الوثائق المسربة تثبت سعي أمريكا لتقويض الاتحاد الأوروبي

4 مايو، 2016

إندبندنت –

“تسلط الوثائق الضوء بشكل غير مسبوق على الاتفاق المثير للجدل، والذي يتضمن بنودا تسمح للشركات الأمريكية بالمساعدة في تغيير القانون الأوروبي وإضعاف قوانين حماية المستهلك”

توضح مئات الصفحات المسربة حول اتفاق التبادل الحر بين الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي والمعروف باسم الشراكة الأطلسية للتجارة والاستثمار (TTIP) أن الاتفاق قد يكون على وشك الانهيار، بحسب بعض النشطاء.

ويوضح التسريب الكبير – الذي يقدم أول نظرة كاملة عن المفاوضات – أن العلاقة بين أوروبا والولايات المتحدة أضعف مما كان يُعتقد، وأنه لازال هناك انقسامات كبيرة حول بعض البنود الأكثر أهمية في الاتفاق.

وقد انعقدت المحادثات بالكامل تقريبا بشكل سري، وجاءت معظم المعلومات التي عرفها الجمهور من خلال تسريبات غير رسمية. ولكن صفحات التسريبات الجديدة، التي سربتها منظمة السلام الأخضر، تمثل أول نظرة كاملة حول كيفية سير المحادثات السرية للغاية. وبحسب بعض النشطاء، يمكن أن تكون التسريبات كافية لتقويض أسس الصفقة تماما.

وقد صرح جون هيلاري ،المدير التنفيذي لمنظمة الحرب على الفقر، لصحيفة الاندبندنت قائلا “الآن يمكننا أن نرى الصيغة الفعلية للاتفاق، ولم يعد لدى مفاوضي الاتحاد الاوروبي أي مكان للاختباء فيه.لقد سقطت الأقنعة، وهم يعرفون أنهم يخوضون معركة غير مناسبة”.

وتشير الوثائق المسربة إلى أن الولايات المتحدة تسعى بقوة إلى تغيير النظام في أوروبا لتقليل معايير حماية البيئة، وحقوق المستهلك، وغيرها من الأمور الأخرى التي يوفرها الاتحاد الأوروبي لمواطنيه. وبحسب بعض الناشطين، يبدو أن المفاوضين الذين يمثلون كلا الطرفين قد وجدا أنفسهم يواجهون خلافات “لا يمكن التفاوض عليها” والتي يمكن أن تقوض عملية توقيع الاتفاق المثير للجدل على نحو كبير.

وعلى سبيل المثال، تشير الوثائق المسربة إلى أن الولايات المتحدة تسعى لإضعاف “المبدأ الوقائي” للاتحاد الأوروبي الذي ينظم عملية بيع المنتجات التي يحتمل أن تكون ضارة، كما تقول منظمة السلام الأخضر. وتمتلك الولايات المتحدة نظاما أضعف بكثير يهدف إلى تقليل المخاطر بدلا من تجنبها، ويمكن أن يدخل هذا النظام الضعيف إلى المملكة المتحدة وأوروبا بموجب اتفاق التجارة.

وبحسب الوثائق المسربة، اذا أقدم الاتحاد الأوروبي على تنفيذ المزيد من التغييرات نحو أنظمة مماثلة، فإنه سوف يضطر إلى إبلاغ الولايات المتحدة والشركات الموجودة هناك. وحينها سوف تكون الشركات الأمريكية قادرة على الحصول على نفس مدخلات قواعد الاتحاد الأوروبي كما هو الحال مع الشركات الأوروبية.

كما يوجد أيضا أجزاء ناقصة على نحو ملحوظ من الاتفاق. فلا تتضمن نصوصه أي إشارة إلى الجهود العالمية للحد من انبعاثات غاز ثاني أكسيد الكربون التي تم الاتفاق عليها في باريس في العام الماضي، وفقا لمنظمة السلام الأخضر، على الرغم من التزام المفوضية الأوروبية الذي يقضي أن تكون الاستدامة البيئية جزءا أساسيا من أي صفقة تبرمها.

