القدس 2016: إجراءات تهويدية تُبقي عوامل الانفجار قائمة


ما إن ينخرط الفلسطينيون في مدينة القدس الشرقية المحتلة في مواجهة إجراء احتلالي إسرائيلي حتى يجدوا أنفسهم مهددين بإجراء جديد، ولا يُخفي المسؤولون الإسرائيليون أن الهدف الدائم هو تقليل عدد الفلسطينيين في المدينة كي تكون مدينة يهودية.

فمع تكشّف اتفاق اليمين مع اليسار الإسرائيلي في الموقف على التخلص من عشرات آلاف المقدسيين عبر سلخ أحياء بأكملها عن المدينة [القدس الكبرى]، تتضح معالم تنفيذ أكبر مخطط استيطاني لعزل ما سيتبقى منها عن محيطها الفلسطيني وسط جهود لا تنضب في طمس ثقافتها وهويتها الوطنية الفلسطينية. وقد تزامن ذلك مع تصعيد استهداف مقدساتها الإسلامية المتمثلة في المسجد الأقصى وقبّة الصخرة، وتصاعد الهجمة اليهودية على المسيحيين وكنائسهم.

ومع مطلع السنة الجارية (2016) بلغ عدد سكان القدس، بشطرَيها الشرقي والغربي 829,000، بينهم 307,000 فلسطيني تشكل نسبتهم نحو 39%، وذلك بحسب مركز القدس لدراسات إسرائيل، الأمر الذي يشير إلى أنهم تعدّوا نسبة الخطر التي حددتها إسرائيل بعد وقت قصير من احتلالها المدينة بـ 22%. وهذه الأرقام تشكل معالم التحرك الإسرائيلي ضد الفلسطينيين في المدينة، والذي يستند إلى سياسة تمييز وإقصاء منهجية متصاعدة.

تقول رونيت سيلع في مقالة في صحيفة “معاريف” (24/2/2016) وعنوانها: “عن أي قدس موحدة يتحدثون؟”: “[….] بحسب معطيات التأمين الوطني، فإن 75% من سكان المدينة الفلسطينيين يعيشون تحت خط الفقر، كما أن ثمة فجوة هائلة بين البُنى التحتية الفلسطينية والإسرائيلية، إذ تُركت الأحياء الشرقية متخلفة بصورة كبيرة جداً. فمثلاً، 64% فقط من المنازل مرتبطة بشكل مرتب بشبكة المياه، بينما يضطر الفلسطينيون الباقون إلى شراء مضخات مياه وخزانات مياه كي يؤمنوا المياه لمنازلهم.”
ويلفت تقرير لمنظمة عير عاميم (مدينة لشعبين) الإسرائيلية، صدر مطلع شباط / فبراير 2016 إلى أنه “خلال فترة المفاوضات التي استمرت 9 أشهر، من تموز / يوليو 2013 حتى نيسان/ أبريل 2014، والتي رعاها وزير الخارجية الأميركي جون كيري، نشرت إسرائيل مناقصات لبناء 3020 وحدة استيطانية في القدس الشرقية، ثم لم تنشر مناقصات تُذكر منذ نيسان / أبريل 2014 حتى تشرين الثاني / نوفمبر 2015 بعد توقف هذه المفاوضات.”

لكن عدم نشر عطاءات لا يعني عدم البناء، إذ أشارت المنظمة الإسرائيلية إلى أن عمليات البناء لم تتوقف، فـ “علاوة على بناء مئات الوحدات الاستيطانية في مستوطنة راموت (شمالي القدس)، والتحضيرات لبناء 708 وحدة في مستوطنة غيلو (جنوبي القدس)، تسارع البناء في هار حوما (جبل أبو غنيم) جنوبي المدينة.”

