‘«لاجئو المناخ».. أجزاءٌ من الشرق الأوسط تتحول لمناطق غير قابلة للحياة’

7 مايو، 2016

الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، يمكن أن تصبح منطقة غير صالحة لسكن الإنسان خلال القرن 21، وهذا ما حذر منه الباحثون، كنتيجة للآثار السلبية للتغير المناخي، الذي تشهده الأرض في السنوات القليلة الماضية. وقد وجد جوس ليلفيلد، مدير معهد ماكس بلانك للكيمياء والبروفيسور في معهد قبرص، أن عدد الأيام شديدة الحرارة المسجلة في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا قد تضاعف منذ عام 1970. ليس هذا فحسب، لكنه ذكر أيضًا أن هذا العدد يمكن أن يرتفع إلى خمسة أضعاف بنهاية القرن الحالي.

يذكر أنه أكثر من 500 مليون شخص يعيشون في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، ويعتقد ليليفيلد وفريقه البحثي أن عدد لاجئي المناخ (اللاجؤون نتيجة تغيرات مناخية حادة يضطرون بسببها لترك أوطانهم والانتقال لمناطق أفضل مناخيًا) يمكن أن يزيد بشكل كبير في المستقبل نظرًا لزيادة درجات الحرارة بشكل كبير في المنطقة.

تفاصيل التغير المناخي

وقارن الباحثون البيانات المناخية بين عامي 1986 و2005، بنماذج مناخية يبلغ عددها 26 نموذج تنبؤ مناخي، وضعها علماء خلال نفس الفترة، وذلك في محاولة منهم للتنبؤ بالظروف المناخية التي ستكون عليها منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا خلال فترتين، الأولى بين عامي 2046 و2065، والثانية بين عامي 2081 و2100.

وقد استندت هذه التنبؤات على سيناريوهيْن منفصلين، السيناريو الأول يتمثل في البدء بتناقص الغازات المسببة لظاهرة الاحتباس الحراري بدايًة من عام 2045. أما السيناريو الثاني فتمثل في عدم حدوث هذا الانخفاض المفترض. الغريب أنه في كلا السيناريوهين كانت التنبؤات المناخية تشير إلى حدوث ارتفاع كبير في درجة الحرارة في المنطقة وتحديدًا خلال فصل الصيف.

وارتفعت درجة حرارة كوكب الأرض بمقدار 0.8 درجة مئوية منذ عام 1880، وفقًا للبيانات التي نشرتها وكالة الفضاء الأمريكية (ناسا)، لكن البروفيسور ليليفيلد ذكر أنه لو وصل هذا الارتفاع منذ بداية العصر الصناعي إلى درجتين مئويتين فقط، فإنه بحلول منتصف القرن الحالي لن تقل درجات الحرارة في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا عن 30 درجة مئوية في الليل في الفترات الزمنية الأكثر حرارة التي تمر بالمنطقة.

بينما خلال النهار فيمكن أن تزيد درجة الحرارة عن 46 درجة مئوية. ويمكن أن تصل درجة الحرارة هذه إلى 50 درجة مئوية مع نهاية القرن الحالي طبقًا لتوقعات فريق الباحثين بقيادة ليليفيلد، الذي حذر أن موجات الحرارة التي ستضرب المنطقة سوف تشتد بمقدار 10 أضعاف أكثر مما هي عليه الآن.

وبالإضافة إلى ارتفاع درجات الحرارة بشكل عام، فإن عدد الأيام شديدة الحرارة، سيرتفع إلى 80 يومًا خلال منتصف القرن الحالي، وهو رقم مرتفع كثيرًا، مقارنًة بمتوسط قدره 16 يوم شديد الحرارة سجلت بين عامي 1986 و2005. ومع نهاية القرن يتوقع هؤلاء الباحثون إمكانية وصول هذه الأيام إلى 116 يوم.

ويقول ليليفيلد إنه في المستقبل من الممكن أن يتغير المناخ في أجزاء كبيرة من الشرق الأوسط وشمال إفريقيا بطريقة تجعل وجود هذا العدد الكبير من السكان في خطر من حيث الحفاظ على وجوده في المنطقة بنفس المعدلات. وأضاف أن التغير المناخي سوف يفاقم بشكل كبير من ظروف المعيشة في المنطقة. وذكر أن موجات الحرارة الطويلة والعواصف الترابية يمكن أن تجعل بعض المناطق غير صالحة للسكن، مما سيسهم بالتأكيد بارتفاع معدلات الهجرة من المنطقة.

