محمد عبد الحكم دياب يكتب: uFEFFالصحافيون المصريون وعودة الدولة البوليسية!

8 مايو، 2016

محمد عبد الحكم دياب

قبل إبداء أي ملاحظات حول اقتحام نقابة الصحافيين المصرية يوم الأحد الماضي؛ استعيد عنوان ما كتبته في ذكرى ثورة يناير الأخيرة كان؛ «ثورة يناير في الطريق لدخول حقبة ما بعد الشيطنة»‫!!‬ وكان أول كتاب صدر لي عن ذكراها الأولى بعنوان: «ثورة يناير.. من الإعجاز حتى الشيطنة». وتتلخص الملاحظات في التالي:
1) النجاح في إعادة إنتاج الدولة البوليسية بعد سقوطها مع سقوط حكم عائلة مبارك.
2) تشغيل آلة الخوف، الذي انتهى إلى غير رجعة؛ وتتولاها عناصر من بين تحالف لأباطرة الأمن والثروة والقضاء (يمثلهم النائب العام الحالي).
3) ترك الأوضاع دون تصحيح وافتقاد إرادة التغيير.. وعدم التعلم مما فات.. وبعد خمس سنوات من الثورة ما زال الترويع الأمني والحبس الاحتياطي المفتوح والتعذيب حلا للأزمات..
4) نضوب الخيال السياسي وافتقاد الرؤية الوطنية والاجتماعية للمشروعات، وحصرها في رغبات فردية؛ تنفذ بالأوامر وبإمكانيات الاحتكارات الأجنبية بعيدا عن العقل والعلم والتخطيط والكفاءات الوطنية.
5) عودة البلطجة و»كتائب الأمن الإعلامية»؛ الموزعة على صحف وأجهزة إعلام حكومية وخاصة، وعلى مواقع تواصل ألكتروني تحرض وتشق الصفوف وتحيي عصابات «المواطنين الشرفاء» من أرباب وربات السوابق للاعتداء على الصحافيين وإهانة المتضامنين معهم..
6) لا صوت يعلو فوق صوت الشرطة بعد أن قلنا «لا صوت يعلو فوق صوت المال». ووقع حصار لنقابة الصحافيين أسوا من حصارها في 2005.. وما جرى فيه من انتهاك الحرمات والأعراض!!
7) الانتقام من نقابة شهدت «سلالمها» أهم حدث في تاريخ مصر؛ وهو هزيمة الدولة البوليسية في يناير/كانون الثاني 2011.. رغم الاستعانة بسيارات دبلوماسية أجنبية دهست المحتجين والثوار… وإحلال الانتقام محل المحاسبة القانونية سبب التدهور الحالي.
8) توالي الرسائل المؤكدة على استمرار العنف والحصار والسجن ضد كل من يقترف «جرم» التعبير عن الرأي والكلمة، وبدل من أن يضبط وزير الداخلية ضباطه ورجاله ويرتقي بأدائهم يعيدهم لعهد البلطجة؛ إنتظارا لكوارث جديدة في بلد لا يتحمل أكثر مما هو فيه.
9) استعلاء غير مبرر على احتواء الأزمات، ففي 1968 احتوى عبد الناصر الموقف والتقى بقادة المحتجين وناقش مطالبهم وعرضها على «مؤتمر قومي استثنائي» جمع ممثلي الشعب من كافة الأنحاء.. وأعيدت محاكمة المتسببين في الهزيمة، وصاغ من شعارات المحتجين برنامج للتغيير الوطني.. وفي 1977 نزع السادات فتيل الأزمة وسحب قراراته التي أشعلتها.
10) العناد؛ قاصم ظهر كل جبار، ودرس عناد مبارك ما زال حاضرا، وعناد ما بعد 30 يونيو/حزيران يقوم مع نشر ثقافة الخوف والعنف بين الشباب والتهاون مع تجاوزات الشرطة؛ فاطلقت رصاصها على أبرياء، واعتدت على أطباء مستشفى المطرية التعليمي. ولما لجأوا لجمعيتهم العمومية؛ بأسلوب ديمقراطي واجهوا ما تواجه نقابة الصحافيون ويتعرض له المحامون!!.
والدولة البوليسية نشطة في تأليب الناس وبث الفرقة بينهم دون رادع من أي نوع.
وللمتابعين نرجع إلى رؤية المهندس عزت هلال حول موقع الدين في الدولة المصرية الحديثة‫..‬ ويعتبر الرجل أن ما يكتب هو وجهة نظر؛ تحتمل الصواب والخطأ، وهذه سنة حميدة تعكس ثقة بالنفس ورغبة حثيثة في التنوير‫،‬ وليس هناك ما يمنعه من الأخذ بما يخالفها‫..‬
يبدأ المهندس هلال من الإيمان الإسلامي والمسيحي؛ مبرزا القاعدة القرآنية التي تقول‫:‬ ‫»‬ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة‫.‬ وجادلهم بالتي هي أحسن. إن ربك هو أعلم بمن ضل عن سبيله، وهو أعلم بالمهتدين‫»‬ وينطلق منها بسؤال هل هناك غير «الحكمة والموعظة الحسنة» للدعوة إلى الله؟. وهل هو طريق القتال أو العنف؟ أم اتباع قول عثمان بن عفان “إن الله ليزع بالسلطان ما لا يزع بالقرآن‫”.‬ ويرى أن الله لا يتسلط على الناس، بل يعيش في قلوبهم، وينتشر من خلالها إلى الناس، وهذا هو الطريق الذي أمرنا الله بالدعوة إليه. ولهذا كان سيدنا محمد ‫(‬ص‫)‬، آخر الأنبياء، وآخر من يوحى إليهم. وكان يحكم بما يأمر الله، بوحي منه جل جلاله، وقد قال: فذكر إنما أنت مذكر(21) لست عليهم بمسيطر (22) إلا من تولى وكفر (23) فيعذبه الله العذاب الأكبر (24) إن إلينا إيابهم (25) ثم إن علينا حسابهم (26) ـ الغاشية 88.
