‘ جوجل وفيس بوك وحرب المعلومات العالمية’
1 مايو، 2016
ميدل إيسترن أوت لوك –
أثناء انتفاضات الربيع العربي عام 2011، كان واضحًا أنَّ وزارة الخارجية الأمريكية والأذرع المختلفة للقوة الناعمة التابعة لها هي المسؤولة بشكل مباشر عن الانتفاضات العربية التي انطلقت بصورة عفوية في البداية.
وفي النهاية، ظهرت “نظرية المؤامرة” فيما يتعلق بطبيعة الدعم الأمريكي لهذه الانتفاضات، وقد اعترفت صحيفة نيويورك تايمز في مقال نشرته في أبريل عام 2011 تحت عنوان “جماعات أمريكية ساعدت في رعاية الانتفاضات العربية “، وأوضحت:
“هناك عدد من الجماعات والأفراد المتورطين بشكل مباشر في الثورات والإصلاحات التي تجتاح المنطقة، بما في ذلك حركة شباب 6 أبريل في مصر، ومركز البحرين لحقوق الإنسان والنشطاء على مستوى القاعدة الشعبية مثل انتصار القاضي، وهي ناشطة سياسية في اليمن، حصلوا على التدريب والتمويل من منظمات مثل المعهد الجمهوري الدولي، والمعهد الديمقراطي الوطني ومؤسسة فريدوم هاوس، وهي منظمة غير ربحية لحقوق الإنسان في واشنطن، وفقًا لمقابلات أُجريت في الأسابيع الأخيرة والبرقيات الدبلوماسية الأمريكية التي نشرها موقع ويكيليكس.”
كما اعترفت صحيفة نيويورك تايمز بالعلاقات المباشرة بين المنظمات المذكورة أعلاه وبين الكونجرس الأمريكي ووزارة الخارجية الأمريكية. وجاء في المقال أيضًا:
“حضر بعض القادة الشباب المصريين مؤتمرًا تقنيًا في عام 2008 في مدينة نيويورك، حيث تمّ تعليمهم استخدام الشبكات الاجتماعية والتقنيات المحمولة لتعزيز الديمقراطية. وكان من بين تلك الشركات الراعية للمؤتمر: فيس بوك، وجوجل، وشركة MTV، وكلية الحقوق بجامعة كولومبيا، ووزارة الخارجية الأمريكية.”
كان هناك العديد من الاجتماعات والدورات بخلاف مؤتمر عام 2008. لقد كان دور فيس بوك وجوجل في تمهيد الطريق للربيع العربي، قبل سنوات من اندلاع الاحتجاجات “العفوية”، أكثر تعقيدًا من مجرد كون تلك المؤسسات هي الراعية لمؤتمر تقني في نيويورك.
كانت هيلاري كلينتون تشغل منصب وزيرة الخارجية الأمريكية أثناء وفي الفترة التي سبقت الربيع العربي، حتى أنها حضرت أحد “اجتماعات التكنولوجيا” عبر الهاتف كما ذكرت صحيفة نيويورك تايمز.
كما حضر الاجتماعات مسؤول من وزارة الخارجية الأمريكية ومسؤولين من جوجل وفيس بوك، إلى جانب أعضاء من وسائل الإعلام الأمريكية. وبعبارة أخرى، لم يكن هذا الحدث برعاية الحكومة الأمريكية وهذه الشركات التقنية العملاقة فحسب، بل كانوا هم الجهات المنظمة للحدث كذلك. وقد اتضح ذلك من برنامج المؤتمر.
كان الهدف هو إنشاء شبكة موحدة تجمع بين اتجاه وزارة الخارجية الأمريكية، والقدرات التقنية لشركات التكنولوجيا الرائدة، وتأثير وسائل الإعلام الأمريكية معًا للسيطرة على فضاء المعلومات، خاصة بعد انتفاضات الربيع العربي. وقد نجحوا في ذلك بالفعل. لقد سقطت حكومات تونس ومصر واليمن، وليبيا، وانتشر العنف واندلعت الحروب في الدول الثلاث الأخيرة، في حين أنَّ سوريا حتى يومنا هذا لا تزال غارقة في العنف الذي بدأ في أعقاب انتفاضة عام 2011.
وفي الآونة الأخيرة، تسربت رسائل البريد الإلكتروني لوزيرة الخارجية الأمريكية هيلاري كلينتون، والتي تكشف عن المزيد من التفاصيل حول مدى عمل شركات التكنولوجيا الرائدة بشكل وثيق مع الحكومة الأمريكية. وقد يقول البعض إنها امتداد للحكومة.
نشر موقع “سي بي إس” مقالة بعنوان “رسائل البريد الإلكتروني لكلينتون توضح العلاقة الوثيقة لوزارة الخارجية الأمريكية مع جوجل،” وكشفت ما يلي:
“الإصدار الأخير من رسائل البريد الإلكتروني المرسلة من وإلى خادم البريد الإلكتروني الخاص بهيلاري كلينتون تكشف عن علاقة وثيقة بين جوجل ووزارة الخارجية الأمريكية.”
