‘السلطان والدولة: ما الذي ينتظر عمان ما بعد السلطان قابوس؟’

8 مايو، 2016

ربّما تشعر أن «سلطنة عُمان» دولة منعزلة بالكامل عن المنطقة المُحيطة بها؛ فبينما تعصف الاضطرابات، والقلاقل بالعديد من دول «الشرق الأوسط» و«شمالِ إفريقيا»، تتمتّع سلطنة عُمان باستقرار، ووحدةٍ وطنية، يحسدها عليها الكثيرون من أبناء المنطقة العربية.

يرجع الفضل الأكبر في ذلِك إلى السلطان «قابوس بن سعيد»، الذي تمكّن من النهوض بعُمان ليحوّلها من دولة فقيرة، وقت توليه السُلطة في مطلع السبعينيات، إلى دولة غنيّة تتمتّع ببنية تحتية من الطراز الأول، وسياحة مزدهرة، وتحالُفاتٍ عسكرية مع الولايات المتّحدة وبريطانيا.

لكن السلطان «قابوس»، مع تقدّمه في العُمر، سيرحل في المُستقبل القريب، وسيتوجّب اختيار من يخلفه، ويرث مقاليد الحُكم الداخلي والسياسة الخارجية التي وضعت «مسقط» في مركز النزاعات الإقليمية والعالمية. تستعرض ورقة بحثية صادرة عن معهد الشرق الأوسط بواشنطن، أبرز التحدّيات الاقتصادية والسياسية التي ستواجه عُمان، بعد رحيل «قابوس».

الاقتصاد العُماني .. اعتمادٌ أساسي على النفط

وووفقًا للورقة، فإنه، من بين كل دول الخليج النفطي، كانت سلطنة عُمان الأكثر تأثرًا بالانخفاض الكبير في أسعار النفط، الذي بلغ أكثر من 70% منذ منتصف 2014، وهو ما أدى إلى انخفاض تصنيفها الاقتصادي العالمي، وتأثر عدّة قطاعاتٍ اقتصادية غير نفطية، خاصّة أنّ الاحتياطي النقدي العُماني أقل بكثير من «الكويت»، و«قطر» و«الإمارات». اضطرت السلطنة إلى تطبيق إجراءات التقشف، بعد الضربة القويّة التي تلقّاها اقتصادها، المُعتمد بنسبة 84% على مجال النفط؛ إذ ألغيت مكافآت القطاع العام لأجلٍ غير مسمّىً، ورفعت أسعار النفط، إلى جانب عدّة إجراءات أخرى.

أيضًا فإن السلطنة اكتشفت، في تسعينات القرن الماضي، أن المخزون النفطي العُماني أقل بكثير مما حسبوه في بداية الأمر، وهو ما دفع حكومة السلطان «قابوس» إلى وضع خطة طريق باسم «رؤية 2020»، تهدف بحلول عام 2020 إلى تحقيق الاستقرار الاقتصادي والمالي للسلطنة، عن طريق تمكين القطاع الخاص، ودمج السلطنة في الاقتصاد العالمي، وتنمية الموارد البشرية بالسلطنة، وبالطبع، زيادة أرباح السلطنة من المجالات الاقتصادية غير النفطية.

تشير الورقة إلى أنه، في الوقت الحالي، يحقّق قطاع الغاز العماني نتائج طيبة؛ إذ يستحوذ على نسبة 20% من الدخل القومي العُماني. تستورد عُمان الغاز الطبيعي من قطر- وستبدأ في استيراده من «إيران» قريبًا – ثم تقوم بإسالته، وتصديره إلى بلاد الشرق الأقصى. أيضًا تسعى السلطنة إلى استغلال موقعها الجغرافي المتميز لتصبح مركزًا تجاريًا مهمًا، عن طريق إنشاء مركز شحن وتفريغ ضخم بمدينة «الدُقم»، على ساحل «المُحيط الهندي».

وتؤكد أنه، بغض النظر عن الوقت الذي يتولى فيه خليفة «قابوس» السلطة، سيتوجب عليه أن يحرص على أن تسير السلطنة في ذلك الاتجاه، وبخطوات حثيثة، قبل نفاد مخزونها النفطي، بعد 20 عامًا من الآن.

