لماذا ينشق السوريون عن تنظيم الدولة الإسلامية؟


فورين أفيرز –

بعد مرور عامين على انضمامه لتنظيم الدولة الإسلامية (داعش)، لم يعد عمّار مؤمنًا بالتنظيم. كان عمّار طالبًا بكلية الحقوق يعيش في مدينة دير الزور، وشارك في انتفاضة عام 2011 ضد بشار الأسد. وفي نوفمبر عام 2014 انضم إلى داعش، بعد أن رأى الثورة تنحدر نحو حرب أهلية مدمّرة. الخلافة، كما اعتقد عمّار، كانت القوة الوحيدة القادرة على تحدي نظام الأسد واستعادة كرامة المسلمين بعد عقود من الذُل والقهر من قِبل الغرب. لقد آمن عمّار حقًا بأن التنظيم يريد تحقيق العدالة والأمن لبلاده.

ولكن بعد سنوات من العنف المستمر، شعر عمّار بخيبة أمل بسبب معاملة التنظيم للمقاتلين السوريين كمواطنين من الدرجة الثانية ومعاملة المدنيين السوريين على نحوٍ أسوأ من ذلك. لقد شهد إعدام أصدقاءه الذين يعرفهم منذ الطفولة وازداد غضبه من المقاتلين الأجانب من أوروبا والخليج، الذين غالبًا ما يحصلون على ضعف أو ربما ثلاثة أضعاف ما يحصل عليه المقاتلون السوريون ويحتكرون المناصب القيادية داخل التنظيم. بالنسبة لتنظيم يدّعي أنه يقوم على الكفاءة واحترام القواعد، رأى عمّار أن معاملة داعش التفضيلية للمقاتلين الأجانب هي محض نفاق.

ولذلك، في يناير عام 2016، تظاهر عمّار أنّه ذاهب إلى الخطوط الأمامية في العراق ولكن بدلًا من ذلك ترك وحدته وهرب إلى تركيا. وبذلك، انضم إلى عدد متزايد من المقاتلين السوريين داخل داعش الذين فقدوا الثقة في التنظيم معتبرين أنّه غير إسلامي وغير إنساني أيضًا. وبالرغم من ندرة البيانات اتي تؤكد هذا الاتجاه، إلّا أنَّ مئات من مقاتلي داعش هربوا من الرقة وحلب في شهر مارس فقط، ومعظمهم من السوريين. وقد انضم بعضهم إلى جماعات الثوار المعتدلة، مثل الجيش السوري الحر، في حين تخلى بعضهم عن الصراع تمامًا وعبروا الحدود إلى تركيا أو الأردن.

وعلى الرغم من أنَّ عمّار محق في أن غالبية قادة داعش في سوريا هم من الأجانب أو العراقيين، إلّا أنَّ التنظيم يعتمد بشكل كبير على السوريين في مهام المخابرات، وبناء علاقة مع المدنيين، والتوسط في التحالفات مع القبائل، وادارة المؤسسات الحيوية، بما في ذلك الضرائب، الأمر الذي يتطلب دراية تامة بالسكّان المحليين والجغرافيا. وبالتالي، فإنَّ زيادة انشقاق المقاتلين السوريين يشكّل تهديدًا خطيرًا على هيكل حكم التنظيم وعملياته العسكرية في سوريا. تحدثنا مع ثمانية من مقاتلي داعش السابقين في تركيا حول دوافعهم للانضمام إلى والانشقاق عن التنظيم. تكشف قصصهم أن تنظيم الدولة يكافح من أجل الحفاظ على السيطرة على أعضائه.

عيوب التنظيم

فهم لماذا ينشق السوريون عن داعش يتطلب فهم لماذا انضموا إلى التنظيم في المقام الأول. المقابلات مع مقاتلي التنظيم السابقين من سوريا تكشف عن خمسة دوافع أوليّة.

أولًا، بعض السوريين انضموا إلى تنظيم الدولة لأنهم مؤمنون حقيقيون وملتزمون أيديولوجيًا بهدف إقامة خلافة تُطبق فيها أحكام الشريعة. بعد عقود من الحكم الاستبدادي والحرب الأهلية المستمرة، اقتنع البعض بالانضمام إلى داعش بسبب وعود توفير الأمن والازدهار، والعدالة الإسلامية. وكما قال أحد المنشقين من دير الزور، “تدّعي الولايات المتحدة والحكومات الغربية أنّها تحارب الإرهاب، ولكنهم في الواقع يستخدمون الإرهاب كذريعة لقتل المسلمين. وتنظيم الدولة هو المدافع الوحيد وممثل المسلمين في هذه المعركة بين الإسلام والغرب.”