التخلص من المقدسيين هدف مشترك

في السياق الحزبي، تناغم يمين الوسط مع اليمين الإسرائيلي بشأن القدس من خلال إعلان رئيس المعارضة الرسمية ضد حكومة بنيامين نتنياهو، زعيم حزب “المعسكر الصهيوني” يتسحاق هيرتسوغ، مطلع شباط / فبراير، خطة الانفصال عن الفلسطينيين. وقال في مؤتمر المعسكر الصهيوني الذي تبنّى الخطة باعتبارها خطة عمل سياسية: “فقط الانفصال بيننا وبينهم (أي الفلسطينيين)، وفصل القرى الفلسطينية عن القدس، سيحافظان على القدس يهودية.” وأضاف: “لاحظوا أن الوزير الفلسطيني لشؤون القدس عدنان الحسيني أعلن معارضته خطتي التي تدعو إلى فصل القرى الفلسطينية عن القدس لأن من شأنها إيجاد أغلبية يهودية في المدينة.”

وفي توضيحه لعناصر خطته، قال: “نحن ملتزمون بوحدة القدس، وبتعزيز القدس كعاصمة لإسرائيل، والحفاظ على الأغلبية اليهودية فيها لأجيال [….] سنعزل عشرات القرى الفلسطينية في محيط المدينة عن حدود البلدية،” في إشارة إلى الحدود المصطنعة لبلدية القدس الغربية ما بعد سنة 1967، (وهذا) بحسب نص الخطاب.

وأوضح هيرتسوغ أنه يتحدث عن عزل 28 حياً فلسطينياً عن مدينة القدس، الأمر الذي يعني عملياً اقتصار القدس على البلدة القديمة وما تسميه إسرائيل “الحوض المقدس” الذي يضم أجزاء من سلوان والمقبرة اليهودية في جبل الزيتون ومقاطع من وادي الجوز والشيخ جرّاح.

تصريحات هيرتسوغ كانت صدى لتصريحات مشابهة أدلى بها رئيس بلدية القدس الغربية المنتمي إلى معسكر اليمين نير بركات، والتي كان قد طرحها في الأعوام الأخيرة، ودعا فيها إلى ضم أحياء في القدس الشرقية، مثل بيت حنينا وكفر عقب وسميراميس (شمالي المدينة)، ومخيم شعفاط وراس خميس والعيسوية (شرقاً)، وجبل المكبّر وصور باهر وأم طوبا (جنوبي شرقي المدينة)، إلى السلطة الفلسطينية، أو وضعها تحت سيطرة الإدارة المدنية الإسرائيلية.

وغلّف كل من هيرتسوغ وبركات هذه الخطط بمسألة الأمن، لكنها في حقيقة الأمر ترمي إلى ما أعلنه هيرتسوغ صراحة وهي أن “القدس يهودية”، بما يتضمنه ذلك من إخراج عشرات آلاف الفلسطينيين من المدينة [النطاق الإداري للقدس الكبرى]، وشطب إقاماتهم فيها.

ويقول خليل التفكجي مدير دائرة الخرائط في “جمعية الدراسات العربية”، لـ “مجلة الدراسات الفلسطينية”، إنه في حال تنفيذ هذا المخطط، فسيكون من شأنه إخراج ما يزيد على 200,000 مقدسي من المدينة [النطاق الإداري للقدس الكبرى].

تنفيذ مشروع (E1) الاستيطاني بصمت

بالتزامن مع طرح المشاريع والخطط السياسية، كشفت حركة “السلام الآن” الإسرائيلية، المختصة بمراقبة الاستيطان في الأراضي الفلسطينية، النقاب عن الصمت بشأن جبهة المشروع الاستيطاني (E1) للربط ما بين مستعمرة معاليه أدوميم شرق القدس، والقدس الغربية، واصفة ذلك بأنه “صمت كاذب”.
وبحسب تقرير أصدرته الحركة في كانون الثاني / يناير 2016، فإن “وزارة البناء والإسكان الإسرائيلية تعمل بصمت على إعداد خطط لبناء 8372 وحدة استيطانية في منطقة ‘E1’ تشمل 1262 وحدة في المنطقة الجنوبية من المخطط، و2340 وحدة في المنطقة الشرقية، و1000 وحدة في المنطقة الشمالية، و270 وحدة في المنطقة الغربية.”

