بوتين والولايات المتحدة والحاجة إلى استراتيجية أمريكية جديدة في الشرق الأوسط

7 مايو، 2016

ميدل إيست بريفنج –

في عام 2012، كتب مجلس الاستخبارات القومي الأمريكي: “إنَّ مفهوم فك الارتباط الأمريكي أو تقليل الاهتمام من المرجح أن ينتج زيادة إمكانية الصراع بين الدول، وستكون قدرة الانزلاق للعمل كضامن للأمن العالمي عاملًا رئيسيًا يسهم في عدم الاستقرار.”

في حين أن إدارة أوباما ربما لم تفهم هذه الرسالة، سرعان ما جاءت النتائج من روسيا في أوكرانيا عام 2014 2016 وفي سوريا في عام 2016. الرابط بين الحالتين مفتوح طالما أنَّ الولايات المتحدة ليس لديها مفهوم واضح حول فك ارتباط منظم. وعلى افتراض أنَّ تراجع الدور العالمي للولايات المتحدة فرضته عليها ضرورات موضوعية، كان يجب إعداد خطة تأقلم وتنفيذها من أجل الحدّ من فرص زيادة الخسائر الاستراتيجية العالمية المحتملة.

ونحن نرى الآن، بعد وقوع بعض الأضرار، محاولة لوضع تصوّر لهذه الخطة، سواء في الشرق الأوسط أو في أوروبا الشرقية. ومع ذلك، فإنَّ مستوى عدوانية التحركات الروسية لتحسين الأرباح الاستراتيجية في هذه الفترة الانتقالية تهدّد بإبقاء الولايات المتحدة في موقف دفاعي لبعض الوقت في المستقبل.

التفكير الحالي لتطوير دور حلف شمال الأطلسي قد يصل إلى مستوى إنتاج آلية رئيسية لملء الفجوة التي أحدثها التراجع الأمريكي. ولكن في سوريا، على سبيل المثال، وضع بوتين ما يكفي من القدرات لمنع تدخل حلف شمال الأطلسي. وفي الخليج، هناك أفكار تجري مناقشتها الآن لإنشاء حاجز وقائي، ولكن يتعيّن على البلدان الإقليمية أن تفهم أنَّ روسيا تتدخل عندما تكون هناك فتنة داخلية وانشقاقات اجتماعية. أما في أوكرانيا، فقد استغلت موسكو الخلاف المزعوم بين الروس الأصليين وبقية الطوائف هناك. وفي نهاية المطاف، أدت الحرب الأهلية في سوريا إلى إضعاف مناعة نظام الأمن الإقليمي، وبالتالي إعطاء بوتين نافذة للتحرك هناك.

من وقت لآخر، سنرى بوتين يحصل على قطعة هنا وقطعة هناك ليعود إلى موسكو ما يعتبره جزءًا منها. رأى الكرملين الفترة التي أعقبت انهيار الاتحاد السوفيتي بمرارة خاصة. وثمة اعتقاد أنها فترة تعرّضت فيها روسيا للسرقة والحرمان والإذلال في جميع مجالات مصالحها الاستراتيجية.

لم تمنع المعاهدات الموقّعة بوتين من الذهاب إلى أوكرانيا، ولم تردعه اتفاقية وقف إطلاق النار من مساعدة الرئيس السوري المجنون لانتهاكها بشكل منتظم. التحالف الحالي مع إيران هو نتيجة للمزيد من التوسّع الاستراتيجي الروسي في آسيا الوسطى والشرق الأوسط. لقد كان غزو جورجيا في عام 2008 مؤشرًا مبكرًا على رؤية الكرملين لدوره التاريخي في استعادة ما أُخذ منه ظلمًا في ما بعد تفكك الاتحاد السوفيتي عام 1991.

ولذلك، ثمة تطوران موازيان هنا: عدم قدرة الولايات المتحدة على الحفاظ على مستوياتها السابقة من الاشتباك من جهة، ورؤية روسيا لاستعادة ما فقدته من جهة أخرى. يتطلب هذان المساران خطة مبتكرة لوقف التهديدات الروسية في الدول المستقلة والحفاظ على الاستقرار العالمي. وفي حال عدم وجود مثل هذه الخطة، كما يبدو الآن، فإنَّ المسار الأمريكي غير المنظّم وغير المتوقع لإعادة معايرة استراتيجيتها سوف يساهم ليس فقط في زيادة عدم الاستقرار العالمي ولكن أيضًا في جعل الدور الروسي أكثر عدوانية.