ثانيًا، بعض السوريين انضموا إلى داعش لأنهم إما مجرمين مطلوبين للمحاكمة أو مقاتلين تمّ أسرهم، وعدَهم التنظيم بالعفو في مقابل تعهد بالولاء له. بالنسبة لهؤلاء، فإنَّ الانضمام إلى تنظيم الدولة هو السبيل الوحيد لتجنب موت محقق. في بعض المناطق، عفا تنظيم داعش وأطلق سراح مئات المجرمين المُدانين من قِبل محاكم النظام السوري شريطة تجنيدهم كمقاتلين. انضم اثنان من مقاتلي الجيش السوري الحر السابقين الذين قابلتهم إلى داعش بعد إجبار ألويتهما على الاستسلام لتنظيم الدولة الإسلامية، واحد منهم بالقرب من المطار العسكري بدير الزور، والآخر من محافظة الحسكة. عندما عرض عليهم تنظيم داعش العفو في مقابل الاستتابة، قبلوا العرض. وقال واحد من هؤلاء الرجال إنّه “لا أؤمن بأيديولوجية داعش، ولكني كنت محاصرًا في المدينة، لم أتمكن من الفرار، وكنت أعرف أنهم سيقتلونني إذا لم أنضم إليهم. لذا، انضممت للتنظيم للبقاء على قيد الحياة، وبدأت على الفور في وضع خطط للهروب.”

ثالثًا، انضم عدد كبير من السوريين إلى داعش لأسباب اقتصادية. في سوريا، التي تعاني من أعلى معدل بطالة في العالم العربي، ينجذب المدنيون للتنظيم من خلال توفير فرص العمل التي توفر لهم رواتب أفضل من البدائل المتاحة. ووفقًا لوثائق داعش الرسمية، يصل الراتب الأول للمقاتل إلى 50 دولارًا في الشهر، مع مبلغ إضافي قدره 50 دولارًا للزوجة أو للأمة، و50 دولارًا لكل من الوالدين المعالين، و35 دولارًا عن كل طفل. مع أخذ مثل هذه المكافآت بعين الاعتبار، تقدّر بعض المصادر أنَّ رواتب داعش النموذجية تتراوح بين 400 دولار و1200 دولار شهريًا. وبالإضافة إلى الراتب الأساسي، يحصل المقاتلون على مزايا مادية أخرى بما في ذلك الطعام، والغاز، والسكن مجانًا. وقال مقاتلون سابقون في داعش إنَّ ذوي المهارات الخاصة أو الخبرة، وعادة ما يكونوا من الأجانب، يحصلون على رواتب أكثر من غيرهم.

في المقابل، يدفع الجيش السوري الحر لمقاتليه 36 دولارًا شهريًا، بدون المزايا الإضافية التي يوفرها داعش، في حين تبدأ رواتب الجيش السوري بــ 63 دولارًا شهريًا. وتدقع جبهة النصرة 100 دولار شهريًا. وأوضح أحد المنشقين عن داعش من دير الزور أنّه انضم إلى التنظيم لأنه كان يعول شقيقاته الست ولم يكن قادرًا على تزويدهم بالطعام والحماية. عندما توقف النظام السوري عن دفع الرواتب في دير الزور وأُجبرت الجماعات الإنسانية على الانسحاب، تهاوي الاقتصاد المحلي. وأضاف: “قضيتُ شهرين أبحث عن وظيفة، وعندما وجدت وظيفة مناسبة في النهاية، كنت أعمل 12 ساعة يوميًا مقابل راتب صغير لدرجة أنني لم أستطع حتى شراء الخبز لعائلتي. لم أكن أريد أن أترك أسرتي وأولادي يموتون جوعًا، لذلك لم يكن لدي أي خيار آخر سوى الانضمام لداعش”. وثمة عامل آخر في قراره بالانضمام إلى داعش؛ وهو الخوف من أن شقيقاته سيتم إجبارهنّ على الزواج من مقاتلي داعش ضد إرادتهنّ، كما أوضح: “لقد انضممتُ لحماية أخواتي”.

