كيف يسعى تنظيم الدولة الإسلامية إلى استغلال القضية الفلسطينية؟
3 مايو، 2016
ميدل إيست آي –
يستغل تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) الموجة الجديدة من العنف في الأراضي الفلسطينية المحتلة لخدمة أغراضه الخاصة. هذا الاستغلال للقضية الفلسطينية يطرح تحديات حقيقية أمام الشعب الفلسطيني، ويشكّل أيضًا التحديات الرئيسية التي تواجه الدول الأوروبية التي يهددها داعش والتي، في أعقاب هجمات باريس وبروكسل، تكافح لتعزيز أجندة الاتحاد الأوروبي حول الأمن.
محاولات داعش لإعادة تأطير الهجمات العنيفة كجزء من عقيدتها السلفية الجهادية هي تحريضات خطيرة للعنف. وبالإضافة إلى ذلك، فإنّها إعادة تأطير تغذي مباشرة شيطنة السردية الفلسطينية التي كتبتها الأصوات المعادية لحقوق الشعب الفلسطيني، والحدّ من تمرد الفلسطينيين ضد قوة محتلة تمارس نفس النوع من “الإرهاب”، مثل التعصب الديني الذي يمارسه داعش.
أحد الطرق التي حاولت من خلالها المبادرات الأوروبية التصدي للجاذبية الواضحة لأيديولوجية داعش هي إنشاء السرديات المضادة. التحديات التي تواجهها هذه الجهود نوقشت على نطاق واسع في أماكن أخرى. ومع ذلك، فقد كان أحد العناصر المسيّسة لسردية داعش هي غياب حملات السرديات المضادة: الدعاية للقضية الفلسطينية.
الأهمية الاستراتيجية لفلسطين في مناشدة بعض الجماهير لا يمكن إنكارها؛ إذ أنها تتمتع بمستوى عالٍ من الشرعية بين المسلمين، على الرغم من أنها ليست قضية دينية في المقام الأول والعديد من الفلسطينيين من المسيحيين. ويمكن تفسير الكثير من هذا من خلال أهمية الأماكن المقدسة في القدس، ولكنه قد يتعلق أيضًا بتصوّر فلسطين كنقطة اشتباك للسكّان المسلمين الأصليين المضطهدين من قِبل قوة استعمارية حديثة غير مسلمة.
وكثيرًا ما يشير الجهاديون السلفيون إلى هذا باسم المحور “الصهيوني الصليبي” في خطاباتهم. وعلى الرغم من أن 88 بالمئة من الفلسطينيين يعتقدون أن داعش “لا يمثل الإسلام الحقيقي،” تواصل الجماعة السلفية الجهادية الإشارة إلى الفلسطينيين في كتاباتهم في محاولة واضحة لاستمالة القضية الفلسطينية واستغلالها لحشد الدعم.
لقد كان استغلال داعش لسردية فلسطين واضحًا بشكل خاص مع بداية الموجة الأخيرة من هجمات الطعن العنيفة وحملات الإعدام خارج نطاق القضاء من جانب إسرائيل في أكتوبر عام 2015. ولم ترتبط تلك الهجمات بأي مجموعة محددة، ولم يعلن داعش مسؤوليته عن أي هجوم.
ومع ذلك، فقد أشاد تنظيم داعش بهجمات الطعن، ودعا بنشاط للعنف ضد اليهود. وهذا ما يفسر أهمية تلك الهجمات “ليس من أجل قطعة أرض أو وطن أو انتماء حزبي، ولكن باسم الله”.
هذا تحريف خطير وعنيف للقضية الفلسطينية، والتي هي عبارة عن تأمين حقوق الشعب الفلسطيني، والتي ينبغي ألّا تُستخدم (ونادرا ما تكون) كذريعة لمعاداة السامية. ولا يتوافق هذا التحريف مع ملاحظة تركتها شابة فلسطينية قُتلت خلال هجوم طعن في نوفمبر عام 2015، قالت فيها أنها فعلت ذلك دفاعًا عن وطنها.
