بعد تصريحات “جولان”.. هل تظل “المحرقة” خطاً أحمر في “إسرائيل”؟


في اجتياز غير معهود للخط الأحمر الوحيد الذي يحظر تخطيه من أي جهة كانت في “إسرائيل”، وهو “الهولوكوست”؛ أو المحرقة التي مرّ بها اليهود في معسكرات النازية في أوروبا، قال نائب رئيس أركان جيش الاحتلال الإسرائيلي، يائير جولان، إن ما يخيفه بذكرى المحرقة “هو رؤية العمليات المثيرة للغثيان التي حصلت في أوروبا عامة، وفي ألمانيا خاصة، قبل 70 أو 80 أو 90 عاماً، تحصل وسطنا الآن في عام 2016”.

مقولة أثارت الغضب والذعر وسط المجتمع الإسرائيلي وعلى المستوى السياسي والعسكري، وبيّنت مرة أخرى الصدع الذي تشكّل مؤخراً بين القيادة السياسية للاحتلال ونظيرتها العسكرية.

إلى جانب ذلك، بدأت تطرح تساؤلات عن “الهولوكوست” والحديث عن تداعياته وتأثيرها على سلوك جيش الاحتلال هذه الأيام، هل سيظل خطاً أحمر بدولة الاحتلال، أم أنه سيصبح مع الوقت أمراً قابلاً للتداول؟

بطبيعة الحال، يظل هذا السؤال مفتوحاً، والإجابة عنه ستتضح مستقبلاً، إلا أن الجدل القائم حول هذا الأمر ينعكس اليوم من خلال موجة التصريحات العارمة والمتضادة التي يتناقلها الإعلام الإسرائيلي، موضحاً فيها هجوم السياسيين الموالين للحكومة على جولان، ودعم عدد من نواب المعارضة له وإدانتهم للهجوم عليه.

من ناحيته انتقد رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو بلهجة شديدة ولاذعة تصريحات جولان، على الرغم من توضيح الأخير أنه “لم يقصد” تشبيه جيش الاحتلال بالجيش النازي. إلا أن نتنياهو قال في افتتاح جلسة الكنيست الإسرائيلي، الأحد (5/8)، إن ما قاله جولان “فظيع ولا أساس له، ويعتبر ظلماً للمجتمع الإسرائيلي”، وأضاف أنه ما كان يجب عليه أن يقول مثل هذا على الإطلاق، وخاصة في هذا التوقيت الذي يصادف ذكرى المحرقة.

وأوضح: “إن المقارنة التي أجراها نائب رئيس الأركان بين العمليات الألمانية قبل 80 عاماً” وبين جيش الاحتلال، غير مقبول، و”يقلل من شأن المحرقة”.

وهنا يذكر أن هجوم نتنياهو جاء عقب التصريحات الداعمة لجولان التي صدرت عن وزير جيش الاحتلال، موشيه يعالون. فبحسب ما اطّلع عليه “الخليج أونلاين” بصحيفة “هآرتس” العبرية، أعرب يعالون عن دعمه لجولان، قائلاً إنه “يثق به”، وبأنه “مقاتل وقائد قدير وأخلاقي”، وأن عليه أن يكون “بوصلة قيَمية وأخلاقية للجنود”.

كما انتقد بشدة الهجوم عليه من قبل الجمهور الإسرائيلي والقيادة السياسية.

وفي هذا السياق يذكر أن الانتقادات اللاذعة التي وجهت لجولان من جانب الكنيست الإسرائيلي شملت مطالب بإقالته ومعاقبته، ومطالب أخرى بتقديم اعتذار رسمي، ذاكرين أن توضيحه بأنه “لم يقصد المقارنة” غير كافٍ. وفي حين كان أغلب المنتقدين من النواب الموالين للحكومة، اتخذ نواب المعارضة موقفاً مغايراً، إذ وجه يتسحاق هرتسوغ– زعيم المعارضة- نقده لنتنياهو وكل من هاجم جولان، مصرحاً عبر حسابه الرسمي في تويتر، أن الهجوم هو “محاولة تخويف وتكميم أفواه قادة الجيش، وهذا أمر خطير وغير مسبوق”، وبشكل شبيه علّقت النائبة المعارضة شيلي يحيموفيتش قائلة: إن “نتنياهو الذي هو أكثر من يبخس من المحرقة قيمتها يتجرأ على اتهام نائب رئيس الأركان بفعل ذلك”، وأضافت: “نتنياهو هو الجمل لا يرى حدبته، وهو من يسكن بيتاً زجاجياً، ووقح ومثير للسخرية”.

ليفي: “يبكي… ويطلق النار”؟

ومن جانب ثالث، تلقى جولان نقداً لاذعاً لسبب آخر من الكاتب والصحفي المعروف “جدعون ليفي”، الذي كتب مقالاً بصحيفة “هآرتس” العبرية بعنوان: “يبكي ويطلق النار”، منتقداً النوع الجديد-القديم من الخطاب العسكري الإسرائيلي الذي “يبكي ويطلق النار”، أو “يطلق النار ثم يبكي”؛ ليظهر أمام نفسه والآخرين أكثر “أخلاقية” و”رحمة”.

قال ليفي في مقاله، قاصداً جولان وقادة الجيش السابقين المحذرين من الـ”توحش”: “لا يمكن تجاهل كون هؤلاء ليسوا مراقبين جانبيين؛ إذ إن ثلاثتهم يتحملون المسؤولية المباشرة والثقيلة عن الوضع الذي يقومون بانتقاده. ثلاثتهم ساهموا بخلق هذا الوضع على مر السنين. فهم القائمون على قيادة الجيش، الذي يعتبر واحداً من سكاكين الذبح الكبرى عند المجتمع الإسرائيلي. كما أنهم يقودون جيشاً يقوم بالعمليات التي تقوم على تقوية الاحتلال بأساليب وحشية. ومن يقف اليوم على رأس جيش الاحتلال، هو الذي قاد في السابق عدداً من عملياته الأكثر إجراماً، والتي غابت عنها جميع الصفات الأخلاقية المتعارف عليها”.