إيران تتآمر على الرياض في قلب أمريكا
9 مايو، 2016
أمريكا تتحول لساحة واسعة للتغلغل الإيراني وساحة جديدة للحرب بالوكالة التي تخضها طهران ضد الرياض في عدة بؤر ساخنة، فاللوبي الإيراني يحشد ضد المصالح السعودية ويخوض حملات ممنهجة لتشويه أكبر وأهم دولة سنية بالمنطقة، والانتقام منها لأنها عارضت تمرير الاتفاق النووي.
الأكثر خطورة تلاقي المصالح الإيرانية والأمريكية ضد الرياض، فواشنطن صارت ساحة خصبة لتنامي النفوذ الإيراني وجماعات الضغط الإيرانية، بل ونقطة مرور لتعافي الاقتصاد الإيراني والخزينة الإيرانية وبرنامج إيران للصواريخ البالستية بمرحلة ما بعد الاتفاق النووي، وصارت الإدارة الأمريكية برغم بعض الاعتراضات السطحية عاجزة عن تحجيم تلك القوة الصاعدة.
إيران تنقم من الرياض أين وكيف؟
أكد مسؤولون أمريكيون ضلوع جماعات الضغط المرتبطة بطهران في إثارة مشروع “العدالة ضد داعمي الإرهاب” فقد تصاعدت مطالبات في الولايات المتحدة تساندها بعض وسائل الإعلام الموجهة من بعض جماعات الضغط الموالية لطهران والمساندة للاتفاق النووي، بضرورة الكشف عن الأوراق والملفات غير المعلنة التي تزعم وجود علاقة للسعودية بهجمات 11 سبتمبر عام 2001، بحسب صحيفة “الشرق الأوسط”
هذه الملفات عبارة عن 28 ورقة ضمن تقرير حبيس الأدراج في مبنى “الكابيتول” حيث يقع مقر الكونجرس منذ نحو 14 عاما.
وأشارت تقارير صحافية الشهر الماضي إلى احتمالية إقرار البرلمان الأمريكي “الكونغرس” مشروع قانون “العدالة ضد داعمي الإرهاب” الذي يتيح تحميل السعودية مسؤولية هجمات سبتمبر في المحاكم الأمريكية.
بحسب مسؤول استخباراتي سابق في إدارة بوش الابن فإنه يعتقد أن اللوبي الإيراني ومن خلفه بعض الأعضاء الديمقراطيين في الكونغرس الأمريكي، الذين صوتوا في معركة الاتفاق النووي لصالح تمرير “قرار التأييد” وراء مشروع قانون “العدالة ضد داعمي الإرهاب” وذلك كإجراء انتقامي من السعودية المناهضة للاتفاق النووي.
كانت قد شهدت العلاقات بين السعودية والولايات المتحدة المزيد من التوتر خلال الأسابيع الماضية، وعادت الزعم القديمة حول الرياض والإجراءات القانونية التي كان البعض يرغب باتخاذها ضدها في الفترة اللاحقة على خلفية مأساة 11 سبتمبر إلى السطح مرة أخرى.
تواطؤ أمريكي مع طهران
يشكل جناح اليسار بالحزب الديمقراطي، الذي يؤيد بقوة رغبة الرئيس باراك أوباما في إقامة تحالف استراتيجي بعيدا عن التحالفات التقليدية لأمريكا في الشرق الأوسط وصوب إيران، لتأييد التحرك بعيدا عن السعودية، ومن جهة أخرى، يميل جناح الوسط بالحزب الديمقراطي لتجنب التورط في ذلك الجدل، وعلى الرغم من أن بعض الجمهوريين اليمينين ألقوا بتصريحات معتدلة تدعو لإصلاح العلاقات السعودية الأمريكية، ما زال هناك جانب من اليمين يرفض ذلك، وفي الوقت نفسه، التزم جانب كبير من الجماعات العرقية الشرق أوسطية التي تعيش بالخارج، الذين كان من المفترض أن يؤيدوا السعودية في مناقشات الرأي العام الأمريكية، الصمت المطبق، بحسب الشرق الأوسط.
