سبها.. أو كيف تعيش قبيلة القذافي تحت حُكم «الغرباء»؟
3 أيار (مايو - ماي)، 2016
بعد أكثر من خمس سنوات على اندلاع الثورة الليبية، التي وضعت حدًّا لـ42 عامًا من حُكم الرئيس الليبي مُعمر القذافي، صارت حياة مُختار عبد اللطيف (59 عامًا)، هو وكافة أفراد عائلته من قبيلة «القذاذفة»، بمنطقة سبها، جنوبي ليبيا، تمر بضائقة نفسية، بعد فقدان أغلبهم وظائفهم الحكومية، داخل المنطقة، وانحسار نفوذهم عما كان عليه الوضع خلال حُكم القذافي.
مشاعر الهزيمة النفسية المُسيطرة على مُختار، والذي يناديه أقرباؤه وأهل منطقته بـ«الشيخ»، لإمامته لهم في الصلاة، لا تعود فقط لزوال الحُكم من تحت يد مُعمر القذافي ومقتله، والتضييق على نفوذ أفراد قبيلته، لكنه يعود لما يسميه «استباحة دم الغرب مع مواطنين ليبيين متآمرين على رئيسنا الذي خدم بلادنا، ووقف أمام مُخططات مؤامرية حيال وحدة هذه البلد طيلة فترة حكمه»، على حد تعبيره بلكنة بلاده، في اتصال هاتفي مع «ساسة بوست».
مُختار الذي كان مسؤولًا في إحدى أجهزة الأمن بمنطقة سبها، يتمتع بعلاقة مُصاهرة مع حسين الكني، وهو إحدى قيادات «ثورة الفاتح»، والذي كان مسؤولًا عن الأمن في جنوب ليبيا خلال فترة حكم القذافي، بجانب ضلوعه في حشد وتعبئة مواطنين من التشاد والنيجر، ومن بعض القبائل الموالية له، وتعبئتهم في طيارات لنقلها للشمال؛ لدعم كتائب القذافي ضد المُتظاهرين.
ومدينة سبها، هي إحدى مدن الجنوب الليبية، وتستوطنها قبيلة القذاذفة، وقبائل أخرى موالية للرئيس الراحل معمر القذافي، والذي ولد في هذه المدينة، وقضى فترة صباه وشبابه بين نواحيها.
آل القذافي في مرمى الخطر
سقوط القذافي من الحُكم، ودعم منطقة الجنوب للنظام من خلال مسيرات التأييد في الفترة الأخيرة من حُكمه، وإرسال مئات الأفارقة للشمال لدعمه ضد المتظاهرين؛ جعل أفراد قبائل الجنوب كافة في مرمى الخطر بعد سقوطه، فكان خيار الهروب عبر دولتي النيجر والجزائر، لعشرات المنتمين للقبيلة إلى مصر، وعدد من الدول الأوروبية، هو الخيار الأكثر أمانًا، كما يوضح مختار، الذي يضيف كذلك أن «أغلب المؤيدين والداعمين لنا، انتقلوا عبر منطقة الجنوب هربًا من بطش المتمرديين، وهو الأمر الذي سلكه كذلك أبناء القذافي للهروب خارج البلاد عبر الجنوب، مستدلًا على ذلك بالقبض على سيف الإسلام في منطقة أوباري بالجنوب خلال عملية تهريبه».
الهروب خارج ليبيا عبر جهة الجنوب، ترجع لنفوذ آل القذافي داخل تلك المنطقة، وبسط نفوذهم عليها خلال سنوات حُكمه، بجانب امتداد هذه القبائل في الجنوب لبلدان الجزائر والنيجر، والمعروفة بـ«قبائل الطوارق»، كما يقول مختار.
وتُعد مصر البلد الأكثر استقبالًا لعدد من الموالين لنظام القذافي، في الفترة التي تلت ثورة 17 نوفمبر (تشرين الثاني)، حيث يُعد من أبرز مستوطنيها من آل القذافي، أحمد قذاف الدم، وهو ابن عم معمر القذافي، وله صلات نافذة بعدد من قبائل مرسى مطروح، وعدد من الجهات الأمنية، بجانب استثمارات له في مجال الزراعة، وهناك عشرات من قبيلة القذاذفة الذين انتقلوا للعمل معه بعد التعثرات المحيطة بهم في ليبيا.
«ساسة بوست» تواصل مع أحمد قذاف الدم، الذي يسكن بإحدى الفيلات بحي الزمالك الراقي في العاصمة المصرية القاهرة، والذي دافع عن معمر القذافي، قائلًا: «هذا الزعيم لا يقارن بالآخرين. مُعمر القذافي كان له أنصار ومؤيدون، وهم الذين اضطروا للسفر للخارج بحثًا عن حياة كريمة، لأنهم لن يقبلوا أن يعودوا ليعيشوا تحت المذلة والقهر. ومنهم عشرات الآلاف من أبناء القوات المسلحة، والحرس الثوري».
