سياسة أمريكا المزدوجة تجاه إيران


كونسرتي يوم ام نيوز –

في مقال بعنوان “لماذا تحتاج أمريكا إيران في العراق”، يقول السفير الأمريكي السابق في العراق زلماي خليل زاد إن “الفوضى في بغداد، والتي بلغت مداها بالاحتلال المؤقت للبرلمان من قبل أتباع رجل الدين الشيعي مقتدى الصدر، تقوض الحرب ضد تنظيم الدولة الإسلامية. وتضعف الاقتصاد العراقي. وتعجل بتفكك البلاد”.

وأضاف أنه “بدون التعاون بين الولايات المتحدة وإيران وأكبر رجل دين شيعي في العراق آية الله السيستاني، يمكن للأزمة أن تؤدي إلى انهيار النظام السياسي برمته الذي تم إنشاؤه في العراق خلال الاحتلال الأمريكي المؤقت … ولمنع هذا من الحدوث، تحتاج واشنطن إلى مساعدة طهران . ويجب على إيران أن تكون متحفزة بنفس مستوى واشنطن لجلب الاستقرار في العراق، لأن ايران تفقد زخمها حاليا في العراق “.

وبغض النظر عن السياسة الضمنية المشكوك فيها التي تقضي بأن إيران تعزز من مكانتها بين العراقيين بطريقة أو بأخرى من خلال التعاون مع أمريكا، يفترض خليل زاد أن إيران يجب أن تساعد الآن على تحقيق احتياجات أمريكا في العراق، إلى جانب إصرار وزير الخارجية الأمريكي جون كيري على أن إيران يجب أن تساعد أمريكا على انهاء الصراع في سوريا أيضا، بما يبرز المفارقة الكامنة في قلب الدبلوماسية الأمريكية تجاه إيران، وروسيا (والصين أيضا).

وقد أطلق جيريمي شابيرو ،المستشار الخاص السابق لمساعد وزير الخارجية، على هذ النهج اسم “الطريق الوسط” حيث قال إن الإدارة الأمريكية لا ترغب في القيام بمواجهة شاملة مع هذه الدول الثلاث. فتلك الدول قوية عسكريا، وليس هناك رغبة سائدة بين الرأي العام الأمريكي المنهك والمتحفظ تجاه المزيد من المواجهات العسكرية بعد الإحباط المستمر الذي تسبب فيه المحافظون الجدد.

بالإضافة إلى أن النظام المالي العالمي الآن هش للغاية، ولن يكون احتمال تصعيد الصراع مفيدا بالنسبة للاقتصاد الأمريكي المتعثر ولا لنهج الطريق الوسط.

ويشير شابيرو إلى التناقض الواضح لهذا النهج المزدوج حيث يقول: لم يعد بإمكان الولايات المتحدة أن تتجاهل تلك الدول القوية. لقد مر عهد سلطتها الأحادية المطلقة غير القابلة للتحدي. وتحتاج أمريكا إلى مساعدة هذه الدول، ولكن في الوقت نفسه، تسعى على وجه التحديد إلى مواجهة احتمالات منافسة أو تحدي هذه الدول للقوة الأمريكية في أي شكل من الأشكال.

وتتجاهل أمريكا ببساطة القضايا الأساسية التي تغذي التوتر بينها وبين هذه الدول. وترفض ببساطة معالجتها. ويخلص شابيرو إلى القول بأن هذا النهج في السياسة الخارجية لا يمكن احتماله، ومحكوم عليه بالفشل: “هذا النهج المزدوج ، الذي يدين روسيا [أو إيران] باعتبارها دولة معتدية في يوم، بينما يسعى للعمل مع موسكو [أو طهران] في اليوم التالي … سوف يؤدي في النهاية إلى مواجهة أكبر من أي وقت مضى “.

