متى يحرر الخليج العراق من قبضة إيران؟
7 مايو، 2016
“العراق المنسي” عبارة تلخص السياسة الخارجية لدول الخليج تجاه العراق، الذي تتقطع أوصاله تحت وطأة الاحتلال الأمريكي الإيراني، فهناك تتقاسم طهران وواشنطن النفوذ على الجسد العراقي، وسط تهميش قسري للمكون السني، وهيمنة شبه كاملة لنظام ولاية الفقيه وشبكة الميلشيات الشيعية، التي تبعث دوما برسائل تهديد للخليج والسعودية تحديدا، فلماذا تراجعت أولوية العراق على أجندة صناع القرار بالخليج، وما خطورة ذلك في ظل التصعيد الروسي بالمنطقة وتشكل المحور الرباعي (الروسي السوري الإيراني العراقي)، وهل يتحول العراق إلى قنبلة موقوتة بوجه الخليج بحكم الموقع الاستراتيجي والجغرافي، فقد يتحول العراق إلى رأس الحربة بيد إيران لتهديد دول الجوار بعد السيطرة الكاملة على أجهزته الأمنية والعسكرية والاتفاقيات المشتركة بينهما وبعضها يجري في طي الكتمان.
أمريكا تدعم الطائفية لحكم العراق
قالت صحيفة الواشنطن بوست الأمريكية أن “البيت الأبيض ما زال يراهن على وهم من خلال دعمه لأشخاص لقيادة العراق، مشيرة – في مقال افتتاحي لها أمس الأربعاء – إلى أن العراق لا يمكن أن يبقى على قيد الحياة في ظل نظام الحكم الحالي، الذي يركز السلطة في بغداد، وما يتبع ذلك من انقسامات بين الشيعة، بالإضافة إلى تهميش الأكراد والعرب السنة.
تعود الصحيفة إلى العام 2012، عقب إعادة انتخاب أوباما، حيث ألقى بثقله وراء رئيس الوزراء نوري المالكي، الأمر الذي جر البلاد إلى عواقب وخيمة، خاصة أن الرجل كان طائفياً، أسهم بشكل كبير في تمزيق النظام السياسي الهش، وفتح الطريق أمام نشوء وتغول تنظيم الدولة الإسلامية، قبل أن يغادر عام 2014 بعملية إطاحة، حيث جاء بعده رئيس الوزراء الحالي، حيدر العبادي، وهو الذي راهنت عليه واشنطن من جديد، وعلى الرغم من أن ولاية أوباما شارفت على الانتهاء، إلا أنه ما زال متمسكاً بالعبادي، الذي أثبتت الأيام أنه غير قادر على حكم البلاد، أو حتى مصالحة الأطراف المتحاربة.
عجز العبادي ثبت جلياً يوم السبت الماضي، عندما اقتحم أنصار التيار الشيعي مقتدى الصدر المنطقة الخضراء المسورة؛ بهدف الضغط على مجلس النواب للتصويت على حكومة تكنوقراط، واستبدال النظام الفاسد، ونظام المحاصصة الطائفي.
هل آن وقت التدخل الخليجي
هل الفرصة مواتية لدول الخليج للتدخل في العراق لإنقاذه من قبضة إيران باستغلال الخلاف المتنامي داخل التحالف الشيعي في العراق والذي برز بقوة بعد أن كشفت مصادر مطلعة لـ”عربي21″، أمس الأربعاء، عن تفاصيل اجتماع التحالف الوطني (الشيعي) في الليلة التي سبقت اقتحام أتباع رجل الدين الشيعي مقتدى الصدر، للمنطقة الخضراء واحتلال البرلمان، فيما كشفت المصادر أيضا عن أن الصدر تلقى رسالة تهديد عنيفة من قائد فيلق القدس قاسم سليماني، حيث بعث برسالة تهديد شفوية شديدة اللهجة، عن طريق أحد مقربيه إلى مقتدى الصدر، قال فيها بلهجة عامية عراقية: “لِم كلابك وإلا أرسلْ كلابي عليك“.
العراق في قبضة إيران
ما هي أشكال وأدوات التغلغل الإيراني في العراق ملف أثارته دراسة بعنوان “توظيف الطائفية:النفوذ الإيراني في العراق” نشرت في 20 يناير 2016 وأعدها “المركز الإقليمي للدراسات الاستراتيجية” وأكدت أن إيران تعد فاعلا رئيسيًّا في تفاعلات الساحة العراقية، وعلى مختلف الأصعدة؛ ورمت بثقلها للمحافظة على هذا الدور وتعزيزه باستمرار، لإدراكها أهمية العراق الاستراتيجية، وكونه بمثابة بوابة مهمة للدخول إلى المنطقة العربية، ومن خلاله يتحقق التواصل الملائم لإيران مع حلفائها في باقي دول المنطقة.“
محطات الضعف استغلتها طهران
ورصدت الدراسة أن “هذا الدور ذو الأبعاد السياسية، الأمنية، الاقتصادية، والعقائدية، ما كان ليصل إلى ما هو عليه لولا الأزمات التي يمر بها العراق؛ إذ أُتيحت الفرصة الأولى لإيران لمد نفوذها في العراق بعد الاحتلال الأمريكي في مرحلة ما بعد 9 إبريل 2003، وجاءت الفرصة الثانية في ظل الأزمة الأمنية التي يشهدها العراق منذ مطلع عام 2014، وتفجرت في 10 يونيو من العام ذاته بعد استيلاء تنظيم “الدولة الإسلامية” (داعش) على عدد من المحافظات العراقية. فقد مر الدور الإيراني بمرحلة جديدة حينما أخذ شكلا أمنيًّا حاسمًا في الحرب ضد تنظيم داعش في العراق من خلال وجود ضباط وخبراء وقوات إيرانية بشكل مباشر في الساحة العراقية، وكذلك عن طريق بيع الأسلحة والمعدات العسكرية وتقديم المعلومات الاستخبارية للقوات العراقية.