واشنطن تدفع الحصان الإيراني
صار جليا أن الصفقة النووية تجعل من الصعب، إن لم يكن من المستحيل، السيطرة على طموحات طهران فيما يتعلق بالصواريخ البالستية، ولكن في الوقت نفسه، كانت إدارة أوباما تدفع بقوة لكي ترفع العقوبات الإضافية المفروضة على إيران، فقد اتضح في أواسط شهر أبريل أن إدارة أوباما كانت تحث حكام الخمسين ولاية على إلغاء القوانين التي تقضي بحرمان الشركات التي تشارك في أعمال مع إيران من التمويل الحكومي.
ووفقا لما نشرته “الشرق الأوسط” خلال الأسابيع الماضية، يبدو أن إدارة أوباما عازمة على منح إيران القدرة على التعامل بالدولار في تعاملاتها المالية الدولية-وهي المنحة التي يمكنها إثراء خزائن الحكومة الإيرانية وهو ما يمكن أن تستغله السلطات لتحقيق أي غرض تختار السعي لتحقيقه.
اللوبي الإيراني في أمريكا
في عملية ممنهجة قامت إيران منذ منتصف التسعينيات إلى تشكيل مجموعة ضغط (لوبي) في واشنطن من أجل حشد الدعم لمصالح نظامها الحاكم، بناء على قراءة تستند إلى فهم تراتبية القرار داخل نظام أعظم دولة في العالم، تتحكم بمقدرات الاقتصاد والسياسة الدوليين، وبالأخذ بنظر الاعتبار ارتفاع وتيرة الصراع في المنطقة التي يتوقع أن يكون دورها محورياً في العقود القادمة حيث سيتشكل عالم متعدد الأقطاب، ستأخذ دول محورية في الشرق الأوسط دوراً فيه، لذلك تسعى دول مثل إيران لحجز مواقع متقدمة في هذه المنظومة، باستخدام كافة السبل والوسائل.
اللوبي الإيراني، الذي يعمل منذ عهد رفسنجاني، تعاظم دوره في عهد خاتمي؛ وخف بعض الشيء في عهد أحمدي نجاد، إلا أنه استعاد دوره مجدداً بعد وصول روحاني إلى السلطة منذ يونيو/ حزيران من العام 2013، وطالب روحاني خلال زيارته الأولى للولايات المتحدة كرئيس لإيران، الجالية الإيرانية المؤيدة للنظام أن تقوم بدور وطني، وتشكل مجموعات ضغط فعالة للتأثير على الرأي العام الأمريكي لمصلحة إيران.
يتواجد اللوبي الإيراني بقوة في مراكز الأبحاث والمؤسسات الإعلامية، بالإضافة إلى مواقع صنع القرار في الولايات المتحدة الأمريكية، ويعمل من خلال مؤسسات غير حكومية ومنظمات سياسية ومدنية، وشركات تجارية لها مصالح اقتصادية مشتركة مع النظام الإيراني، ولا يمثل اللوبي أي جهات رسمية في طهران، ولكنه يعمل وفق مجموعات ومنظمات تنشط تحت عناوين منظمات حقوقية، ومجموعات مناهضة للحرب والتيارات التي تطالب بإعادة العلاقات مع إيران تحت شعار السلم والاستقرار في منطقة الشرق الأوسط.
كيفية التغلغل الإيراني
يقدر عدد الإيرانيين المقيمين حالياً في الولايات المتحدة بأكثر من ثلاثة ملايين نسمة، 50% منهم على الأقل ولدوا بها، وتصل ثروات الإيرانيين إلى 400 مليار دولار، بحسب ما ذكر مركز “كارينغي للدراسات”.ويتكون من مجموعتين؛ الأولى تعمل في أجهزة الإعلام الأمريكية ومنظمات بحثية، ويتركز نشاط هذه المجموعة أيضاً على الكونغرس الأمريكي، ولها درجات مختلفة من الارتباط بطهران.
