uFEFFحسن سعد عبد الحميد يكتب: سمات النخبة الحاكمة في العراق بعد 2003

1 أيار (مايو - ماي)، 2016

حسن سعد عبد الحميد

يمثل موضوع النخبة الحاكمة العصب الحساس في أي نظام سياسي، لما له من قدرة على إدارة البلاد وتلبية طموحات مواطنيها. كما ينتمي هذا الموضوع إلى مواضيع علم الاجتماع السياسي، الذي اهتم بدراسة النخبة وطبيعة علاقاتها مع القوة السياسية.
فالنخبة الحاكمة تعني مجموعة من الأفراد تمارس السلطة فعلياً ويؤثر أفرادها في القرارات السياسية بشكل يتصف بالثبات والاستقرار، ويمكن ملاحظته بسهولة، حيث تستمد النخبة الحاكمة القدرة على التأثير من طبيعة المناصب التي يشغلونها في الدولة. وهذه النخب هي في الغالب قليلة العدد، تتمتع بنفوذ سياسي وقوة سياسية وبمزايا اجتماعية رفيعة، بناء على مركزها السياسي في الدولة والاجتماعي المتميز في المجتمع. وهذه النخبة هي التي تسير شؤون الطبقة المحكومة وتخضعها لتوجيهاتها، فالنخبة الحاكمة هي جماعة تمتاز بالدرجة العلمية والثقافية العالية، ومن حملة الشهادات العليا، ويشار لهم كاصحاب احتراف في مجال العمل السياسي.
ولو أخذنا هذه الأفكار البديهية التي تتمتع بها النخب الحاكمة وطبقناها في العراق سنجد الأمور مغايرة ومعاكسة إلى حد بعيد، شأنها شأن الوضع العراقي برمته بعد 2003. فالسمات الأساسية للنخبة الحاكمة نجدها بعيدة عن معايير العقلانية المميزة لسلوك النخب، فسمات النخب الحاكمة في العراق منذ التغيير السياسي الذي تم بفعل التدخل الخارجي لا تبتعد كثيراً الآتي:

شخصنة الدولة والمؤسسات

في العراق نجد أن شخصنة السلطة والدولة وبمؤسساتها المتعددة أمر شائعاً من حيث اختزال البرلمان بشخص الرئيس تارة، وتارة بطائفية المنصب، وهذا الحال لا يختلف كثيراً عن رئاسة الوزراء أو مؤسسة رئاسة الجمهورية، واختزال الوزارات باسم وزرائها، فتجد عبارة، الرمز الوطني ومعالي دولة الرئيس وفخامة الرئيس يسبق اسمه وتشخص سلوكياته ومواقفه في تلك الرموز. ولا يخفى على أحد ما قد ينتج عن ذلك من إرهاب فكري من قبل أصحاب الشخصنة تجاه خصومهم السياسيين، أو عامة الشعب في حال توجيه سهام النقد لهم. وهذه الحالة هي بحد ذاتها أمر باعث على الفساد والتجاوز على المال العام، وتحويل النظام السياسي والقانوني بمؤسساته المتنوعة من نظام قانوني إلى نظام خاضع للإرادة الشخصية المتسيدة على قمة هرم الدولة. فالنظام المشخصن لا يمتلك أي قدرة على التجديد الذاتي، وإنما الإبقاء على الوجوه نفسها والتغيير الحاصل يحدث فقط في المراكز الوظيفية وهو ما يحصل وسيحصل في العراق.

الثقافة السياسة التقليدية

إن البحث في طبيعة الثقافة السياسية للنخب الحاكمة في العراق يتيح لنا معرفة درجة التفاعل والانسجام بين النظام السياسي والإطار الاجتماعي فيه، فالثقافة السياسية هي مجموعة من الاتجاهات والمعتقدات والقيم التي تعطي معنى للنظام السياسي، والتي بدورها تؤثر على السلوك السياسي لتصرفات الأفراد داخل النظام السياسي. وبقدر تعلق الامر بثقافة النخب الحاكمة العراقية نجدها ثقافة سياسية قائمة على التنوع المتنابذ المتنافر، لا التنوع الهرموني المنسجم، ثقافة النخب العراقية ثقافة حسم اجساد لا حسم احقاد، ثقافة حسم لا ثقافة تسوية. وهذا الامر يبين لنا طبيعة الثقافة السياسية لتلك النخب، وهي ثقافة تقليدية سلبية، على أساسها تمارس تلك النخب نشاطها السياسي. هذه الثقافة كان لها الدور الأبرز في تعزيز الولاءات الفرعية الطائفية والحزبية الضيقة، واعطائها العلوية في تحديد الانتماءات السياسية كتحول سياسي إيجابي شهده العراق.