رابعًا، انضم البعض لتنظيم الدولة لأنهم يروا نظام الأسد عدوهم الرئيسي، وأنَّ تنظيم داعش يشكّل أكبر تهديد على بقاء هذا النظام. وقال عمّار: “العالم كله أدار ظهره لسوريا. وكان داعش القوة الوحيدة التي تقف في وجه الأسد.” وقال أحد المنشقين عن داعش، والذي تعرضت أسرته للقتل على يد نظام الأسد، إنّه انضم لداعش من أجل ” الانتقام “. وأضاف أنَّ غالبية أعضاء داعش من حمص، حيث يشنّ النظام حملات قمعية بلا رحمة، انضموا لنفس السبب.

وقال حسام، وهو منشق آخر عن داعش من إدلب، إنَّ بعض السوريين ينضمون إلى التنظيم لأنهم انتهازيون “يحاولون تحقيق أقصى قدر من السلطة والمال”. لقد بذل التنظيم العديد من الجهود لتعيين المسؤولين العسكريين السابقين الذين لديهم خبرة كبيرة في العمليات العسكرية والاستخباراتية، وهؤلاء هم الأشخاص الذين لم يشاركوا في الثورة والمنبوذين في المناطق التي تقع خارج سيطرة النظام. وروى حسام محادثة بين زعيم قبلي في ريف دير الزور ومسؤول ديني في داعش كان يحاول تجنيده. ردّ الزعيم القبلي: “كيف يمكن لي أن أنضم إلى جماعة تحتضن اللصوص وقطّاع الطرق؟ إذا كانت هذه الجماعة تريد حقًا أن تكون دولة إسلامية، كيف يمكنها قبول هؤلاء الناس؟ ” وأجاب عضو داعش بأن التنظيم كان يعمل على إصلاح و” علاج” هؤلاء المنحرفين من خلال التلقين الديني. لكن حسام قال إنه على الرغم من هذه الجهود، فإنَّ الكثير من الانتهازيين المنضمين للتنظيم هم من مثيري الشغب الذين لا يمكن تقويمهم. وقدّر أنَّ “80 بالمئة من أعضاء داعش هم من المجرمين”.

الدوافع

تشير المقابلات التي أجريناها مع أعضاء داعش السابقين إلى أنَّ دوافع الانشقاق والفرار متنوعة مثل دوافع الانضمام. يبدو أن البعض يهرب أو ينشق عن داعش للانضمام لغيره من الجماعات المسلّحة ببساطة لأنهم يشعرون بأن داعش يخسر الآن. كما قال أحد الهاربين: “إنهم يزدادون ضعفًا يومًا بعد يوم.” وفرّ هذا المنشق إلى تركيا لأنّه كان خائفًا من الانتقام إذا أُلقي القبض عليه من قِبل النظام السوري أو أي جماعة مسلّحة متنافسة. في سوريا وكذلك العراق، تمّ قطع رؤوس أسرى داعش وتشويههم، وتعذيبهم في عمليات قتل انتقامية.

وبالإضافة إلى ذلك، انجذب بعض السوريين لتنظيم الدولة بسبب تعهد الأخير بتدمير نظام الأسد “الاستبدادي” والديكتاتوريات الأخرى في الشرق الأوسط. ولكن الآن يبدو التنظيم كنظام استبدادي وقمعي مثل الحكومات التي يسعى للإطاحة بها. ومثل النظام السوري، يحظر داعش منظمات المجتمع المدني ووسائل الإعلام المستقلة، حتى أنّه يقلّد أساليب التعذيب المستخدمة في السجون السورية. وقال أحد المنشقين من إدلب إنّه انضم لداعش لأنه انجذب إلى وعد التنظيم بالعدالة الإسلامية. ولكن بعد أن شهد الحقائق القاسية لحكم داعش، بما في ذلك إعدام الأعضاء المشكّوك في ولائهم، شعر بخيبة أمل كبيرة. وقال “شعرت أنهم كذبوا عليّ، وأن تفسيرهم للإسلام غير صحيح. داعش هي تنظيم “سلطويّ، تمامًا مثل النظام السوري”.