وواضح من النص أن مهمة الرسول، ‫(‬ص‫)‬ هي التذكير (الدعوة لله تعالى) وهي دعوة المؤمنين من بعده دون أن يكون له سلطة؛ «لست عليهم بمسيطر». فأما من تولى وكفر؛ أي لم يستجب للرسول (ص)، فمرده إلى الله تعالى يوم الحساب في الآخرة «إن إلينا إيابهم، ثم إن علينا حسابهم». فالحساب لله وحده وليس للرسول (ص) ولا لعثمان أو من خَلَفَه من الحكام إلى يومنا هذا.‫!!‬
وعاد عزت هلال إلى الوراء قبل بعثة الرسول (ص) ليقول: «كان الدين جزءا من السلطة» ولذا جاءت ضرورة وجود نبي أو رسول بين المؤمنين ينبئهم بما ينبغي عمله. وكان كهنة النظام المصري القديم جزءا أساسيا من سلطة الفرعون.. وباقي الشعب محكوم بسلطة الدين وقوة الحاكم. وحين انشق اخناتون عن السلطة الدينية، وكان يجمع بين الدين والحكم معا؛ ثار عليه الكهنة، واستقر الأمر على عبادة آتون وابنه الإنسي فرعون، وسارت اليهود على هذا النسق، فجمعوا بين الحكم والدين، وطلبوا ملكا إلى جانب الكهنة. وجاء الإسلام فألغي الكهانة وأعاد الأمر للناس.. وقد نُصِّب الرسول حاكما للمدينة ببيعتين من عامة الناس، وفصل بين حكمه المدني لزمنه وقومه، وبين الرسالة الموحى بها لزمنه وزمن من يأتي بعده.. وانتهى زمن الوحي بالرسول (ص) ليبدأ زمن العقل. وكان هذا واضحا في القرآن الكريم وفي الانجيل، وكلاهما جاء بتوحيد الله، وأشار للقدوة والمثل العليا كأمل للبشرية، وليس سلطة تُطبق باسم الله.
ويرى هلال أن الكهانة عادت مع الدولة الأموية. وانتقلت إلى العباسيين والفاطميين إلى الوقت الحاضر.. ويرى في ذلك محافظة «على هيكل الحكم المطبق منذ قدماء المصريين؛ حاكم مطلق يسانده طبقة من الكهنة لها امتيازات خاصة». ويسأل ماذا يحدث لو أُلغِيت الامتيازات؟ ويرد: «سيعود الإسلام للشعب كما بدأ في مكة. ومن وجهة نظره أن «الشعب لا يملك السلطة ولكنه يختارها من أبنائه، فمن المسجد يخرج القاضي ورئيس الجمهورية وأعضاء البرلمان. وكذلك الأمر مع الدين المسيحي فليس للدين سلطة مادية ضاغطة على الناس بل مُوَجِّها يلجأون إليه دون إكراه. فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر، عملا بقول الله في القرآن».
ويضيف؛ الإيمان المسيحي يفرق بين ملكوت الله أو ملكوت السماوات، وبين المُلك الزمنى المحدود. والسماء تعترف بحكم الله وتخضع له، أما الأرض فهي ولوقت محدود بحاجة لمعرفة سر الله لتخضع له وتعترف بملكه. فالخضوع لملكوت الله يكمن في الطاعة لله تعالى كما تفعل الملائكة في السماء.
والخلاصة في رؤية هلال أن الدين يقوم على التصديق بما لا يقوم عليه دليل.. فمفردات الدين كالله والملائكة والجنة والنار كلها من أمور الغيب لا تثبت بالدليل العقلي. «ولهذا لا يُحكم بها في عالم الشهادة» وترى الناس غير مطالبين بعقيدة واحدة.. والحاكمية أمر غيبي يعود للمعتقد الشخصي أو الجماعة المؤمنة ولا تتعداهما. وترى في سيطرة دين على باقي الأديان ما يتنافى مع ما جاء في القرآن الكريم: «فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر»، ولا يستقيم مع قوله تعالي «لكم دينكم ولي دين». والدين وفق هذه الرؤية، سواء في الإسلام أو المسيحية لا سلطة له، ولكنه اعتقاد وجداني يتطلع لتغيير المجتمع إلى الأفضل بواسل سلمية. وينتهي هلال بطرح رؤيته هذه للحوار.
ويبقى موقع القوات المسلحة في الدولة الحديثة إلى فرصة أخرى‫.‬

المصدر: القدس العربي

محمد عبد الحكم دياب يكتب: الصحافيون المصريون وعودة الدولة البوليسية! على ميكروسيريا.
ميكروسيريا –

أخبار سوريا ميكرو سيريا