الافتقار إلى المشروع الوطني للإنجاز

إن النخب الحاكمة في العراق لا تمتلك استراتيجية ذات بعد وطني شامل ومؤسسي وبمنظور علمي، فلم تقدم لنا تلك النخب إنجازاً سياسياً واحداً يستحق الإشادة والإشارة اليه، بل العكس نجد تراكما للازمات السياسية الواحدة تلو الاخرى وتشكيل لجان لحلها من دون ان تقدم أي شيء جديد. هذه النخب ومنذ 942003 لم تمتلك أي مشروع وطني حقيقي يساهم في إعادة بناء الدولة العراقية من جديد وفق متطلبات النهوض والتحول الديمقراطي، حيث شهدنا مشروعا خاصاً بتلك النخب قائماً على التوزيع المحاصصاتي للمناصب وتوزيع المكاسب، من دون ان يكون للمواطن العراقي أي نصيب يذكر. فالمشروع الوطني الذي تبنته تلك النخب بعيد عن ثوابت المصلحة العامة للشعب العراقي، فهي تجيد اللعب تحت شعار المشروع الوطني لإدامة سيطرتها على مفاصل الدولة بعيدة عن مسميات الوطن والشعب والوطنية. تلك النخب تمتلك رؤية وخبرة ووعيا، وهذا لا ننكره، لكنها استخدمت تلك الخبرة والرؤية وذاك الوعي في مجال خداع المواطنين العراقيين واستقطابهم طائفياً، وفقاً لمتطلبات مصلحتهم الخاصة، فتلك النخب عنوان مشروعها الوطني التخندق الطائفي.

ضعف الخبرة الاقتصادية

منذ 2003 وحتى اللحظة لم تقدم لنا النخب العراقية الحاكمة سياسة عامة اقتصادية صحيحة تنتشل العراق من البطالة والفقر وضعف الدخل، فمن يدقق في برامج تلك النخب على الصعيد الاقتصادي سيجد المنهاج النظري شيئا والتطبيق شيئا آخر، فمن تولى عجلة الاقتصاد وإدارة الثروات في البلاد لا يمتلك خبرة في إدارة الملف الاقتصادي العام للدولة، ويفتقر إلى الإجراءات الكفيلة التي تجعل المواطنين العراقيين أكثر رفاهية واستقرارا، لكن الذي نجده هو امتلاكه لخبرة في مجال عمله الحزبي فقط. هذا الأمر انتج لنا نخبا لم تستطع علاج البطالة والفقر في العراق، ولم تستطع الحد من استشراء الفساد، لم تستطع توظيف الكفاءات وأصحاب الخبرة في إدارة الاقتصاد العراقي، كل هذه الامور تعطينا فكرة عن مدى الضعف والعجز الاقتصادي لتلك النخب في ادارة الملف الاقتصادي.

غياب التواصل مع المواطنين

من أبرز ملامح وسمات النخب الحاكمة في العراق غياب التواصل مع مواطنيها وناخبيها، فمــــــن الدقة القـــــول إن ضعف التواصل هذا إن لم نقل انعدامه في الكثير من الاحيان يتحمله بنسبة معينة الناخب العراقي، فهو الذي أوصل هؤلاء إلى السلطة وإعادة انتخابهم من جديد، وهؤلاء أي النخب مشغولة بالمناكفات والتسقيط السياسي والتصعيد الإعلامي مع بعضهم بعضا، من دون أن يقفوا وقفة وطنية مع الشعب، فلم يقدم التاريخ لنا مسؤولاً عراقياً زار دائرته الانتخابية للتعرف على هموم المواطنين وحل مشاكلهم إلا في حالة قرب الانتخابات في أحسن الأحوال.
الافتقار إلى قوة القرار السياسي وضعف الإنجاز السياسي، وافتقار تلك النخب إلى التجانس السياسي والأيديولوجي، بل يوجد في ما بين النخب العراقية تنافس محموم للحصول على المكاسب الفردية وإضفاء الشرعية عليها. ففي النظم الديمقراطية عادة ما تكون دورة النخب الحاكمة فيها سريعة مما يشكل تلاقيا واضحا بين نظرية النخبة الحاكمة والديمقراطية، لكن في العراق تجد أن سلوك النخبة الحاكمة فيه أقرب إلى التمسك بالمنصب، ما يجعلها أقرب إلى فلسفة الأوليغارشية (الأقرب إلى المنفعة المادية). كما أن النخب العراقية، على ما يبدو، تعاني من أزمة هوية وطنية، وأزمة في الشرعية (شرعية الإنجاز والتواصل لصالح المجتمع)، وأزمة في إدارة البلاد وعدم قدرتها على إدارة المؤسسات على نحو سليم، كما تعاني من أزمة في رسم تفاعلات سياسية جديدة بين القوى السياسية المختلفة، وضعف الاستجابة لمطالب الشعب وتمثيلها سياسياً.
كل هذه السمات تعطيك انطباعاً لمدى فقر النخب الحاكمة العراقية في إدارة دولة مهمة مثل العراق، وأن الطريق أمام الشعب العراقي لا زال طويلاً في إحداث التغيير المنشود

المصدر: القدس العربي

حسن سعد عبد الحميد يكتب: سمات النخبة الحاكمة في العراق بعد 2003 على ميكروسيريا.
ميكروسيريا –

أخبار سوريا ميكرو سيريا