ما بعد «قابوس».. مخاوِف من إجراءات نقل السُلطة

تنوه الورقة أيضًا إلى مُشكلة أخرى ستواجه السلطنة، بعد رحيل «قابوس»، هي أن سلطنة عُمان ليس لها وليّ عهدٍ محدّد سلفًا، كما هو الحال في بقية دول الخليج؛ فالسلطان ليس له أبناء، أو أشقّاء على قيد الحياة، ويبقى اسم وليّ العهد غامضًا، وسط توقّعات بتولية هذا القريب أو ذلك، لكن بلا أي تأكيد رسمي، أو مناقشة صريحة للوضع. يخشى المتابعون، كما تذهب الدراسة، أن السلطان القادم سيفتقر إلى الشرعية التي تمتع بها «قابوس»، خاصة أنّ أفراد العائلة المالكة يشغلون مناصب رمزية لا أكثر، بينما تتمركز السلطة الحقيقية في يد «قابوس».

لتفادي هذا، عدّل «قابوس» دستور البلاد؛ ليسمح للعائلة المالكة بأيامٍ ثلاثة لاختيار خليفة له بعد وفاته. وفي حالة عدم الوصول إلى اتفاق، ترك «قابوس» رسالتين باسمين مختلفين، كما قال في مقابلة صحفية عام 1997، يفتح إحداهما مجلس أعلى مكوّن من رؤساء المحكمة العُليا، وأعضاء من المجالس البرلمانية العمانية «مجلس الدولة ومجلس الشورى»؛ ليتقرر على أساسها من يخلُف السلطان.

لكن هذه الطريقة – التي لم يجرّبها العمانيون قبلًا – محفوفة بمخاطر عدّة، خاصة مع غياب «قابوس»، وعدم تمركز السلطة في يد شخص معين، أو جهة معينة؛ ماذا يمكن أن يحدث إن رفضت العائلة المالكة هذا الإجراء، واعتبرته تعديًا على حقها المقدس في اختيار خليفة السلطان؟ وماذا يمكن أن يحدث في حالة ظهور رسائل مُتعارضة المحتوى؟

وتشير الدراسة أيضًا إلى أن الفراغ السلطوي الذي سيتركه رحيل «قابوس» ربّما يُغري بعض القبائل بمحاولة إعادة «الإمامة الإباضية» إلى حكم عُمان، التي انهزمت أمام قوّات السلطنة عام 1959، على يد والد «قابوس»، السلطان «سعيد بن تيمور»؛ بفضل الدعم «البريطاني». عام 2005، اعتقلت القوات العمانية 31 ناشطًا إباضيًا، واتهمتهم بالتآمر؛ لإعادة الإمامة الإباضية، وهو ما رآه بعض المتابعين المحليين «اختراقًا جهاديًا» للفكر الإباضي من قبل تنظيم القاعدة المتطرف، لكن هذا التفكير أبعد ما يكون عن الحقيقة.

هل يخترق الجهاديون الجنوب العماني؟

وفق ما ورد في الورقة، تلعب عدّة عوامل تاريخية، سياسية ودينية دورًا هامًا في جعل الاختراق الجهادي لعُمان أمرًا مستبعدًا حدوثه. فعلى الصعيد الأمني، تتمركز قوات السلطنة العسكرية على الحدود العمانية اليمنية بمحافظة «ظفار»؛ لمنع أي اختراق جهاديّ أو عمليات تهريب للأسلحة الخفيفة والآلية، مستخدمةً في ذلك أحدث «تكنولوجيا» حماية الحدود، بما يكفي لتأمين المنطقة، حتى مع الاضطرابات المتصاعدة في اليمن.

أمّا تاريخيًا، فالسلطنة سبق وأن عانت من ثورة «جبهة تحرير ظُفار»، الجماعة الماركسية المدعومة من اليمن، والتي حاولت إسقاط السلطنة عام 1970 في إطار ثورات متعددة شملت جميع بلدان الخليج تقريبًا وقتها، لكن السلطنة تمكنت من سحق الثورة في 1976 بدعم بريطاني «أمريكي إيراني أردني روديسي»، وحرصت، منذ ذلك الوقت، على ألّا يتكرّر ذلك مرّة أخرى.

أمّا على الصعيد السياسي المجتمعي، فالإرهاب لن يجد في عمان تربة خصبة تسمح بنموه؛ بفضل ميل السلطنة إلى الحوار، واللاعنف، في تسوية الخلافات السياسية. يرجع هذا إلى «المذهب الإباضي»، المذهب الإسلامي المسيطر في عُمان، الذي يدعو إلى التسامح، والعدل، والاحتواء. نرى هذا واضحًا في كون عُمان الدولة الخليجية الأكثر حمايةً واحتواءً للأقليات الدينية، من «الهندوس والمسيحيين والسيخ».

أيضًا، فإن تقرير وزارة الخارجية الأمريكية عن الحريات الدينية، في 2012، أظهر غياب الانتهاكات المجتمعية، وجرائم التمييز العنصري، عن أراضي السلطنة.