ويقول تقرير “السلام الآن”: “إن منطقة معاليه أدوميم و’E1′ هي من أكثر المناطق حساسية عندما يتعلق الأمر بفُرص حل الدولتين، فهي المنطقة المتاحة لتطور الفلسطينيين بين رام الله وبيت لحم وترتبط بالقدس الشرقية،” موضحاً أن “الاستيطان الإسرائيلي في E1 سيقسّم الضفة الغربية إلى قسمين، وسيمنع التواصل الجغرافي للدولة الفلسطينية المستقبلية.” ويضيف التقرير: “لهذه الأسباب، فإن أي مسؤول إسرائيلي يحاول دفع المخططات في E1 يحظى بالإدانة الدولية الواسعة.”

صحيح أن المجتمع الدولي يراقب عن كثب سير الأمور فيما يزيد على 12,000 دونم من الأراضي الفلسطينية التي تخطط إسرائيل لإقامة هذا المشروع الاستيطاني عليها، إلاّ إن ردات فعله ـ الباردة ـ على ما تقوم به إسرائيل من عملية تطهير عرقي للبدو في أجزاء واسعة من هذه الأراضي ربما يشجع الحكومة الإسرائيلية على المضي قدماً في مشروعها.

ويمتد مشروع “E1” الذي أُعلن في سنة 1994 إلى مساحة تبلغ 12,443 دونماً من أراضي قرى الطور وعناتا والعيزرية وأبو ديس، ويشمل إقامة آلاف الوحدات الاستيطانية ومنطقة صناعية و10 فنادق.

وقد أقام مستوطنون إسرائيليون بؤرة استيطانية عشوائية في المنطقة التي تنشط الحكومة الإسرائيلية في إخلاء التجمعات السكنية البدوية منها في الطريق المؤدي إلى أريحا.

ويقول مركز المعلومات الإسرائيلي لحقوق الإنسان في الأراضي المحتلة (بيتسيلم) في تقرير صدر مطلع شباط / فبراير: “إن 1400 من السكان البدو يواجهون خطر الترحيل من المنطقة المنويّ تنفيذ مخطط ‘E1’ عليها”، ويضيف: “تنوي إسرائيل بناء مستعمرة جديدة تسمى ميفاسيرت أدوميم، لخلق تواصل جغرافي بين كتلة معاليه أدوميم والقدس.” 

تنكيل غير مسبوق بالمقدسيين

لا تكتفي إسرائيل بإجراءاتها على الأرض والحجر في مدينة القدس، بل تتعداها إلى البشر الذين يقولون إنهم باتوا مستهدفين أكثر من أي وقت مضى، بالإجراءات الإسرائيلية.

ففي سنة 2015، صعّدت السلطات الإسرائيلية عمليات اعتقال الفلسطينيين في مدينة القدس على نحو غير مسبوق، بحيث وصل عدد المعتقلين خلال تلك السنة إلى 2260، بينهم 904 أطفال، و212 فتاة، و1144 شاباً، بحسب معطيات لجنة أهالي الأسرى المقدسيين في تقرير وصل إلى “مجلة الدراسات الفلسطينية”.

وطبقاً لهذه المعطيات، كان للبلدة القديمة في القدس نصيب الأسد من هذه الأرقام، وذلك باعتقال 446 فلسطينياً منها، تليها: العيساوية 315؛ سلوان 248؛ الطور201؛ راس العمود 182؛ الثوري 112؛ جبل المكبّر 111؛ بيت حنينا 89؛ مخيم شعفاط وعناتا 79؛ وادي الجوز 69؛ صور باهر وأم طوبا 69؛ شعفاط 49؛ قلنديا وكفر عقب 29؛ الصوانة 27؛ الشيخ جرّاح 23؛ بيت صفافا 5؛ فضلاً عن 206 فلسطينيين من مناطق متفرقة أُخرى في المدينة.