هناك أسباب أخرى لانشقاق السوريين؛ وهي حقيقة انجذاب العديد منهم نحو داعش بسبب وعود التنظيم بالقضاء على الفساد، وهو أحد المظالم الرئيسية التي أدت إلى انتفاضة عام 2011. ثمة ملمح متكرر في دعاية داعش؛ وهو أن جميع المواطنين لديهم حق المساواة في المعاملة؛ إذ جاء في وثيقة رسمية من ولاية الرقة: “إن الناس سواسية كأسنان المشط. لا فرق بين غني وفقير وقوي وضعيف.” وهذا نص آخر يسلّط الضوء على الحياد المفترض للنظام القانوني لداعش؛ إذ يتم اختيار قوات الشرطة من بين رجال يخافون الله لا يُظهرون أي محاباة، بحيث أن مرتكب الجريمة سيتلقى عقاب كامل دون أي تخفيف. ويزعم تنظيم الدولة أن هذه العقيدة من المعاملة العادلة لا تنطبق فقط على المدنيين ولكن أيضًا على أعضاء التنظيم. وينص كتاب رسمي أنَّ البيروقراطيين المدنيين والعسكريين هم الذين سيتم تعيينهم على أساس الجدارة الكفاءة. ويحظر على المسؤولين عن قرارات التوظيف أي معاملة تفضيلية للأصدقاء أو الأقارب، ومن “عدم اختيار المرشح الأكثر تأهيلًا بسبب العداء أو سوء النية تجاهه.”

وبالرغم من السياسات الرسمية لتنظيم الدولة تعارض المحسوبية والفساد، إلّا أنَّ المقاتلين الذين تربطهم علاقات بكبار القادة يحصلون على معاملة تفضيلية بشكل مستمر عند قيامهم ببعض المخالفات مثل التدخين وتعاطي المخدرات. المستفيدون من هذه المعايير المزدوجة في كثير من الأحيان هم المقاتلون الأجانب. خالد، وهو مقاتل سابق من دير الزور، شعر بخيبة أمل حينما اكتشف أن أعضاء من دول الخليج وأوروبا وآسيا الوسطى يحصلون على رواتب أعلى من السوريين ويتمتعون بمزايا خاصة. وأوضح خالد أنّه يوجد داخل قسم الإدارة العسكرية بالتنظيم مكتب خاص يشرف على المهاجرين (المقاتلين الأجانب)، “إذا كان المهاجر يريد هاتف آيفون، يمكن طلب هاتف من هذا المكتب الخاص ويتم تقديمه مجانًا، دون أي أسئلة.” في حين يترقى المقاتلون الأجانب بسرعة إلى مناصب قيادية، يتم تعيين السوريين في أخطر الوظائف على الخطوط الأمامية، لا سيما السوريين الذين لا يحظون بثقة قادتهم إما لأنهم يشتبه في تخطيطهم للانشقاق أو بسبب عدم التزامهم بدرجة كافية. ولذلك، فإنَّ المقاتلين السوريين معرضون بصفة خاصة لاتهامات بأنهم “مقربون” من السكان المدنيين. وكثيرًا ما يتم إرسال هؤلاء المشكوك في ولائهم في مهمات عالية المخاطر؛ وهي وسيلة مخادعة للقضاء عليهم.

ثمة شكوى أخرى وهي أنَّ المنشقين والفارين أشاروا مرارًا إلى مسألة انخفاض الرواتب. يحصل المقاتلون السوريون على رواتب أقل بكثير من المقاتلين الأجانب، وخلال الأشهر الأخيرة، خفض التنظيم رواتب جميع المقاتلين “بنسبة تصل إلى 50 بالمئة. بالنسبة للسوريين الذين انضموا لداعش لأسباب اقتصادية في المقام الأول، فإنَّ مزايا العضوية لم تعد تستحق المخاطرة. وقال مقاتل سابق من دير الزور إنّه قرر الانشقاق عن داعش عندما لم يعد قادرًا على تحمل إطعام أسرته نتيجة لخفض الأجور وارتفاع أسعار المواد الغذائية.

وأخيرًا، انشق بعض السوريين عن تنظيم الدولة لتجنب إرسالهم إلى ساحات القتال في العراق وليبيا؛ وهي ساحات قتالية بعيدة وانحراف غير مرحب به عن المعركة الأساسية مع نظام الأسد. وقبل انضمامه إلى داعش في عام 2014، قاتل عمّار مع الجيش السوري الحر. وكان عدوه دائمًا هو النظام وليس الحكومة السورية العراقية، ولا الائتلاف، أو أي قوى أخرى “مرتدة” أعلن داعش الحرب عليها. لكنَّ عمار شعر بالإحباط إزاء التناقضات الداخلية لتنظيم الدولة “والمعاملة القاسية للمدنيين السوريين. وكانت القشة التي قصمت ظهر البعير هي قرار قائده بإعادة إرساله إلى الخطوط الأمامية في العراق. بعد وقت قصير من تلقي خبر انتقاله الوشيك، فرّ عمّار إلى تركيا. وقال مقاتلون سابقون في داعش أجرينا معهم مقابلات في تركيا إنهم طلبوا القتال فقط نظام الأسد فقط، لكنهم هربوا عندما حاول القادة إرسالهم الى المعركة ضد زملائهم السوريين في الجيش السوري الحر.