يجري فهم الراديكالية والجهادية بشكل خاطئ على أنهما تهديد استراتيجي لروسيا. لكن موسكو ترى أنهما تهديد أمني محدود، وفي الوقت نفسه، فرصة مناسبة لها. العنف الجهادي يضعف الوضع الراهن في الأماكن التي تعتبر قريبة من الغرب، وتقوم الطائفية تلعب بدور مماثل. وقد تضع الروس في العراق كذلك. لقد خلق التحريض العرقي والانشقاقات من روسيا حليفًا استراتيجيًا في شمال سوريا، وأوكرانيا، ومولدوفا وليتوانيا، على الرغم من وضوح مصالح موسكو في تركيزها على الذهاب إلى الجنوب والجنوب الغربي. كما أنَّ ضغوط الطاقة في بلد مثل بلغاريا ليست سوى مثال واحد على الأدوات التي يستخدمها الكرملين لتكبير آفاقه الاستراتيجية في المناطق التي تعتبر مهمّة. ولذلك، نشهد الآن تحركات بوتين الجريئة في سوريا.

في الشرق الأوسط، وحفاظًا على الاستقرار وتسهيل مسار المنطقة للمضي قُدمًا لتحسين الحُكم والإصلاح السياسي، فإنَّ الترتيبات الأمنية المشتركة ليست كافية، بل لا بُدّ من خطة تنمية اقتصادية شاملة. بالتأكيد خطة التنمية الاقتصادية الشاملة في منطقة مثل الشرق الأوسط سوف تحدّ من خطر التطرف والإرهاب فوفي الوقت نفسه تحرم الخصوم الاستراتيجيين من الفرص التي تتيحها الفوضى في المنطقة والحدّ من التدخل العسكري التقليدي للولايات المتحدة.

وينبغي أن تشمل هذه الخطة الصين وروسيا. إنّها تحرم الكرملين من إمكانية التوسّع العسكري في المنطقة وتمنح الشركات الروسية الفرصة لتطوير المنطقة. ينبغي النظر إلى التنمية الاقتصادية، وليس الاتفاقيات الأمنية، باعتبارها الأساس الرئيسي للاستقرار الإقليمي، ولكن إذا تمّ تنفيذها مع التركيز بشكل خاص على نشر الديمقراطية في المنطقة؛ وهذا يعني المشاركة الاجتماعية الشاملة في اقتصاد أي بلد.

كما أوضحنا في مناسبات سابقة، فإنَّ وجهات النظر غير المدروسة حول إعادة ترسيم الحدود الإقليمية منذ اتفاقية سايكس بيكو سيرمي المنطقة في مزيد من الاضطراب. وبدلًا من ذلك، فإنَّ تعزيز الهوية الوطنية في دول المنطقة هو عنصر أساسي في استقرار وسلامة واستقلال المنطقة. وينبغي النظر إلى خطة التنمية الاقتصادية على أسس دمج مختلف المناطق والطوائف والأعراق في أي بلد من البلدان. كما أنَّ الانقسامات سيكون لها نتائج سلبية على المستوى الاستراتيجي في جميع الجوانب، سواء كان ذلك ضعف القوى الخارجية، بما في ذلك روسيا وإيران أو الجهادية والراديكالية أو اللاجئين والأزمة الإنسانية والحروب الدائمة.

السياسة القديمة “فرق تسد” هي سيف ذو حدين؛ فهي كما تخدم شخص ما، فإنها تعطي خصومه فرصة كذلك. لقد نجحت هذه السياسية في الحقب الماضية عندما لم يكن العالم متعدد الأقطاب، على الأقل ليس كما نراه الآن.

في سوريا، أعطى بوتين العالم حقن مهدئة عندما أعلن أنه سحب قواته. وبدا بعد فترة وجيزة أن ما فعله كان مجرد تغيير حجم قواته بالتوازي مع الزخم الجديد الذي سبق أن قدّمه لحلفائه.

كما عزّز بوتين علاقاته مع الأكراد السوريين في حين أن الجميع استغلوهم للإبقاء على الأتراك خارج اللعبة. بعد سوريا، سيكون هناك هدف آخر في الشرق الأوسط. إنَّ أفضل حليف للرئيس الروسي هو عدم الاستقرار. وروسيا لديها مخزون كبير من الطاقة، لكنَّ عدم الاستقرار في الشرق الأوسط هو جزء لا يتجزأ من استراتيجية موسكو الإقليمية.

في ظلّ الغياب الحالي لخطة مناسبة، لن تنتظر بعض الدول الاقليمية حتى يتي إليهم للروس، بل سيذهبون هم طوعًا إلى موسكو. ولذا، ينبغي على الولايات المتحدة أن تقود الجهود العالمية لتطوير اقتصاديات المنطقة. صحيح أنه تمّ إنشاء نمط في شرق آسيا في ظل ظروف معينة، ولكن من الصحيح أيضًا أن اللحظة الاستراتيجية الحالية في الولايات المتحدة وفي المنطقة تتطلب مبادرة جريئة يمكن أن تغيّر مجرى الأحداث في الشرق الأوسط.

7 مايو، 2016