ويجادل أولئك الذين يدعمون اتفاق التبادل الحر بين الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي بأنه يمثل خطوة مهمة من شأنها أن تسمح للولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي للعمل معا بشكل أوثق، وأنه سيدعم التجارة في كلا الإقليمين. ولكن بعض أجزاء الاتفاق، والسرية التي تكتنفه أدت ببعض النشطاء إلى المجادلة بأن ذلك الاتفاق يمكن أن يشمل تغييرات خطيرة لقوانين حماية المستهلك التي يكفلها الاتحاد الأوروبي.

وقد ادعى نشطاء مكافحة الفقر ونشطاء حماية البيئة وغيرهم من النشطاء أن هذه التسريبات الجديدة يمكن أن تكون كافية لتقويض تلك المحادثات المثيرة للجدل بالفعل.

وقال جون هيلاري إن “مفاوضات اتفاق التبادل الحر بين الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي لا يمكن أن تستمر مع وجود هذه التسريبات. والطريقة الوحيدة التي تمكن المفوضية الأوروبية من الحفاظ على استمرارية المفاوضات حتى الآن هي السرية التامة فيما يتعلق بالتفاصيل الفعلية للاتفاق قيد التفاوض. والآن نستطيع الاطلاع على التفاصيل بأنفسنا، انها صادمة حقا، وهذه هي بالتأكيد بداية النهاية لهذا الاتفاق المكروه للغاية”.

فيما انتقد نشطاء آخرون الحقيقة القائلة بأن المعلومات الوحيدة التي عرفها العامة حول اتفاق التبادل الحر بين الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي قد ظهرت من خلال التسريبات.

وقال جاي تايلور، ناشط في مجال التجارة في منظمة Global Justice Now “يتم بلورة اتفاق التبادل الحر بين الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي وراء الأبواب المغلقة؛ لأنه عندما يعلم الناس العاديون بالتهديد الذي يشكله الاتفاق على الديمقراطية وحماية والمستهلك، فسوف يعارضونه بالطبع. وليس سرا أن كانت المفاوضات تجري على أرضية مهزوزة على نحو متزايد. حيث وقع الملايين من الناس في جميع أنحاء أوروبا على مذكرات اعتراض ضد اتفاق التبادل الحر بين الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي ، وخرج مئات الآلاف إلى الشوارع للمطالبة بنهاية هذه المفاوضات. وينبغي أن يُنظر إلى هذه التسريبات باعتبارها آخر مسمار في نعش اتفاق التجارة السام الذي تحاول الشركات الكبرى عبثا أن تفرضه على الناس العاديين وعلى ديمقراطيتنا”.

لكن نشطاء يقولون إن التسريبات في حد ذاتها لا يمكن أن تكون كافية للقضاء على الاتفاق. ولكن قد تكون محرجة بما يكفي للحكومات الوطنية لكي تنسحب من المفاوضات.

وأضاف هيلاري: “سوف يضطر قادة الاتحاد الأوروبي الآن تقييم التداعيات السياسية للتسريبات، واتخاذ قرار بشأن الاستمرار في مفاوضات هذا الاتفاق السام أم لا. وقد أشارت حكومات فرنسا وألمانيا  ،وكلاهما يستعدان لخوض الانتخابات العامة في العام المقبل، بالفعل إلى أنهما قد ينسحبان من مفاوضات اتفاق التبادل الحر بين الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي. وتعمل تسريبات اليوم بقوة في صالح هذا القرار”.

وصرح كيفن سميث، المتحدث باسم منظمة Global Justice Now لصحيفة الاندبندنت قائلا إن أولئك الذين يعارضون اتفاق التبادل الحر بين الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي سيتعين عليهم مواصلة مكافحته إذا أرادوا إسقاطه.

وأضاف: “ومع ذلك، على الرغم من أن اتفاق التبادل الحر بين الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي قد يبدو هشا، إلا أنه من الأهمية بمكان ألا يكتفي المواطنون المعنيون بالقضية والجماعات المعارضة بإنهاء هذا الاتفاق، ولكن يجب عليهم استخدام هذه اللحظة لتصعيد المعارضة، والعمل على التأكد من إنهاء سلطة هذه الشركات المتغولة إلى الأبد”.

4 مايو، 2016