وظهر بريد إلكتروني في عام 2012 تمّ تحميله مؤخرًا على أرشيف البحث الخاص بموقع ويكيليكس من مدير الأفكار بشركة جوجل جاريد كوهين، الذي عمل سابقًا مستشارًا لوزيرة الخارجية كلينتون، يشير إلى أنَّ جوجل أرادت الإسهام في تعزيز الدعم لأولئك الذين انشقوا عن جيش بشار الأسد.
“وأوضح أيضًا أنّه قبل إطلاق خاصية “تعقب الانشقاق” أراد كوهين من وزارة الخارجية النظر في تلك الفكرة وتقديم رأيها.”
لم تقتصر تلك التسريبات على فضح العلاقة السريّة بين وزارة الخارجية الأمريكية وشركة جوجل، لكنها كشفت عن حقيقة أنه بغض النظر عن مَن يعمل أين، كانت جوجل تعمل جنبًا إلى جنب مع وزارة الخارجية الأمريكية. اشترك كوهين في برنامج الحدث المذكورة أعلاه بصفته مسؤول تخطيط السياسات في مكتب وزيرة الخارجية وهذا يعني أنه قبل أن ينتقل إلى جوجل كان يعمل مع الشركة لتقويض حكومات أجنبية مختلفة، واستمر في ذلك بعد أن انتقل من الحكومة إلى القطاع الخاص.
مجرد بداية
لا تزال جوجل وفيس بوك منخرطتان في حرب المعلومات لصالح الحكومة الأمريكية والمصالح الخاصة التي تخدمها. وعلى نحو مماثل، فإنَّ وزارة الخارجية الأمريكية ما زالت منخرطة في أعمال تخريب الدول الأجنبية من خلال تجنيد وتدريب وتجهيز وتوجيه المتعاونين من الدول المستهدفة.
مؤسسة فيس بوك، على سبيل المثال، كشفت عن خطط لجعل الجميع على هذا الكوكب يستخدمون شبكة الإنترنت. هذه المهمة التي تبدو إنسانية هي في الواقع محاولة لجعل العالَم متمركزًا حول فيس بوك، والذي من خلال خوارزمياته وقدرته على فرض الرقابة، والحظر وحذف الحسابات، يستطيع السيطرة على ما يراه أو ما لا يراه العالَم.
وقد لاحظت العديد من الدول المتقدمة مثل روسيا والصين هذا الواقع من خلال ساحة معركة القرن الحادي والعشرين، وردّت عن طريق خلق إصدارات محلية خاصة بها من جوجل وفيس بوك. وقد بدأ سباق تسلح من نوع خاص بين هذه الخدمات المتنافسة سواء من حيث نطاق وقدرات كل شيء من الذكاء الاصطناعي وخوارزميات التعلم العميق إلى القدرة على التحكم والتأثير على تدفق المعلومات عبر الحدود وداخلها.
بدأت المنظمات التقنية غير الحكومية الممولة من الولايات المتحدة في التطور جنبًا إلى جنب مع المتعاونين التقليديين من جميع الدول حول العالم، والمتخصصين في القيام بالعديد من ورش العمل التي أُجريت في البداية من قِبل وزارة الخارجية الأمريكية، وجوجل وفيس بوك قبل الربيع العربي.
وهذا التهديد سيزداد فقط بعد أن أصبحت “حرب المعلومات” أكثر واقعية ومع التقدم الهائل في تكنولوجيا المعلومات. تستخدم الولايات المتحدة علنًا تكنولوجيا المعلومات لتعزيز طموحات الهيمنة في جميع أنحاء العالم، مع تأكيد تسريبات رسائل البريد الإلكتروني لما يشكّ به الكثيرون طوال الوقت. الأمر الأكثر إثارة للقلق هو شركات التقنية التي لم يتم الكشف عنها أو “تسريب وثائق خاصة بها”.
بالنسبة للدول في جميع أنحاء العالم، القضاء على الجهل في مجال تكنولوجيا المعلومات والتهديد الذي تشكّله يمكن أن يساعد في تعريف سكّانها بالطبيعة الساحقة للعمليات المدعومة من الخارج. من خلال خلق وغرس قطاع تكنولوجيا معلومات محلي وتوظيف المواهب قبل أن تفعل ذلك الولايات المتحدة، وخلق خدمات تنافسية مثل “ VK” في روسيا و “ Baidu ” في الصين ليس فقط بمثابة وسيلة لتحسين وتنويع اقتصاد الدول، ولكن يمكن أيضًا أن يكون بمثابة ركيزة هامة من ركائز الأمن القومي في القرن الحادي والعشرين.