حكومات تدين بالطاعة لإيران
اتخذ الدور الذي تمارسه إيران في العراق-بحسب الدراسة-أشكالا عدة تتمثل في الدور السياسي، عبر ما تملكه من علاقات وروابط بالحكومة العراقية والحركات والأحزاب السياسية الفاعلة في العملية السياسية ومراكز صنع القرار، وتعمل إيران على استمرار خلخلة الأوضاع السياسية في العراق بما يجعل الحكومات العراقية ضعيفة، وإيجاد نخب سياسية تدين بالولاء والطاعة لإيران، فبقدر ضعف وحاجة الحكومات العراقية لإيران بقدر ما ستحقق إيران مصالحها. يُضاف إلى ذلك بروز الدور الإيراني في القرار العراقي عبر تقديم الاستشارات للسياسيين وصناع القرار العراقيين وهو ما يظهر جليًّا في التطورات الداخلية العراقية، وموقف العراق من القضايا الخارجية، وليس آخرها تبعية الموقف العراقي لإيران من الأزمة السورية، وعاصفة الحزم، وأحداث استهداف البعثات الدبلوماسية السعودية في إيران.
نفوذ ديني واسع
أما على صعيد الدور الديني فقد حققت إيران اختراقًا ونفوذًا في المسائل الدينية على الساحة العراقية، وسيطرت على شريحة واسعة من العراقيين تحت مسمى “التشيع”، وذلك من خلال إثارة القضايا الطائفية والترويج لفكرة المظلومية. ولإيران تأثير كبير على رجال الدين في الحوزات العلمية الدينية. كما أن لها دورًا دينيًّا فاعلًا في تحريك القضايا السياسية عن طريق الفتاوى الدينية التي يُصدرها رجال الدين المرتبطون بإيران.
اقتصاديا: إيران حققت التغلغل الكبير في مختلف القطاعات الاقتصادية والصناعية وقطاعات الاستثمار والسياحة الدينية والقطاعات التجارية، وتسهيل منح التأشيرات للتجار والمستثمرين الإيرانيين، وإغراق الأسواق العراقية بمنتجات وسلع إيرانية استهلاكية ورخيصة، حتى تمكنت إيران من أن تكون الشريك التجاري الرئيسي للعراق، ومن أكبر المستثمرين فيه منذ عام 2003، إذ وصلت الاستثمارات الإيرانية في العراق إلى ما يقارب 12 مليار دولار، ويوجد 4 مصارف مشتركة بين الدولتين لتعزيز التدفقات المالية.
هيمنة أمنية وعسكرية
الأخطر الدور الأمني العسكري، ويعد الدور الأبرز الآن، ويتضح بالتواجد المباشر حيث نشر قوات عسكرية إيرانية ومستشارين ومدربين عسكريين، وتنفيذ المقاتلات الإيرانية طلعات جوية على طول الشريط الحدودي مع العراق، تحت مبرر حماية الزوار والمراقد الشيعية ودعم الحلفاء من أحزاب سياسية وفصائل مسلحة.
كما تسعى إيران إلى تعزيز وجودها وأنشطتها الاستخباراتية في كردستان، ونشر عملاء سريين من المخابرات الإيرانية، ويوجد في السليمانية مقر عمل لـ”قرارغا -إي رمضان” وهو قسم تابع لقوات الحرس الثوري الإيراني مسئول عن شمال العراق.
هل تكفي الخطوات الخليجية؟
في المقابل تعمل السعودية على إفشال المخططات الإيرانية الخاصة بالسيطرة على صناعة القرار في العراق، فحسب صحيفة النيويورك تايمز، تعمل المملكة على تقديم الدعم المالي المباشر للعشائر السنية، بعد أن فقدت الثقة بحكومتي المالكي والعبادي، وشعورها بضرورة أن تسند المجموعات السنية في ظل احتمال توسع الحرب الأهلية، ولم تكتف السعودية بذلك، بل قامت كذلك بحث بقية الدول العربية في الخليج للقيام بدور مباشر في دعم مجموعات العشائر السنية في العراق. فحسب السفير الأمريكي السابق في الكويت “ادوارد جنهام”، ضغطت السعودية على الأعضاء الأخرين في مجلس التعاون الخليجي، لتقديم دعم مالي للسنة في العراق.
كذلك أعلن السفير السعودي في بغداد، ثامر السبهان، إن السعودية مستعدة لقتال تنظيم “الدولة” في العراق إن طلبت الحكومة العراقية ذلك، مؤكداً أن بلاده “تحارب التطرف بكافة أنواعه وأشكاله، والعراق يعاني من جرائم داعش والمنظمات الإرهابية“. في خطوة تستهدف بحسب مراقبين تفكيك ذرائع الوجود الإيراني وميلشاتها.