أما المجموعة الثانية فهي مرتبطة “بصناعة النفط”، واستطاعت أن تخلق مصالح مؤثرة إلى درجة أصبح لها “منافع مالية لها أولوية على المصالح الوطنية الأمريكية”.
بهذا الصدد، يقول السياسي الإيراني حسن ديوليسلام، في حديث صحفي له مع موقع “فرونت بيج” الأمريكي، إن صادق خارازي، نائب وزير الخارجية الإيراني السابق (1997-2003) الذي عاش في الولايات المتّحدة بين 1989 و1996، يعتبر مصمم هذا اللوبي.
فيما برز دور المجلس الوطني الأمريكي الإيراني (إن آي إي سي)، الذي أسسه الباحث الأمريكي الإيراني الأصل “تريتا بارسي”، في تسويق أن حل أزمات الشرق الأوسط السياسية لا يكمن في حل القضية الفلسطينية فقط، بل يعتمد بشكل أكبر على “إيجاد التوافق بين طهران وتل أبيب”، وفي استضافة شخصيات رسمية أمريكية لتقريب وجهات النظر بين أمريكا وإيران.
اللوبي السعودي
في المقابل تمتلك السعودية جيشًا من اللوبيّات في واشنطن، يمكن للمملكة تفعيلها، لإيقاف مساعي الكونغرس الأمريكى الذي ينوي إصدار تشريع يربط المملكة بهجمات الحادي عشر من سبتمبر في 2001، الأمر الذي قد يعرض السعودية لمشاكل قضائية وقانونية جمة، وفقا لصحيفة “ذا هيل” في تقرير نشرته في 20 أبريل 2016 .
وقال تقرير موسع نشرته الصحيفة: “تمتلك المملكة العربية السعودية في جعبتها ثماني شركات أمريكية تمارس الضغط السياسي، بالإضافة إلى تقديم خدمات في مجال الاستشارات والعلاقات العامة والشؤون القانونية، كذلك تعمل خمس من تلك الشركات لصالح السفارة السعودية، بينما تم تسجيل الشركتين المتبقيتين – وهما بوديستا ومجموعة بي جي آر – لتمثيل مركز الدراسات وشؤون الإعلام لدى المحكمة السعودية العليا – والتي تعتبر بدورها ذراعا مهمًّا للحكومة السعودية. أما شركة إيدلمان الرائدة في مجال العلاقات العامة، فتعمل لحساب سلطة الاستثمارات العامة السعودية بهدف تشجيع حركة الاستثمارات الدولية.”
وأضافت الصحيفة: أنه “بدأت سلسة التعيينات مع مطلع العام الماضي، عندما تعاقدت السعودية مع 6 شركات في كيه ستريت، قبل أن تضيف بي جي آر إلى المجموعة الشهر الماضي”، مشيرة إلى أن السعودية أنفقت بحسب السجلات التي رفعت إلى وزارة العدل، حوالي 9.4 مليون دولار في عام 2015، على أنشطة الدعاوى والدفاع في واشنطن، بينما تقوم واحدة من شركات النفط الأمريكية التابعة للمملكة، بمتابعة العلاقات الخارجية كتنظيم ورعاية النشاطات والفعاليات، بالنيابة عن المملكة العربية السعودية.”
وذكرت النيويورك تايمز أن السعودية هددت ببيع 750 بليون دولار من سندات الخزينة وغيرها من الأصول التي تملكها في الولايات المتحدة في حال وافق الكونغرس على مشروع القرار. كما ذكرت الصحيفة وجود حملة من الضغوط السياسية القوية التي تشنها السعودية، فبيع الأصول التي تملكها المملكة سيحد من قدرة المحاكم الأمريكية على تجميد أرصدة وممتلكات السعودية، في حال تمكن ضحايا الهجوم المعني من تقديم الدعاوى ضدها.