استراتيجية إيران للـ 20 عاماً المقبلة: تزكية للعنف بالمنطقة العربية وزيادة تفتيتها


أعلنت إيران نهاية الشهر الماضي عن استراتيجيتها للـ 20 عاماً المقبلة (2016 – 2036)، فيما يبدو أن هذه الخطوة جاءت رداً على الاستراتيجية التي وضعتها الممكلة العربية السعودية بدءاً من العام الحالي وحتى العام 2030.

وجاء الإعلان عن الاستراتيجية الإيرانية على لسان مستشار "علي خامنئي"، والقائد السابق لـ"الحرس الثوري الإيراني" رحيم صفوي، وتحدث الأخير صراحة عن استمرار التدخلات الإيراني بالمنطقة، وعلى وجه الخصوص سورية، ولبنان، والعراق.

وبدا واضحاً أن الإدارة الإيرانية ما تزال تصر على المضي في سياسة توتير العلاقات مع جاراتها من الدول العربية، إذ أعلن صفوي أن استراتيجية إيران المقبلة تقوم "على تعزيز الدعم لحزب الله في لبنان، حتى بلوغه الاكتفاء الذاتي مالياً وعسكرياً، ليصبح القوة الكبرى في لبنان". وفقاً لما ذكرته صحيفة "الشرق الأوسط".

وتريد إيران تمكين ميليشيا "حزب الله" (التي تعتبر ذراعاً إيرانيةً في لبنان) تحت أي ظرف في المشهد السياسي اللبناني، إذ ترى طهران أن الوقوف بجانب هذه الميليشيا يعد "من مصاديق تصدير الثورة وولاية الفقية في الدول العربية". ولذلك صعدت طهران من خلافاتها مع الدول العربية والإسلامية، عبر مهاجمتها مجلس الجامعة، ومجلس التعاون الخليجي،  ومنظمة التعاون الإسلامي بعدما صُنفت ميلشيا "حزب الله" على أنها منظمة إرهابية.

وأدى الدعم الإيراني منذ سنوات لميليشيا "حزب الله" إلى تأزيم الأوضاع السياسية بين اللبنانيين، ويحمل كثير من الساسة اللبنانيين إيران مسؤولية تعطيلها انتخاب رئيس جديد للبنان الذي يعيش منذ أكثر من عامين فراغ رئاسي، جراء غياب التوافق بين الكتل السياسية على رأسها "حزب الله".

ووفقاً لما أعلنه المسؤول الإيراني صفوي فإن استراتيجية إيران المستمرة في دعم الميليشيا ستؤدي إلى تعزيز مشكلة "سلاح حزب الله" خارج الدولة، وهو ما أدى سابقاً إلى استخدامه بشكل سيء ضد اللبنانيين، لا سيما مع اجتياح عناصر الميليشيا للعاصمة بيروت في 7 مايو/ أيار عام 2008، إثر اتخاذ مجلس الوزراء قراراً بمصادرة شبكة الاتصالات التابعة لسلاح الإشارة الخاص بالميليشيا، بالإضافة إلى إقالة قائد أمن مطار بيروت حينها العميد وفيق شقير.

سورية والعراق

من ناحية ثانية، سيؤدي تمكين ميليشيا "حزب الله" من زيادة تدخلها في سورية والعراق، حيث تدعم نظام بشار الأسد بقوة في معاركه ضد السوريين، وتساند بنفس الوقت ميليشيا "الحشد الشعبي" (المدعومة من إيران).

وبدا مع ما كشف عنه قيادي في البيشمركة يوم 24 أبريل/ نيسان الماضي لصحيفة "الشرق الأوسط"، أن ميليشيا "حزب الله" دخلت في مرحلة جديدة من تنفيذ الأجندات الإيرانية بالمنطقة.