وتشمل قائمة مقاطع فيديو داعش الخاصة بهجمات الطعن انتقادات حادة للسياسة الفلسطينية: “لا تنتظروا من فتح ولا من حماس نُصرة. فلا تلتفتوا إليهم ولا تنظروا إليه، فإن تصريحاتهم وشعاراتهم فارغة لا خير فيها. وتوكلوا على الله “. في الواقع، يسعى تنظيم الدولة إلى تفاقم المشاكل القائمة في فلسطين، مثل تفتيت السياسة الوطنية. ولذلك، فإنّه يتناول بعض عناصر القضية الفلسطينية، ويؤطرها بشكل مختلف عن كيفية عرض الفلسطينيين نضالهم من أجل حق تقرير المصير.
ترتكز آلام الشعب الفلسطيني التي يعمل داعش على تفاقمها وإعادة تأطيرها في السياسة الإسرائيلية والأمريكية والأوروبية تجاه الفلسطينيين. وهذا لا يعني أن المجتمع الدولي مخطئ في الاستغلال الواضح من داعش للقضية الفلسطينية. ولكنَّ التهميش المستمر للأصوات الفلسطينية من أجل أمن واستقرار إسرائيل، بغض النظر عن الانتهاكات الواضحة لإسرائيل لحقوق الشعب الفلسطيني، ومشروعات الاستيطان غير القانونية، كلها أمور تستغلها جماعة تهدّد العديد من الدول في المنطقة وخارجها.
الإجراءات الأخيرة من الاتحاد الأوروبي مثل المبادئ التوجيهية بشأن وضع علامات على المنتجات من المستوطنات الإسرائيلية غير الشرعية هي خطوة جيدة في الاتجاه الصحيح. ومع ذلك، فإنَّ هذه الخطوة يجب أن تكون جزءًا من تحوّل محتمل أوسع نطاقًا بعيدًا عن احتواء السرديات الفلسطينية من أجل الأمن، والتي تمأسست من خلال سياسات مثل جهود إصلاح القطاع الأمني المدعومة من الغرب في الضفة الغربية وقطاع غزة.
لقد جادلتُ في أماكن أخرى أنني أعتقد أنه من المهم بالنسبة للفلسطينيين أن يكافحوا استغلال سرديتهم، ولكن شيطنة الفلسطينيين من قِبل إسرائيل وغيرها هي عامل رئيسي. إن وصف العنف السياسي الفلسطيني بأنه “إرهاب” ينبثق عن “ثقافة الموت”، كما يدّعي رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، هو أمر يجب أن ينتهي.
وبطبيعة الحال، فإنَّ أي تغيير يلوح في الأفق لن يحلّ المسألة الإسرائيلية-الفلسطينية على الفور. ولا يوجد دليل قاطع على أن المظالم الفلسطينية هي السبب الوحيد لتطرف المتعاطفين مع تنظيم الدولة.
ولكنَّ المغزى هنا هي أن إتاحة الفرصة للأصوات الفلسطينية والاعتراف بالأسباب الحقيقية للعنف السياسي وتمكين خطاب حقوق الإنسان بين الفلسطينيين الذين يناضلون من أجل حقوقهم بغير عنف استنادًا إلى هذا الخطاب. وبنفس الدرجة من الأهمية، سيؤدي ذلك إلى شل السردية السامة التي تنشرها جماعات مثل داعش مؤخرًا.
إنَّ القضية الفلسطينية لا تدور حول سردية تنظيم الدولة الاسلامية ولا حول “حب الفلسطينيين للموت”، كما يدّعي اليمين المتطرف في إسرائيل؛ بل إنها قضية مكافحة واقع سياسي من المنفي، وعدم المساواة والاحتلال الذي عانى منه الفلسطينيون على مدى أجيال.