تراجع داعش

مع ورود تقارير عن الاقتتال الداخلي، والصراع على السلطة، وارتفاع عدد الضحايا، يتخذ تنظيم الدولة تدابير متطرفة لردع الانشقاق والفرار. في الأشهر الأخيرة، أعدم التنظيم المئات من المقاتلين الذين حاولوا الفرار. ووفقًا لبعض التقارير، تمّ حرق المنشقين والفارين أو تجميدهم حتى الموت في العراق.

وعلى الرغم من أن الزيادة في الانشقاقات هي أخبار سارة للتحالف الذي تقوده الولايات المتحدة، إلّا أنَّ هذا الاتجاه لديه بعض العواقب المقلقة للسوريين. بالإضافة إلى إعدام المقاتلين أو المدنيين الذين يشتبه في ولائهم، يقوم تنظيم داعش بتجنيد أعداد كبيرة من الأطفال لتعزيز صفوفه المتناقصة. “أشبال الخلافة”، كما يطلق عليهم التنظيم، هم أرخص وأكثر مرونة فكريًا من البالغين. ويقول طارق، وهو مقاتل سابق من دير الزور، إنّه عندما هرب من وحدته في دير الزور، كان 60 بالمئة من رفاقه المقاتلين تقل أعمارهم عن 18 عامًا. أحد الجنود الأطفال في صفوف داعش هو سامي من الحسكة، كان يبلغ من العمر 14 عامًا عندما انضم لأول مرة في عام 2014. ولكنه أخفى خبر انضمامه إلى داعش عن أسرته وفجأة اختفى لمدة ثلاثة أشهر. أصبحت أمه المذعورة عندما عاد إلى البيت بملابس جديدة وبندقية كلاشينكوف. وحينها أدركت أن ابنها تمّ غسل دماغه، وسألت ابنها الأكبر أن يأخذ سامي إلى تركيا. لقد ظل سامي وشقيقه هناك لبضعة أشهر، عملا في مصنع، وكانا من بين المحظوظين القلائل الذين تمكنوا من العثور على وظائف مدنية بعد هروبهم من داعش. بكى سامي وهو يحكي عن مقتل عدد من رفاقه وأصدقاء الطفولة الذين انضموا لداعش معه وقُتلوا مؤخرًا في معركة ضد النظام السوري في دير الزور. لقد استخدم داعش هؤلاء الأطفال كوقود للمدافع على الخطوط الأمامية لأنهم يفتقرون إلى التدريب والخبرة ليتم الاستفادة منهم في أدوار أخرى.

وفي علامة أخرى على اليأس، يختصر تنظيم داعش التدريب الجسدي والأيديولوجي الذي يجب أن يخضع له المقاتلون. في العادة يطلب التنظيم أن يشترك جميع المجندين الجدد في دورات تعليمية إسلامية تعرف باسم دورات الشريعة، والتي تستمر من 30 إلى 45 يومًا، يليها معسكر تدريب لمدة 30 يومًا أخرى. ولكن بعد أن خسر التنظيم منطقة سنجار لصالح القوات الكردية المدعومة من الضربات الجوية الأمريكية في نوفمبر عام 2015، قلّص داعش مخططة للتوظيف من خلال إلغاء التدريب العسكري تمامًا وإشراك المقاتلين الجدد في دورة التربية الإسلامية لبضعة أيام فقط قبل إرسالهم إلى المعركة. منهج دورات الشريعة يغطي نسخة داعش من القانون الإنساني الإسلامي، الذ يضع بعض الحدود على العنف ضد المدنيين، والمقاتلين الأعداء، وأسرى الحرب. كما قلّص التنظيم معاييره لجذب مجندين جدد، ومن ثمّ أصبح مقاتليه أكثر عُرضة لعدم الانضباط والفساد والنهب. ومثل هذه المشاكل الداخلية تضعف التنظيم عسكريًا ولكنها تأتي بتكلفة عالية على المدنيين السوريين، الذين قد يواجهون مستويات كبيرة من العنف والاستغلال من قِبل تنظيم داخل في مرحلة الانهيار.