وأكد القيادي حسين يازدان بنا وجود قوة مؤلفة من ألف مقاتلي من ميليشيا "حزب الله" وصلت إلى محافظة كركوك لمساندة ميليشيا "الحشد الشعبي" للسيطرة على المحافظة ومدينة الموصل، وصولاً إلى الحدود السورية العراقية لاستكمال "الهلال الشيعي" وفقاً للقيادي.

وفي سورية التي اشتدت فيها وتيرة المعارك مؤخراً نتيجة فشل المفاوضات السياسية إثر سياسات نظام الأسد، سيؤدي تعزيز قوات ميليشيا "حزب الله" إلى مزيد من العنف في سورية، سيما وأن الميليشيا تخوض معارك في جبهات سورية عدة بجانب النظام.

وسينعكس دعم الميليشيا سلباً على السوريين، سيما فيما يتعلق بالملف الإنساني، حيث تفرض الميليشيا مع نظام الأسد حصاراً مطبقاً على مناطق المعارضة السورية، وعلى رأسها مضايا والزبداني، ما تسبب بوفاة العشرات جراء الجوع. فضلاً عن مشاركة الميليشيا في تهجير آلاف السوريين من منازلهم بسبب عملياتها العسكرية.

دعم الأسد

الاستراتيجية الإيرانية ستركز بشكل أساسي أيضاً وفقاً لـ صفوي، على دعم رأس النظام في سورية بشار الأسد، ووعد صفوي في حديثه بـ"منع سقوط نظام بشار الأسد ومنع تقسيم سورية"، وقال إن هذان الأمران من الخيارات الاستراتيجية لإيران.

وخلال الشهرين الماضيين زادت إيران من دعمها العسكري لقوات النظام، وفي تطور نوعي أعلنت طهران لأول مرة عن إرسال قوات لها من جيشها إلى سورية لمساندة الأسد، حيث أرسلت فرقة من اللواء 65 (قوات خاصة)، وتزامن ذلك مع زج قوات من "الحرس الثوري" وميليشيات عراقية، وأفغانية.

الإصرار الإيراني الذي جاء على لسان صفوي حول دعم الأسد، سيؤدي في المحصلة إلى إفشال جميع الحلول السياسية للملف السوري، كما أنها ستغري الأسد في الاستمرار بقصف المدن السورية، وانتهاجه الخيار العسكري، واتخاذه مواقف أكثر تصلباً حيال المفاوضات الجارية، ما سينعكس سلباً على المعارضين السوريين خصوصاً المدنيين منهم، حيث يتوقع أن ترتفع وتيرة القصف على مناطقهم، بالإضافة إلى احتمالية تحقيق قوات النظام تقدماً ميدانياً بسبب الدعمين الروسي والإيراني.

المنطقة العربية

وفي تصريحاته التي أدلى بها صفوي أثناء شرحه آفاق الاستراتيجية الإيرانية للعقدين المقبلين، تحدث عن أهداف لإيران في منطقة الشرق الأوسط، تعزز من ثقلها بالمنطقة. وقال إن "ذلك يتطلب ثمناً واستثماراً من طهران".

وتمتلك إيران أذرع لها في العديد من الدول العربية، وبينها دول مجلس التعاون الخليجي، بالإضافة إلى ثقلها الكبير في اليمن عبر دعمها لجماعة "الحوثيين". وقد توترت العلاقات بين طهران والدول الخليجية مؤخراً مع كشف خلايا نائمة تعمل لصالح إيران في هذه الدول، ولديها أعمال تعتبر خطراً على الأمن القومي الخليجي.

ويشير محللون إلى أن الملفين السوري والعراقي على وجه الخصوص، ما يزالان يحكمان طبيعة العلاقة بين الدول الخليجية وإيران، فمن جهة تصر هذه الدول على ضرورة رحيل الأسد عن السلطة لارتكابه المجازر في سورية، بينما تدعمه إيران للبقاء، ومن جهة أخرى ترى دول الخليج في التدخل الإيراني بالعراق خطراً على حدودها وبلدانها، في وقت ترى فيه إيران العراق على أنه بقعة جغرافية يحق لها التصرف بحرية.