وقد تواصلت الوتيرة العالية للاعتقالات في كانون الثاني / يناير وشباط / فبراير 2016، وخصوصاً في صفوف الأطفال والفتية. وكان للشهداء الفلسطينيين وذويهم من سكان المدينة نصيب عقابيّ من السلطات الإسرائيلية التي لا تزال ترفض الإفراج عن جثامين 10 شهداء من سكان المدينة، وذلك بادعاء الخشية من تحوّل جنازاتهم إلى تظاهرات ضد الاحتلال.

لذلك، نشط ذوو الشهداء في تنظيم اعتصامات، بينما نشطت السلطة الفلسطينية في إجراء اتصالات مع العديد من الأطراف الدولية للضغط على السلطات الإسرائيلية للإفراج عن الجثامين التي تحتجزها تلك الأخيرة منذ تشرين الأول / أكتوبر 2015، لكن من دون جدوى. وكان الاستثناء الوحيد هو إفراج السلطات الإسرائيلية في منتصف شباط / فبراير عن جثمان الشهيد أحمد أبو شعبان بعد احتجاز دام 124 يوماً، لكنها لم تفرج عنه إلاّ بعد منتصف الليل ليُوارى في الثرى بمشاركة 14 شخصاً فقط من ذويه، في المقبرة اليوسفية في باب الأسباط الملاصقة للسور الشرقي للبلدة القديمة.

انتزاع حيّز في باب العمود

أرادت السلطات الإسرائيلية استهداف عنوان الهبّة الجماهيرية في القدس، فتطاولت على الرمزية التاريخية والثقافية التي يمثلها باب العمود التاريخي في مدينة القدس الشرقية. ومعروف أن باب العمود يمتاز من باقي بوابات البلدة القديمة السبع بمدرّج يشبه المدرج الروماني، الأمر الذي جعله على مدى أعوام متنفساً للمئات من الشبان في البلدة ومحيطها.

ومن الجدير ذكره أن انطلاق الهبّة الجماهيرية الفلسطينية الحالية كان من مكان قريب من باب العمود، إذ هاجم الشهيد مهند الحلبي، في مطلع تشرين الأول / أكتوبر 2015، مستوطنين في طريق بين باب العمود والمسجد الأقصى، الأمر الذي أدى إلى مقتل مستوطنَين إسرائيليَّين اثنين قبل استشهاد الحلبي.

وبحسب إحصاءات فلسطينية، فإن قوات الاحتلال الإسرائيلي زعمت أن 12 عملية طعن وإطلاق نار نُفّذت في باب العمود منذ مطلع تشرين الأول / أكتوبر الماضي، وانتهت باستشهاد أو إصابة واعتقال فلسطينيين يزعم الاحتلال أنهم نفذوا أو حاولوا تنفيذ هجمات ضد مستوطنين وعناصر شرطة إسرائيليين.
وعمدت القوات الإسرائيلية إلى قطع العشرات من أشجار الزيتون وقصّها في جنبات مدرج باب العمود، وتثبيت العديد من كاميرات المراقبة على أعمدة الإنارة فيه، كما لاحقت الشبان وأخضعتهم لعمليات تفتيش مذلة من أجل منعهم من الجلوس على المدرج، وإحباط محاولاتهم الدؤوبة لاحتلال حيّز في هذا المكان الاستراتيجي (مركز المدينة).

