صداع “ريجيني”.. مصر تكتشف الدواء وتوجه سهامها إلى الغرب


 بدت ردة فعل السلطات المصرية على التصعيد الإيطالي، ومن ورائه التصعيد الغربي، على خلفية قضية مقتل الشاب الإيطالي ريجيني، لافتة وغريبة، إذ خرجت القاهرة عن صمتها المعهود تجاه مقتل مصريين أو اختفائهم في الخارج.

– قتل حرقاً

ففي ضواحي العاصمة البريطانية لندن، عثر على المواطن المصري عادل حبيب ميخائيل، مقتولاً حرقاً، الثلاثاء في 27 أبريل/ نيسان، داخل سيارة محترقة في مرآب سيارات بضاحية “ساوث هال”، حيث طالبت مصر بريطانيا بتكثيف جهودها في كشف ملابسات الحادث، وبذل العناية الواجبة، وتكثيف تحرياتها من أجل الكشف عن غموض هذا الحادث.

وجاءت المطالبة المصرية عقب تصريح للخارجية البريطانية، عبرت فيه عن خيبة أملها بخصوص التقدم في كشف حقيقة وفاة ريجيني، وأكدت أن تعاون السلطات المصرية مع روما غير كاف، كما أشارت إلى أن قوات الأمن المصرية وراء مقتل الطالب، ودعت القاهرة إلى دراسة كل السيناريوات أثناء التحقيق.

وتزامن ذلك مع قرار الاتحاد الأوروبي بوقف تصدير معدات أو تقنيات إلى مصر خشية من استخدامها في انتهاك حقوق الإنسان، كما دعا إلى إطلاق جميع معتقلي الرأي وإجراء مصالحة تجمع كل القوى.

أما البرلمان الأوروبي فقد طالب مصر بتزويد السلطات الإيطالية بالمعلومات اللازمة للتحقيق في مقتل الطالب الإيطالي ريجيني، واعتبر أن ريجيني قُتل وسط مناخ تشيع فيه حالات التعذيب والوفاة في أماكن الاحتجاز والاختفاء القسري في عموم مصر خلال السنوات الماضية، لافتاً إلى أن الإخفاء القسري يمثل خطراً على الزائرين الأوروبيين لمصر، كما أكد أن الانتهاكات المنهجية تغذي وتقوي التطرف، وأن الاستقرار طويل الأمد لا يتحقق إلا في مجتمع يحترم تنوع الآراء.

– تحرٍّ واعتقال

وعقب تشكيل لجنة محاماة للكشف والتحري عن حقيقة ملابسات الحادث في أروقة المحاكم المصرية، قررت نيابة شرق القاهرة حبس المستشار القانوني لأسرة ريجيني أحمد عبد الله، حيث وجهت النيابة للمحامي عشرة اتهامات، من بينها التحريض على استخدام القوة لقلب نظام الحكم، وتغيير دستور الدولة والنظام الجمهوري، وإذاعة أخبار وبيانات وإشاعات كاذبة، من شأنها تكدير الأمن العام، وإلحاق الضرر بين الناس والمصلحة العامة، في حين دعت أسرة الباحث الإيطالي السلطات إلى إطلاق سراح المحامي.

وريجيني طالب دراسات عليا في جامعة كامبريدج، يبلغ 28 عاماً، عثر على جثته المشوهة على طريق سريع على مشارف القاهرة بعد تسعة أيام من اختفائه في يناير/كانون الثاني، حيث قالت السلطات المصرية في أول تفسير رسمي عن مقتله إنه كان “ضحية حادث مروري”، إلا أن الروايات تغيرت إلى حادث إرهابي ثم خطف، ثم اتهام بجمع معلومات تمس أمن الوطن ونقلها إلى جهات استخباراتية عسكرية.

ورغم تعدد الروايات التي أعلنتها السلطات المصرية بشأن مقتل الباحث الإيطالي، فإن وكالة “رويترز” أكدت من خلال نشرها تقريراً نقلت فيه شهادات من ضباط بالمخابرات والشرطة المصرية عن تفاصيل اعتقال الأمن لريجيني بالقاهرة قبل مقتله، الأمر الذي حدا بالداخلية المصرية إلى إصدار بيان تنفي فيه احتجاز الباحث الإيطالي قبل مقتله، فيما أكدت رئيسة البرلمان الإيطالي أن روما لن تكل من المطالبة بكشف حقيقة اغتيال مواطنها في مصر.

