‘مقتدى الصدر من إرهابي إلى مصلح سياسي’

8 مايو، 2016

اقتحم الآلاف من المتظاهرين الحي الحكومي في بغداد والذي يوجد غرب نهر دجلة واحتلوا بناية البرلمان على مدى ثلاثة أيام رافعين شعار “السلطة للشعب”.

وتجاوز المحتجون الحراس ورجال الأمن والسياج ومواقع المراقبة، واقتحموا المنطقة الخضراء التي تعتبر من أقوى الأماكن أمناً، حيث إنها تضم البرلمان ومقر رئيس الحكومة ووزارة الدفاع والعديد من السفارات الأجنبية والمنظمات الغربية.

لم يرد أفراد الأمن إطلاق النار على متظاهرين غير مسلحين، بل إن بعضهم وقف مصدوماً أمام هذا المشهد، كما يؤكد شاهد عيان. ولاشك أن مقتدى الصدر زعيم المحتجين قد سُرَّ لهذا التطور، فلأول مرة يبدو تخطيطه للأحداث في العراق واضحاً بهذا الشكل القوي.

قبل 10 سنوات كانت النظرة إلى الزعيم الشيعي، الذي يبلغ من العمر 42 عاماً، تتسم بالتخوف منه بسبب مواقفه التي اعتبرت متطرفة وعنيفة.

مؤيدوه سيطروا آنذاك على شوارع بغداد واختطفوا مواطنين سنيين وفتكوا بهم كما أرهبوا أحياء كاملة وساهموا في تقسيم الأحياء – ولازال ذلك قائماً- حسب الانتماء الديني للمواطنين.

وتعود الحرب الأهلية التي استمرت على مدى ثلاثة أعوام الأخيرة في البلاد بالخصوص لحساب جيش المهدي وهي ميليشيات تابعة لمقتدى الصدر، قوامها 50 ألف مقاتل.

وشكل أتباعه فرقاً لقتل أولئك الذين تعاملوا مع نظام صدام حسين. كما انتقم الزعيم الشيعي لقتل أبيه محمد صادق الصدر، إحدى الزعامات الشيعية البارزة، من طرف أتباع صدام حسين. أما اسم الحي المعروف في بغداد بمدينة صدام حسين فقد تحول إلى اسم مدينة الصدر.

لم ينجَ الأمريكيون من مقتدى الصدر أيضاً. فقد بلغ عدد التفجيرات التي استهدفت الجيش الأمريكي أكثر من 6000 تفجير، حسب ميليشيات الصدر.

وعندما أمرت الإدارة الأمريكية بالقبض على “الإرهابي الشيعي” هرب إلى إيران ولم يعد إلى العراق إلا عام 2012 بعد مغادرة القوات الأمريكية للعراق.

وكانت المفاجأة عندما قام بزيارة المسجد السني عبد القادر الكيلاني وسط بغداد وصلى به إلى جانب الإمام السني، في رمز للمصالحة بين المذهبين الإسلاميين، مما اعتبر تحولاً كاملاً في مواقف مقتدى الصدر.

وفي الوقت الذي تولى فيه أنصاره مناصب عليا في الدولة وأيدوا رئيس الوزراء نور المالكي عمل الصدر آنذاك للوقوف إلى جانب المتظاهرين السنة والذين طالبوا بالمشاركة في العملية السياسية في البلاد، كما طالب الصدر ميليشياته بوضع أسلحتهم وأعلن عن انسحابه من العمل السياسي.

لا يمكن الحديث عن ترك مقتدى الصدر للعمل السياسي، ففي مظاهرة 26 فبراير/شباط الماضي في بغداد انتقد مقتدى الصدر رئيس الوزراء حيدر العبادي في خطاب أمام الجماهير المجتمعة في ساحة التحرير والتي قام مؤيدوه بالتحضير لها بشكل مكثف.

وقال: “اليوم نقف أمام أبواب المنطقة الخضراء”، مضيفاً: “وغداً سنكون بداخلها”. وردت الجماهير المتظاهرة على تلك التصريحات: “لا للسارقين بالداخل، نعم للاصطلاحات” .

وبعد شهرين من هذه الهتافات تم اقتحام المنطقة الخضراء. وفي الوقت الذي لازال فيه العراق ينتظر الإعلان عن حكومة جديدة وهو غاضب من الفساد المتفشي في البلاد ومُرهق من الحرب ضد الإرهاب، وفي وقت انخفض فيه سعر النفط ومستوى الاقتصاد إلى الحد الأدنى، في هذا الوقت بالذات، يبدو أن الغوغائية أصبحت سيد الموقف.

ومع عدم وجود طبقة سياسية قادرة على تجاوز خلافاتها العميقة، يبقى العراق قابعاً في مشاكله العويصة مثل محاربة تنظيم “الدولة الإسلامية ” والعمل على الحفاظ على وحدة البلاد.

وقد يكون مقتدى الصدر قد فهم حقيقة ما يجري بالعراق، ولكن هناك تخوفات من أن يقوم باستغلال الفرصة لمصالحه الخاصة.

“لا تبدو الأمور في يده أفضل”، كما تقول إحدى المتظاهرات في ساحة التحرير بعد أحداث نهاية الأسبوع. “رجال دين مكان سياسيين؟ هل هذا هو الحل؟ أنا متخوفة على مسار بلدي”.