محاولة فرض المنهاج الإسرائيلي

تُهمل الحكومة الإسرائيلية كثيراً، وبشكل متعمد، الجانب المتعلق بالفلسطينيين في المدارس الفلسطينية، وتقول رونيت سيلع في مقالتها التي أشير إليها أعلاه: “[….] يبرز الإهمال أيضاً في مجال التعليم، فالمدارس الرسمية يمكنها أن تستوعب 41% فقط من إجمالي التلاميذ. وقد أدى غياب الاستثمار الملائم في التعليم إلى ألاّ ينهي 33% من التلاميذ الفلسطينيين في القدس 12 عاماً دراسياً، وهذا الرقم ليس له مثيل، أمّا الذين يبقون فعلاً في جهاز التعليم فيتعلمون في أحيان عديدة في مبانٍ سكنية جرى تحويلها كي تصبح مدارس. وأدت هذه الظاهرة إلى أن يكون 43% من الصفوف البلدية الرسمية لا تتمتع بالمواصفات السليمة. ومع أن التلاميذ الفلسطينيين يشكلون نحو 40% من مجمل تلاميذ المدينة، فان نحو 12% فقط من الوظائف في المجال النفسي التربوي في القدس تخصص له.”

ولم تيأس الحكومة الإسرائيلية أيضاً من محاولة فرض المنهاج الإسرائيلي في المدارس الفلسطينية في مدينة القدس الشرقية، ولإنجاح الأمر لجأت إلى أسلوب الترغيب من خلال الأموال، فقد طرح وزير التعليم الإسرائيلي من حزب “البيت اليهودي” اليميني نفتالي بينت مبادرة تقوم على أساس تقديم الدعم المالي إلى المدارس الفلسطينية في المدينة التي توافق على تدريس المنهاج الإسرائيلي، على أن يبدأ تطبيق هذه المبادرة في المدارس التابعة لبلدية القدس الغربية، ولاحقاً في المدارس الخاصة.

ونتيجة هذه الخطوة، بدأت 8 مدارس في المدينة، حديثاً، بتدريس المنهاج الإسرائيلي، وكانت البلدية شرعت في سنة 2011 في توفير كتب المنهاج الفلسطيني للمدارس بعد شطب كثير من مضامينها متوعدة مَن يحصل على الكتب من وزارة التربية والتعليم الفلسطينية بالمساءلة.

ويقول الائتلاف الأهلي لحقوق الفلسطينيين في القدس: “في بداية العام الدراسي 2011 / 2012 قامت بلدية الاحتلال بتزويد المدارس الخاصة بالكتب المدرسية المحرفة، إذ قامت بشطب الأجزاء والفقرات ذات العلاقة بالمفاهيم والتاريخ والجغرافيا والرواية الفلسطينية، وشمل التحريف كل ما له علاقة بتعزيز الهوية والقيم والثقافة الوطنية.”

وتشرف بلدية القدس الغربية على 52 مدرسة في القدس الشرقية وهي الأكثر استيعاباً للطلاب، إذ يدرس فيها ما يزيد على 40,000 طالب، يليها المدارس الخاصة وعددها 69 مدرسة، ثم مدارس الأوقاف الإسلامية وعددها 39 مدرسة، تليها المدارس شبه الحكومية (سخنين) وعددها 13 مدرسة، وأخيراً المدارس التابعة لوكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين في الشرق الأدنى (الأونروا) وعددها 8.

وبموجب القانون الإسرائيلي فإن الدولة ملزمة بتوفير التعليم، لكن نظراً إلى قلة عدد المدارس فإن سلطة المعارف الإسرائيلية تقدم المساعدات المالية إلى المدارس الخاصة وشبه الرسمية (سخنين)، الأمر الذي يجعلها تعتمد شيئاً فشيئاً على هذه المساعدات بما لا يمكّنها من العمل مستقبلاً في حال عدم الحصول عليها.