ويتهم قذاف الدم، أجهزة مخابرات دول أجنبية، بالوقوف وراء ما وصفها بـ«المؤامرات التي أطاحت القذافي من الحكم»، قائلًا إن هذه الأجهزة، كانت «وراء دفع بعض العناصر المدسوسة لاغتياله»، مشددًا على أن آل القذافي، هم «أهل عزة وكرامة يعيشون مرفوعي الرأس دائمًا، ويفخرون بماضيهم وحاضرهم دون مواربة من أي شخص»، على حد تعبيره.
كان من أبرز القيادات الموالية لنظام القذافي بمنطقة الجنوب، الذي انتقل للقاهرة بعد الحصار المفروض عليهم، مسعود عبد الحفيظ،، رفيق العقيد القذافي إبان حركة الضباط الأحرار عام 1969، ضد الملك إدريس السنوسي، الذي توفي في المركز الطب العالمي بالقاهرة منذ أكثر من عام.
على بعد 600 كيلومتر من منطقة سبها موطن قبيلة القذاذفة، تعيش الحاجة فاطمة عبد الحفيظ، بمنطقة غات الليبية، وهي إحدى زوجات مسعود، التي تستوطن منطقة غات المعروفة بدعم قبائلها لنظام القذافي. تقول فاطمة، التي شغلت منصب وزيرة التربية والتعليم، خلال عهد القذافي، في اتصال هاتفي لـ«ساسة بوست»: «كُنت انتقل بين العاصمة طرابلس والجنوب خلال ولايتي كوزيرة، قبل أن تقع المؤامرة الليبية وتُطيح حُكم الرئيس الشرعي لبلادنا. وأستقر بشكل دائم وسط عائلتي وقبيلتي، التي ما تزال لها نفوذ في منطقتنا، ومن الصعوبة على المجموعات المتمردة التجاوز حيالنا، لأننا لنا نفوذ نابع من تقدير أهل الجنوب لنا»، على حد قولها.
معدلات القتل العشوائي والتشدد الديني ترتفع في مسقط القذافي
إحدى الظواهر التي نشأت داخل المدينة الليبية، هي احتضانها لمن يوصفون بـ«المتشددين الدينيين»، وتنظيم دعاة دين حلقات دروس دينية داخل المساجد الرئيسية في المدينة، وبمنطقة الجنوب، تحت رعاية القبائل الموجودة، بحسب محمد عفيفي، طبيب مصري عمل بالمستشفى الحكومي بالمجينة، على مدار 25 عامًا، والذي يُضيف أن «هذه القبائل مالت للتشدد الديني، وسَعت لنشر خطابها الديني والوعظي عبر استقطاب دعاة كالداعية عمر أبو عبد الله المصري، الذي ألقى محاضرات متواصلة لمدة أسبوع في مسجد عقبة بن نافع بمنطقة المنشية، تركزت معظمها على تكفير الديمقراطية واعتبار أن الانتخابات تدخل في باب الشرك بالله، واعتبر أن الانتخابات إحدى وسائل معصية الله».
من بين مظاهر التعصب الديني، التضييق على معظم المهاجرين المسيحيين القادمين من إفريقيا، إذ تجسدت هذه الظاهرة تحديدًا في منعهم من الاحتفال العلني بعيد الميلاد، أو رأس السنة الميلادية، والتي تجسدت في عدم قرع الأجراس الخاصة بمبنى خُصص لصلوات المسيحيين، حتى لا يثيروا امتعاض السكان أو اعتراضهم، بجانب تعرض الكثير منهم للاختطاف أو القتل، أو مساومة ذوييهم بمبالغ مالية كبيرة مقابل إطلاق سراحهم.
كذلك تحايل الأفارقة المسيحيون، على هويتهم بتغيير أسمائهم، إذ صاروا يبدلون أسماءهم بأسماء إسلامية، فإيمانويل يصبح «محمد»، وفيليب يصبح «أحمد». بجانب حرص النساء على ارتداء الزي الإسلامي، وتغطية الشعر بالحجاب، منعًا للمضايقة أو التوقيف من جانب بعض الجماعات المتعصبة، ولتسهيل حصولهم على فرص عمل أيضًا.
من بين الظواهر التي زادت مُؤخرًا في تلك المنطقة، ارتفاع معدلات القتل العشوائي والسرقة، وصراع القبائل الذي تجسد في واقعة اقتحام كتيبة قوة الردع الخاصة، التابعة لوزارة الداخلية في حكومة الإنقاذ بطرابلس، حرم المعهد العالي للمهن الشاملة في سبها، والسيطرة على جزءٍ منه، وإقامة ثكنة عسكرية به لـ«حمايته من أزلام القذافي»، على حد تعبير ناطقين باسمها.
وهو الأمر الذي واجهه الطلبة المنتمون لقبائل موالية للقذافي، بالرفض لمجاورة هذه الكتيبة، ما دفع الكتيبة لبناء سور فاصل بين الجزء الذي استقرت فيه، ويشمل صالة الألعاب والقسم الداخلي والمسجد، وبين الجزء المتبقي من المعهد الذي يرتاده الطلبة يوميًّا.
كذلك ارتفع عدد الاشتباكات في هذه المنطقة، وتحديدًا في حي الطيوري (جنوب شرق مدينة سبها في الجنوب الليبي)، على خلفية المعارك المتفاقمة بين قبيلتي التبو والطوارق، في منطقة أوباري القريبة من سبها.