“الطريق الوسط”

بطريقة ما، يبدو أن نهج الولايات المتحدة تجاه إيران يعكس ما يسمى سياسة “الطريق الوسط” التي تواصل الإدارة الأمريكية انتهاجها تجاه روسيا، فقد تم تنحية نهج “إعادة التأهيل” جانبا عندما تولى الرئيس فلاديمير بوتين الرئاسة للمرة الثانية، وقرر أوباما – بدلا من السعي لمواجهة مباشرة مع روسيا – التعاون  مع روسيا عندما يكون ذلك مناسبا، ولكن الولايات المتحدة لن تتنازل عن التعامل مع دور روسيا “الغريب” في أوروبا، أو نهج الاحتواء الذي تتبعه في آسيا، أو بواعث قلقها بشأن النظام العالمي الذي كان يُستخدم لمحاصرة روسيا وسحق الدول المعارضة التي ترفض الدخول في النظام العالمي بشروط أمريكا وحدها. ولم يبذل أوباما الكثير من أجل معالجة الجوانب السلبية في نظام الصواريخ الدفاعية لحلف الناتو على الحدود الروسية. وظاهريا، يبدو أنه أعاد إلى الأذهان مسألة إنقاذ أوروبا من الصواريخ الإيرانية.

وظاهريا أيضا، يمكن أن تكون خطة العمل المشترك الشاملة هي طريقة نهج أمريكي لـ”إعادة تأهيل” إيران. ويعتقد البعض، بما في ذلك عدد من الساسة الإيرانيين البارزين، أن الأمر كان كذلك.

ولكن مستشارة الأمن القومي سوزان رايس كانت واضحة جدا عندما تحدثت إلى جيفري غولدبرغ في مجلة ذا أتلانتك بأن هذا لم يكن هو مقصد أوباما على الإطلاق وقالت: “من المفترض، على الأقل بين منتقديه، أن أوباما سعى إلى الاتفاق مع إيران لأن لديه رؤية للتقارب التاريخي الأمريكي- الفارسي . ولكن رغبته في الاتفاق النووي نتجت عن التشاؤم بقدر ما نتجت عن التفاؤل. فلم يكن الاتفاق النووي مع إيران يهدف أبدا في المقام الأول إلى محاولة فتح صفحة جديدة من العلاقات بين الولايات المتحدة وإيران. بل كان اتفاقا براجماتيا يهدف ببساطة إلى تحويل بلد خطير إلى حد كبير إلى بلد أقل خطورة. فلم يكن أحد يتوقع أن إيران سوف تصبح لاعبا أكثر اعتدالا”.

وهكذا، نرى نمطا مماثلا مرة أخرى، حيث تم تنحية نهج “إعادة تأهيل” إيران جانبا (بحسب رايس)، في حين تم اتباع نهج مزدوج يدين إيران بسبب تجارب الصواريخ الباليستية (والتي ليس لها أي علاقة بخطة العمل المشترك الشاملة)، ويدين دعمها لحزب الله في يوم، ثم يطلب مساعدة إيران في العراق وسوريا في اليوم التالي.

وفي الوقت نفسه، لا يتم التعامل مع جوهر النزاع بين ايران والولايات المتحدة والمتمثل في شكاوى إيران بشأن عدم تسريع دمجها في النظام المالي الدولي كما اقتضت خطة العمل المشترك الشاملة ذلك. وقد قوبلت هذه الشكاوى باستهزاء أمريكي يعني “هل كنتم تتوقعون حقا أي شيء آخر؟”

وقد قام بعض (وليس كل) السياسيين الإيرانيين بإثارة توقعات الشعب الإيراني بأن جميع العقوبات – سوى بعض العقوبات الأمريكية المحددة – سوف يتم رفعها. وقد راهنوا بمصداقيتهم على ذلك، وربما يدفعون ثمنا سياسيا في نهاية المطاف.

وفي الوقت الذي يرسل فيه حلف شمال الاطلسي 4000 جنديا اضافيا إلى دول البلطيق وبولندا، على الحدود الروسية، لازال الكونجرس الأمريكي يحقق تقدما رمزيا على الحدود الايرانية.

وتقول صحيفة كيهان الايرانية المحافظة: “لقد تم عرض مشروع قانون جديد على الكونجرس الأمريكي يتهم إيران بخلق التوتر في الخليج الفارسي، وقد حثت الحكومة الأمريكية على مواجهة إيران وفرض عقوبات جديدة ضد بلدنا. وقد صاغ راندي فوربس، وهو عضو جمهوري في مجلس النواب الأمريكي، مشروع القانون، وفي حال إقرار الكونجرس له، سوف تتم إدانة الوجود العسكري الإيراني في الخليج الفارسي باعتباره استفزازت “.

وقد كان تحذير شابيرو المحدد بشأن نهج “الطريق الوسط” هو أن “العوامل السياسية والبيروقراطية على الجانبين من شأنها أن تقود إلى مواجهة أكبر من أي وقت مضى”. ولكن هذا ليس هو الخطر الوحيد، فهناك خطر تقويض أولئك الموجودين في إيران وروسيا ممن يناصبون العداء لأي شخص يفكر في الوفاق مع الولايات الدولة المتحدة.