– فرنسا تفتح ملف مواطنها “لانج”

والأسبوع الماضي، فتح الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند، ملف مواطن فرنسي يدعى إريك لانج لقي مصرعه داخل أحد مراكز الاحتجاز في مصر عام 2013، خلال مباحثاته في القاهرة مع نظيره المصري عبد الفتاح السيسي، حيث تعد المرة الأولى التي يعلن فيها فتح الملف على هذا المستوى بين البلدين.

وكان لانج (49 عاماً) يعمل مدرساً للغة الفرنسية في القاهرة، قبل أن يلقى القبض عليه في 6 سبتمبر/ أيلول 2013؛ لعدم التزامه بقرار حظر التجول الذي كان مفروضاً في العاصمة المصرية آنذاك، وتم اقتياده إلى أحد أقسام الشرطة في القاهرة؛ وظل قيد الاحتجاز حتى الـ13 من الشهر ذاته؛ حين أعلنت السلطات الأمنية المصرية مصرعه زاعمة قيام 6 سجناء بالاعتداء عليه.

– مصر تريد التعامل بالمثل

ويبدو أن الولايات المتحدة الأمريكية ليست استثناء، فقد أعلنت السلطات المصرية أن مواطنها محمد محمود رشدي، لقي مصرعه في ظروف غامضة بولاية إنديانا، عقب إعلان اختفائه في 20 أبريل/ نيسان الجاري، ليتم العثور على جثته بأحد صناديق النفايات الكبيرة وعليها آثار تعذيب.

وأعلنت وزارة الخارجية المصرية أنها استدعت مساء الخميس 28 أبريل/ نيسان، المسؤول عن القسم القنصلي بالسفارة الأمريكية بالقاهرة (لم تذكر اسمه)، للتأكيد على أهمية الشفافية وسرعة الكشف عن الجناة في حادث مقتل مواطن مصري، عثر على جثته وعليها آثار تعذيب، في أحد صناديق النفايات الكبيرة بولاية إنديانا، وفق بيان لها.

وشابت العلاقات المصرية الأمريكية مؤخراً توترات، تمثلت في انتقادات تتعلق بـ”الملف الحقوقي”، وجهتها الولايات المتحدة إلى مصر، فيما توصف العلاقات المصرية الأمريكية بـ”الوثيقة” على المستوى العسكري، حيث تقدم واشنطن للقاهرة نحو 1.5 مليار دولار مساعدات سنوية، بينها 1.3 مليار مساعدات عسكرية، منذ توقيع مصر معاهدة السلام مع إسرائيل عام 1979.

– سجل حافل بالانتهاكات

وبعد إطاحة الجيش بقيادة السيسي حينها بحكم محمد مرسي، أول رئيس مدني منتخب في مصر، في يوليو/ تموز 2013، شنت أجهزة الأمن المصرية حملة قمع ضد الإخوان المسلمين أدت إلى مقتل أكثر من 1400 من أنصار مرسي، وتوقيف الآلاف، وقضى كثير منهم في السجون، في حين تتهم منظمات حقوق الإنسان والأمم المتحدة نظام السيسي وأجهزة الأمن بانتهاك حقوق الإنسان في السجون.

وصدرت أحكام بالإعدام على مئات من أعضاء جماعة الإخوان المسلمين أو أنصارها، ولكنها ليست نهائية، ولن تصبح نافذة إلا إذا أقرتها محكمة النقض، وامتدت حملة القمع بعد ذلك لتشمل شباب الحركات الاحتجاجية التي شاركت في الثورة التي أدت إلى إسقاط نظام حسني مبارك في 11 فبراير/شباط 2011، إلا أن متابعة دول الغرب لملف مقتل الشاب الإيطالي ريجيني، والمسن الفرنسي إريك لانج، قد يسبب ضغوطاً على حكومة السيسي وإعادة محاكمة الكثير من المعتقلين المحكوم عليهم بالإعدام.