التغير المناخي والأزمة الاقتصادية

ليس هذا هو عامل الخطورة الوحيد، الذي يهدد منطقة الشرق الأوسط بسبب التغير المناخي، فقد حذر البنك الدولي من أن الاقتصادات في مناطق واسعة من العالم، يمكن أن تتقلص بشكل كبير، بحلول منتصف القرن الحالي؛ نتيجة لشح المياه العذبة وتناقصها حول العالم.

وذكر البنك الدولي أن منطقة الشرق الأوسط يمكن أن تنال الضربة الأكثر إيلامًا في هذه الفرضية، إذ يمكن أن يهبط الناتج المحلي الإجمالي في المنطقة بنسبة 14% بحلول عام 2050، ما لم تتخذ تدابير لإعادة توزيع المياه بشكل كبير. وتشمل هذه التدابير جهود الكفاءة والاستثمار في تكنولوجيا تحلية المياه وإعادة تدوير المياه.

ويمكن لظاهرة الاحتباس الحراري أن تتسبب في فيضانات أو موجات جفاف شديدة، ويمكن أيضًا أن تتسبب في هطول الثلوج بدلًا من الأمطار السائلة نتيجة ارتفاع معدلات التبخر. هذه الظاهرة أيضًا يمكن أن تقلل من الثلوج الموجودة على الجبال والتي تعتبر أحد المصادر الهامة للمياه العذبة، ويمكن لذوبان الأنهار الداخلية أن يستنفذ مصادر الجريان السطحي للمياه العذبة في عدة مناطق. هذا بجانب أن ارتفاع مستوى سطح البحر يمكن أن يؤدي إلى تلويث المياه الجوفية بالمياه المالحة.

وسيؤثر شح المياه العذبة بالطبع على قطاعات اقتصادية هامة مثل الزراعة والطاقة. وكما أن المياه هي مركز الحياة، فكذلك هي مركز النشاط الاقتصادي.

اتفاقية عالمية

وفي شهر أبريل (نيسان) 2016، تعهدت كل من الصين والولايات المتحدة الأمريكية، وهما أكبر منتجان لغازات ظاهرة الاحتباس الحراري، بتبني اتفاقية باريس المناخية التي قامت دول العالم بالتوقيع عليها نهاية العام الماضي بغرض إبطاء ظاهرة الاحتباس الحراري، وهو ما قد يعطي بعض الأمل في التحكم في هذه الظاهرة التي قد تغير وجه الأرض كله إذا ما استمرت في الازدياد.

وقالت الأمم المتحدة أن 175 دولة حول العالم أخذت الخطوة الأولى الخاصة بالتوقيع الملزم على الاتفاقية، كما أبلغت 15 دولة الأمم المتحدة رسميًا بأنها قد صدقت بالفعل على الاتفاقية. ولايزال عدد كبير من الدول بحاجة إلى تصديقات برلمانية على الاتفاقية التي تم التوصل لها في شهر ديسمبر (كانون الأول) 2015، وستصبح الاتفاقية قيد التطبيق الفعلي عندما تصدق عليها 55 دولة تمثل 55% من الدول المسببة لظاهرة الاحتباس الحراري.

ورغم أن الشرق الأوسط لا يساهم بنسبة مرتفعة في هذه الظاهرة إلا إنه أحد المناطق التي تشهد تغيرات مناخية كبيرة في الأعوام الماضية نتيجة الانبعاثات الغازية الكبيرة للدول الصناعية الكبرى خصوصًا الولايات المتحدة الأمريكية والصين، واللتان تمثلان بمفردهما ما نسبته 38% من نسبة المساهمة في الاحتباس الحراري.

المياه العذبة في الشرق الأوسط

وتشهد منطقة الشرق الأوسط، كثيرًا من المشاكل البيئية في الآونة الأخيرة، أبرز هذه المشاكل تتميز في تناقص موارد المياه العذبة بشكل متزايد، خصوصًا بالنسبة لملايين السكان الذين لا يمكنهم الوصول إلى المياه النظيفة والعذبة. من بين هذه البلدان التي يتضح فيها شح المياه العذبة اليمن والإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية والعراق.

وما يعيب منطقة الشرق الأوسط هو قلة مياه الشرب العذبة ونقص مساحات الأراضي الصالحة للزراعة خصوصًا في ظل تنامي ظاهرة التصحر. وتستهلك الزراعة ما نسبته 85% من إجمالي المياه العذبة في منطقة الشرق الأوسط، وتتمثل الأزمة هنا في الاستهلاك غير الرشيد للمياه عند الزراعة واللجوء في عدة مناطق إلى الري بشكل مبالغ فيه.