اعتقاد أمريكا الخاطئ

من خلال تعميم هذ النهج ليرقى إلى مستوى السياسة العامة تجاه هذه الدول (روسيا وإيران والصين) التي أخذت على عاتقها عبء طرح رؤى بديلة غير غربية، فسوف يؤدي هذا إلى مخالفة فحوى خطة العمل المشترك الشاملة (على الأقل)، مما سيكون له تداعيات أوسع نطاقا.

وقد أنفقت كل من روسيا والصين على حد سواء رأسمال سياسي من أجل المساعدة في اقناع ايران بالتوقيع على خطة العمل المشترك الشاملة، فهل لم تتسائل روسيا والصين عن مدى موثوقية الاتفاق مع الولايات المتحدة؟ فقد عقدت الصين من المفاوضات مع أمريكا حول القضايا التجارية والمالية، بينما تحاول روسيا حل مسألة الصواريخ البالستية، وكذلك مسألة العقوبات بشأن أوكرانيا، مع أمريكا. إلا أن الكاتب الروسي البارز، فيودور لوكيانوف، وهو ليس معادي على الإطلاق لمسألة التقارب مع الغرب، يقول إن محاولة استخدام عضوية روسيا في مجموعة الثماني كأداة للضغط على روسيا أمر لا طائل منه.

ويقول: ” لقد عكست مجموعة الثماني فترة معينة من التاريخ عندما أرادت روسيا حقا أن تندمج مع ما يسمى بالغرب المتمدد. فلماذا لم يحدث هذا؟ هل حدث شيء خطأ؟ هذه مسألة أخرى. الشيء الأكثر أهمية هو أن هذا الأمر لم يحدث على الإطلاق … وقد بدا في التسعينيات أن هذه العضوية لم تكن تعني المشاركة فقط في منتدى آخر، بل كانت قرارا استراتيجيا يهدف إلى المستقبل. ومع ذلك، فإن المستقبل المرغوب فيه لم يأت، وربما لن يأتي. وبات من الواضح الآن، أن العالم لا يتطور باتجاه النموذج الغربي. لذلك، الآن لدينا ما لدينا، وليس هناك أي سبب لاستعادة مجموعة الثماني”.

فهل يمكن أن ينعكس هذا الشعور العام في إيران أيضا حيث لازالت مسألة رفع العقوبات مستمرة؟ هل انتصرت الولايات المتحدة على إيران من خلال عقد اتفاق خطة العمل المشترك الشاملة ثم تجاهلت الشكاوى الإيرانية؟ هل كانت إيران مجرد دولة ساذجة؟ وهل تعتقد حقا أن الولايات المتحدة كانت ستمكن إيران ببساطة من الناحية المالية؟

من الواضح تماما أن المرشد الأعلى قد تفهم الوضع على وجه التحديد؛ حيث لديه بعض الخبرة حول عدم امتثال الولايات المتحدة لمعاهداتها مثلما حدث في أزمة الرهائن في الثمانينات.

ولكن ما الذي خسرته إيران من توقيع خطة العمل المشترك الشاملة ؟ قد يكون هناك عدد قليل من الإيرانيين الناقمين على هذا الاتفاق، ولكنه حقق لإيران ثلاثة أشياء مهمة، وهي أن العالم يعرف الآن أن إيران لم تكن هي العائق أمام الصفقة النووية، غير الاتفاق الصورة العامة لإيران وأتاح فرصة الاندماج  مع بقية العالم (بما في ذلك أوروبا)، قامت إيران خلال هذه العملية بتعزيز العلاقات السياسية والاقتصادية الاستراتيجية مع روسيا والصين.

ولكن الأهم من ذلك كله، تم معالجة الصدع الموجود داخل إيران والناتج من الشعور السائد بين بعض التوجهات الإيرانية بأن خطاب الرئيس أحمدي نجاد كان هو العقبة الرئيسية أمام تطبيع العلاقات مع الغرب.  وقد تم منح الحكومة الإيرانية، ذات الوجه الصديق للغرب، فرصة كاملة للتفاوض على حل للقضية النووية. ومهما كانت النتيجة النهائية، فقد تكشفت الحقائق.

لا، لم تكن القيادة الإيرانية ساذجة.