محمد عياش يكتب: العالم تغير:مجزرة حلب نموذجاً


محمد عياش

مشكلة بعض العرب أنهم لم يدركوا أو يصدقوا حتى الآن أن العالم تغير، وأنَّ مراكز القوى فيه تبدلت، وأنَّ ما كان حتى الأمس القريب خطاً أحمر لم يعد اليوم كذلك، وأنَّ ما يجري في سوريا هو جزء من تحولات يشهدها العالم وتشهدها المنطقة وندفع نحنُ العرب ثمنها من دمائنا ودماء أطفالنا.
من يقرأ مقابلة الرئيس الأمريكي باراك أوباما مع الصحافي جيفري غولدبيرغ التي نشرتها مجلة «ذا أتلانتيك» قبل أسابيع يُدرك أن أولويات الولايات المتحدة واهتماماتها في العالم قد تغيرت، وأن الأمريكيين ينسحبون من منطقتنا العربية، ويحاولون الخروج من مستنقعها لا الغوص فيه، بعد سلسلة التجارب الفاشلة التي قام بها المحافظون الجدد، ابتداء من الإطاحة بحكم حركة طالبان في أفغانستان، وليس انتهاء بدخول العراق في عام 2003 والإطاحة بنظام الرئيس الراحل صدام حسين.
يُغادر الأمريكيون المنطقة وينسحبون تدريجياً من قضاياها، ولم يعد الشرق الأوسط على رأس سلم الاهتمامات والأولويات، وهذا ما قاله أوباما صراحة للمجلة الأمريكية، وتتعزز هذه السياسة الأمريكية أكثر فأكثر مع استقرار الأمن الاسرائيلي، وتراجع مستوى التهديدات التي تواجه الاسرائيليين إلى أدنى مستوى منذ بدأ الصراع العربي الاسرائيلي، أما الأقطار العربية المحيطة بإسرائيل فلم يعد الأمريكيون يكترثون بها كثيراً، ولم تعد في مقدمة اهتماماتهم.
في المقابلة المشار إليها قال أوباما صراحة بأن الصين وشرق آسيا أصبحت أكثر أهمية للولايات المتحدة من منطقة الشرق الأوسط، كما أشار صراحة إلى أنه محبط من المنطقة العربية، وأن إحباطه بدأ يتكرس بعد ثلاث سنوات على اندلاع الربيع العربي.. كان أوباما واضحاً في كلامه، بأنه يريد أن يغادر منصبه بسلام، ولا يريد أن يترك وراءه إرثاً جديداً من الصراعات، خاصة في منطقتنا العربية، وهي رسالة واضحة بأن على العرب أن يقتلعوا شوكهم بأيديهم ويحلوا نزاعاتهم وحدهم، وأن واشنطن لن تتدخل في ما يجري ولن تخوض أي مواجهة من أجل العرب أو من أجل حقوق الإنسان أو من أجل أي كان في هذا العالم!
الخروج الأمريكي من المنطقة لم يستوعبه العرب مبكراً، ولم يقرأوا الانكسار الأمريكي في العراق وأفغانستان، كما لم يفهموا بأن أمريكا انقصم ظهرها بعد أن دخلت العراق بمديونية عامة تبلغ 5.2 تريليون دولار، ثم خرجت من العراق بمديونية عامة تتجاوز الــ17 تريليون دولار، وهي أكبر مديونية في تاريخ البشرية. هذا طبعاً يُضاف إلى الفشل الأمني للولايات المتحدة التي جاءت إلى العراق للقضاء على تنظيم «القاعدة» فأنتجت بدلاً منه تنظيم «الدولة الإسلامية».
لم يُدرك العرب أنَّ المنطقة تغيرت وأنَّ العالم تغير وأن الأمريكيين ينسحبون من منطقتنا ويقلصون أعمالهم فيها؛ وحدهم الايرانيون والروس فهموا الوضع الجديد وتصرفوا على ضوئه، فتوسعت إيران في العراق وسوريا واليمن ولبنان، وجاءت روسيا تسعى لتقديم المساعدات والإمدادات لنظام بشار الأسد، وكلاهما – إيران وروسيا – يُدرك أن أمريكا لم تعد صاحبة اليد الطولى والأمر الأخير في هذه المنطقة، وبالتالي بات من الممكن تجاهلها.
توسعت إيران وروسيا في المنطقة، واستأسد نظام بشار الأسد على الضعفاء، وغابت أمريكا وحلفاؤها، وانتهى الأمر بأطفال مدينة حلب يدفعون الثمن من دمائهم، وباتت مستشفياتها بلا حرمة، وملاجئها غير آمنة، لأن العرب انتظروا – ولا زالوا ينتظرون- المدد الأمريكي الذي لن يأتي، بينما هم لا حول لهم ولا قوة.
يفتقد العربُ لمشروع بديل يملأ الفراغ في هذه المنطقة التي تتغير، بينما تستفيدُ القوى الأخرى من حالة الفراغ فتتمدد، وبين هذا وذاك لا يزال نزيف الدم العربي مستمراً، وسنظل على موعد مع مزيد من المجازر التي تستهدف المستشفيات والمدنيين والأبرياء والملاجئ.. على العرب أن يتوقفوا عن محاربة أنفسهم قبل أن يطلبوا نجدة الآخرين، وقبل أن يطلبوا وقف العـــدوان الخارجي، ووقف محاربة الذات يستوجب مشروعاً عربياً وحــــدوياً يقوم على المصالحة الداخلــــية الشامــــلة التي تجمــــع كل القوى السياسية والاجتماعية والمذهبية، وهذا المشروع وحده سيكون القادر على مجابهة القوى الخارجية وحماية أبناء هذه المنطقة.

المصدر: القدس العربي

محمد عياش يكتب: العالم تغير:مجزرة حلب نموذجاً على ميكروسيريا.
ميكروسيريا -

أخبار سوريا ميكرو سيريا