وفي هذا الصدد يقول وزير شؤون القدس ومحافظ المدينة عدنان الحسيني: “بعد أن اعتمدت بعض المدارس في القدس على المساعدات التي هي في الأصل واجب على الحكومة دفعها لها، فإنها تريد أن تبتزها الآن بتعليم المنهاج الإسرائيلي أو قطع المساعدات.” ويضيف: “هذه المساعدات هي جزء من الضرائب التي يدفعها سكان القدس، وإذا ما كانت الحكومة الإسرائيلية تريد حجب الحقوق عن السكان، فعندها ما المبرر لدفع الضرائب؟ فلتوقف جباية الضرائب وعندها سيكون بإمكان سكان القدس تدبير أمورهم”.

أمّا الائتلاف الأهلي لحقوق الفلسطينيين في القدس فأدان “إقدام سلطات الاحتلال على ابتزاز المدارس في القدس الشرقية بفرض المناهج الإسرائيلية على الشعب الفلسطيني تحت الاحتلال”، مشيراً إلى أن “تلك السياسات والإجراءات تتنافى مع أبسط قواعد وقوانين حقوق الإنسان والمواثيق الدولية التي تقرّ بحرية التعليم لجميع الأفراد أينما كانوا.”

حرب التقاسم المكاني والزماني للأقصى

لقد كان المسجد الأقصى شرارة الهبّة الجماهيرية التي انطلقت في تشرين الأول / أكتوبر 2015 بعد تصاعد الاقتحامات الإسرائيلية لساحاته، والتي لم تهدأ منذ ذلك الحين. وقد أفادت معطيات حصلت عليها “مجلة الدراسات الفلسطينية” من إدارة الأوقاف الإسلامية في القدس، بأن 14,064 مستوطناً إسرائيلياً اقتحموا ساحات المسجد خلال سنة 2015، وأن الوتيرة المرتفعة استمرت خلال السنة الجديدة (2016) باقتحام 472 مستوطناً الساحات خلال كانون الثاني / يناير. غير أن التصريحات الإسرائيلية العلنية بشأن تقسيم المسجد زمانياً ومكانياً بين المسلمين واليهود، خبت جزئياً من دون إعلان التراجع عنها.

وأطلق الفلسطينيون لقب “القائمة الذهبية” على قائمة تضم أسماء نحو 80 فلسطينياً، 60 منهم من النساء، ممنوعون من دخول المسجد الأقصىى بقرار من الشرطة الإسرائيلية، لاعتراضهم على اقتحامات اليهود ساحات المسجد. وطالت الاعتداءات الإسرائيلية أماكن دينية مسيحية في المدينة من دون إجراءات ملموسة لإلقاء القبض على المستوطنين منفذي هذه الاعتداءات.

ووجدت التطورات تعبيراً لها في البيان الذي أصدره مجلس رؤساء الكنائس الكاثوليكية في الأرض المقدسة في 18 شباط / فبراير، والذي قال فيه: “الوضع الحالي للفلسطينيين هو وضع لا إنساني. هو وضع مستوطنين يحتلون الأراضي الفلسطينية يوماً بعد يوم. هو حصار منذ أعوام في غزة، حصار لمليون ونصف من البشر، حصار فقر ومهانة للإنسان الفلسطيني هناك. وهو حصار في سائر أنحاء فلسطين وصعوبة الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية وهدم البيوت فيها. هو الحواجز العسكرية حيث يتحكم الجندي الإسرائيلي بالإنسان الفلسطيني ويُذِلّه. الحواجز مكان إذلال لا داعي لها على الإطلاق. وإنما سببها منطق الحرب الذي يزداد في كل يوم، وتزداد أيضاً الكراهية والموت. هو حصار القدس وتهويد المدينة وإبعاد أهلها الفلسطينيين عنها، وهو تهمة الإرهاب الشاملة للفلسطينيين وما يتبعها من عقاب جماعي، حتى أصبحت المرحلة اليوم مرحلة انتفاضة يموت فيها الفلسطينيون، بل يُقبلون على الموت من يأس في حياة أصبحت ذليلة وغير آمنة ولا أمل فيها.”