوغة وخداع، في المنطق العقلاني كيف يمكن أن تعلن هدنة جديدة في ظل وجود اتفاق سابق لهدنة مشابهة؟". وشدد على أن ما يجري يعتبر خرقاً للقرار الأممي 2268 المتعلق بوقف الاعتداءات في سورية.

ونوه الرحال إلى أن البيت الأبيض لا يرغب بحل عسكري للملف السوري، وشدد على أن الإدارة الأمريكية "ترفض حتى حق السوريين في الدفاع عن أنفسهم"، لافتاً إلى تصريحات الرئيس الأمريكي "باراك أوباما" الذي قال إن استخدام القوة البرية للإطاحة بالأسد خطأ". كما ذكر تصريح وزير الخارجية "جون كيري" الذي برر القصف العنيف على حلب بقوله: إن "التداخل بين الفصائل بحلب يمنع تحديد الفصائل الإرهابية"، واعتبر الرحال هذا التصريح بمثابة رسالة واضحة من أمريكا للجانب الروسي تقول فيها: "اقصفوا كما تشاؤون".

تواطؤ أمريكي

وفي الوقت الذي يحصل فيه نظام الأسد على دعم غير محدود من حليفتيه روسيا وإيران، تشكو المعارضة السورية من غياب الأسلحة لديها، كي تتمكن من صد الهجمات، وفيما يشير إلى عزم الإدارة الأمريكية بتغييب السلاح عن فصائل المعارضة، قال الرحال وفقاً لمعلوماته إن "وزير خارجية خليجي كان في جنيف، قال إن مستودعات غرف (الموك جنوب سورية، والموم شمالها) ممتلئة بالأسلحة، لكن هنالك حظر أمريكي على تسليح المعارضة".

ويعتقد الرحال أن "ما من جهة قادرة على التحرك بالملف السوري بعيداً عن الإدارة الأمريكية"، وأضاف أن ذلك ما يمنع "دول أصدقاء الشعب السوري من فعل شيء"، لكنه أشار إلى وجود دولة واحدة فقط يمكنها التحرك ليس في نطاق دعمها لثورة الشعب السوري، بل حماية أمنها القومي الداخلي، وهي تركيا.

وأوضح أن "لدى تركيا أسباب للتدخل، بينها أن مدينة كلس جنوب البلاد تتعرض للقصف، كما أن الإرهاب يضرب بقية المدن التركية، وفي ذات الوقت تواجه أنقرة إقامة دولة كردية على حدودها مع سورية". واعتبر الرحال أنه "رغم ذلك يبقى قرار الحرب ليس سهلاً، والتمرد على الإرادة الأمريكية أمر صعب"، وفق قوله.